في معرفة العهد الثالث مع ابراهيم (عليه السلام)
قال الإمام الصادق (منه السلام):
«إن قابيل لما رأى النار قد قبلت قربان هابيل قال له إبليس: «إن هابيل كان يعبد تلك النار»، فقال قابيل: «لا أعبد النار التي عبدها هابيل، ولكن أعبد ناراً أخرى وأقرب قرباناً لها فتقبل قرباني»، فبنى بيوت النار فقرب لها فلم يكن له علم بربه عز وجل ولم يرث منه ولده إلا عبادة النيران». هذا دليل على أن آدم (عليه السلام) لم يعتبر قابيل ابنه، ولم يعلّم قابيل شيئاً عن الدين.
لعبت النار دوراً جوهرياً في الأديان الإلهية منذ البداية في قصة آدم والقرابين التي قدمها قابيل وهابيل، وظلت تلعب هذا الدور المهم سواء في الدين الإلهي الحقيقي أو في الأديان الباطلة، لاسيما في اللَبس الموجود بين الناس بخصوصهم. على سبيل المثال قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بخصوص الديانة الزرادشتية:
«هذا الدين أسسه النبي زرادشت (عليه السلام) وسمى أتباعه هذا الدين على اسمه بعد وفاته».
لم يكن أتباع زرادشت من عبدة النار، لكن ذرية قابيل من بعده ظنوا أن زرادشت كان من عبدة النار مثلما ظن أبوهم قابيل عن آدم (عليه السلام). حرّف أبناء قابيل الدين والتبس الأمر على الناس بخصوص هذه النقطة، حيث يعتقد الكثيرون الآن أن الزرادشتيين هم عبدة نار.
وكان النبي زرادشت (عليه السلام) من الأنبياء الذين كانوا على شريعة النبي نوح (عليه السلام) ولهذا السبب تلعب النار دوراً مهماً. كان الناس في زمن النمرود (لعنه الله) على ما تبقى من دين قابيل، لذلك نجد أن النار تلعب دوراً مهماً في دين النمرود كذلك، حتى أن النمرود ألقى بإبراهيم (عليه السلام) في النار كقربان. حاول النمرود أن يجعل إبراهيم يعبد النار وعندما رفض ألقاه فيها، لكن قربان النمرود لم يُقبل ولم تأكل النار إبراهيم (عليه السلام) كما لم تأكل قربان سلف النمرود - قابيل (لعنهما الله) - ولم تقبله. ورد في إحدى الروايات من التراث اليهودي:
«تم تسليمه [إبراهيم] إلى النمرود. قال له [النمرود]: «اعبد النار!» قال له إبراهيم: «هل أعبد الماء الذي يطفئ النار؟» قال له النمرود: «اعبد الماء!» قال له [إبراهيم]: «إذا كان الأمر كذلك فهل أعبد السحاب الذي يحمل الماء؟» قال له [النمرود]: «اعبد السحاب!» قال له [إبراهيم]: «إذا كان الأمر كذلك أفأعبد الريح التي تبدد السحاب؟» قال له [النمرود]: «اعبد الريح!» قال له [إبراهيم]: «ونعبد الإنسان الذي يقاوم الريح؟» قال له [النمرود]: «أنت تكدس الكلمات على الكلمات، لا أنحني إلا للنار - فيها أرميك، وليأتي الله الذي تنحني له ويخلصك منها!». كان هاران [شقيق إبراهيم] واقفاً هناك. قال [في نفسه]: «ماذا أفعل؟ إذا انتصر إبراهيم، سأقول: «أنا من [أتباع] إبراهيم»، وإذا انتصر النمرود سأقول «أنا من [أتباع] النمرود». عندما دخل إبراهيم إلى التنور ونجا، سُئل هاران: «أنت تابع لمن؟» فأجاب: «إبراهيم!». [ثم] أخذوه وألقوا به في الفرن، وانفتحت بطنه ومات قبل أبيه تاراك».
كان النمرود من أبناء كنعان، وكان كنعان من نسل قابيل وإبليس (لعنهما الله). وانتهى العهد الثاني مع الله بسبب محاولة النمرود قتل إبراهيم (عليه السلام). وبالنتيجة، أقام الله عهدا ثالثاً مع إبراهيم (عليه السلام). ثم أنزل الله العقاب على النمرود وقومه، وفي ذلك الزمان كان جميع أهل الأرض يتحدثون بلغة واحدة، إلا أن البابليين تحدوا الله رغبة منهم في أن يكون لهم شأناً عظيماً فشيدوا برجاً عملاقاً «رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ» وهو برج بابل، لكن الله أذلهم فدمر برج بابل وأهلك النمرود بحشرة صغيرة، وبلبل لسان الناس وفرقهم إلى أقوام وقبائل وشعوب كثيرة مختلفة. عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما، فلما جمع له الأشياء قال: «إني جاعلك للناس إماما» قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: «ومن ذريتي»، قال: «لا ينال عهدي الظالمين».
وفي سفر التكوين الإصحاح السابع عشر:
«وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا، فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا». فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلًا: «أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ». وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيم: «وَأَمَّا أَنْتَ فَتَحْفَظُ عَهْدِي، أَنْتَ وَنَسْلُكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ. هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي». وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ». فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ للهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً. وَلكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ ابْنَهُ، وَجَمِيعَ وِلْدَانِ بَيْتِهِ، وَجَمِيعَ الْمُبْتَاعِينَ بِفِضَّتِهِ، كُلَّ ذَكَرٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ، وَخَتَنَ لَحْمَ غُرْلَتِهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ كَمَا كَلَّمَهُ اللهُ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ ابْنَ ثَلاَثَ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ خُتِنَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ خُتِنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ. وَكُلُّ رِجَالِ بَيْتِهِ وِلْدَانِ الْبَيْتِ وَالْمُبْتَاعِينَ بِالْفِضَّةِ مِنِ ابْنِ الْغَرِيبِ خُتِنُوا مَعَهُ».
مثلما عقد الله عهداً مع آدم (عليه السلام) وذريته ومع نوح (عليه السلام) وذريته أقام الله كذلك عهداً ثالثاً مع إبراهيم (عليه السلام) وذريته، لكن أوضح الله أن هذا العهد لن يكون إلا مع الصالحين من ذريته ولن يشمل من ينحدرون من ذرية إبليس وقابيل. وقد أعطى الله إبراهيم (عليه السلام) علامة مميزة لهذا العهد وكانت هذه العلامة هي الختان. لطالما كان الختان علامة غريبة عجز العلماء عن تفسيرها: لماذا اختار الله هذه العلامة الغريبة بالتحديد لإبراهيم وذريته؟ كانت علامة عهد آدم هي الشجرة، وعلامة عهد نوح قوس قزح، وعلامة العهد الثالث الختان.
الختان يتم في منطقة الجهاز التناسلي عند الذكر وهذه المنطقة تكون مغطاة دائماً بالملابس، فلمن إذن كانت هذه العلامة؟ كانت هذه العلامة لنساء العهد الإبراهيمي، بنات آدم وذرية آدم (عليه السلام)، وذلك حتى يعرفن من هم أزواجهن قبل السماح لهم بالدخول بهن، هل هم أبناء آدم أم أبناء متخفيين لقابيل؟ وكان الغرض من هذه العلامة هو ألا ينخدعن بإبليس وأبنائه مثلما انخدعت حواء سابقاً.
كان العهد الجديد وشرط الختان المرتبط به صعب على أهل ذلك الزمان، فقد فرض الله الختان من أجل تطهير نسلهم من ذرية إبليس التي اختلطت به، حيث أن إبليس وأولاده لم يكونوا مختونين. وقد بين عيسى (عليه السلام) هذا الأمر إذ قال في إنجيل برنابا:
«وإذا امرأة من كنعان خرجت من وطنها في طلب يسوع مع ابنيها. ولما رأته آتياً مع تلاميذه صرخت إليه: «يا يسوع ابن داود ارحم ابنتي الصغيرة التى يعذبها الشيطان». فما أجابها يسوع بكلمة واحدة، لأنها كانت من شعب غير المختونين. فأشفق التلاميذ وقالوا: «يا معلم، ارحمهم. ها هم يصرخون ويبكون». فأجاب يسوع: «أرسلنى الله إلى بني إسرائيل لا إلى غيرهم». فجاءت المرأة إلى يسوع مع ابنيها وبكت قائلة: «يا ابن داود ارحمني». فأجاب يسوع: «لا يحسن أن يؤخذ الخبز من أيدي البنين ويُعطى للكلاب!» قال يسوع هذا بسبب نجاستهم، لأنهم كانوا من شعب غير مختون. فأجابت المرأة: «يا رب، الكلاب تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة مواليها!» فُدهش يسوع من كلمات المرأة و قال: «عظيم إيمانك أيتها المرأة». ورفع يديه إلى السماء وصلى إلى الله. ثم قال: «يا امرأة، حررت ابنتك، فاذهبى في سلام». ومضت المرأة. ولما عادت إلى بيتها وجدت صغيرتها تبارك الله. لهذا قالت المرأة: «حقا لا إله غير إله إسرائيل». وانضمت كل قرابتها إلى الناموس المكتوب في سفر موسى.
في ذلك اليوم سأل التلاميذ يسوع: «يا معلم، لماذا أجبت هذه المرأة إنهم كلاب؟» فأجاب يسوع: «بحق أقول لكم، الكلب خير من الإنسان اللامختون». فحزن التلاميذ وقالوا: «هذا الكلام قاس فمن يمكنه أن يفهمه» فأجاب يسوع: «يا جهال، إذا نظرتم ما يفعله الكلب لكي يُرضي سيده، مع أن لا فهم له، تجدون أني قلت الصواب. فقولوا لي: ألا يحرس الكلب بيت سيده؟ ألا يعرّض حياته للصوص؟ أجل، وماذا ينال؟ الضرب الكثير والشتائم وبعض الخبز. وهو دوماً يقدّم لسيده وجهاً فرحاً. أليس الأمر هكذا؟» فأجاب التلاميذ: «نعم، هو الصواب يا معلم». فقال يسوع: «انظروا الآن كل ما يهب الله للإنسان وعندئذ ترون كم هو شرير حين لا يحفظ العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم عبده». وتذكروا ما قال داود لشاول، ملك إسرائيل، في شأن جليات الفلسطيني. قال: «يا سيدي، حين كان عبدك يحرس قطعان عبدك، كان الذئب والدب والأسد تأتي وتأخذ نعجة من عبدك. فكان عبدك يذهب فيقتلها ويستعيد النعاج. والآن، من هو هذا الأغلف إلا ما يشبه هذه (الحيوانات)؟ إذن، ينطلق عبدك باسم الرب إله إسرائيل ويقتل هذا النجس الذي جدّف على شعب الله المقدس». فقال التلاميذ: «قل لنا يا معلم، لماذا يجب على الإنسان أن يُختن؟» فأجاب يسوع: «يكفي أن تعرفوا أن الله أمر به إبراهيم، فقال له: «إبراهيم، اختن قلفتك وقلفة كل بيتك، فهذا عهد بينى وبينك إلى الأبد». ولما قال يسوع هذا جلس قرب الجبل المواجه لصور. فاقترب منه تلاميذه ليسمعوا أقواله. فقال يسوع: «في الفردوس، بعد أن أكل آدم، أول إنسان أطغاه الشيطان، الطعام الذي منعه الله منه، تمرد اللحم على الروح. فأقسم قائلا: «والله سأقطعك». وبعد أن كسر حجرا، أخذ لحمه ليقطعه بالحد. لهذا وبخه الملاك جبرائيل. فأجاب: «أقسمت بالله أن أقطعه ولن أكذب أبدا» فبيّن له الملاك زائدة اللحم فقطعها. فكما أن كل إنسان يأخذ لحما من لحم آدم، كذلك يُفرض عليه أن يمارس ما وعد به آدم بقسم. وطبق آدم هذا على أبنائه، فانتقلت فريضة الختان من جيل إلى جيل».
أود الإشارة هنا إلى أن هذه الفقرة دليل إضافي على أن الخطيئة الأولى التي ارتكبها آدم (عليه السلام) كانت محاولته أن ينكح فاطمة الزهراء (منها السلام). لقد كانت خطيئة الجسد وكانت بالتحديد خطيئة جنسية. لهذا السبب ينتقم آدم هنا من عضوه الذكري ويقطعه بالناحية الحادة من الحجر. لأن الجسد الذي تمرد على الله كان لحم قضيبه.
لنكمل الرواية من إنجيل برنابا…:
«وفي أيام إبراهيم، انتشر الشرك على الأرض، فكان عدد المختونين قليلا جدا. فأوحى الله لإبراهيم حدث الختان، وقطع العهد قائلاً: «النفس التي لا تختن لحمها، أرذلها من شعبي إلى الأبد» فلما قال يسوع هذا، ارتجف التلاميذ من الخوف، لأنه تكلم في حدة روحه. حينئذ قال يسوع: «اتركوا الخوف لمن لم يختن قلفته، لأنه محروم من الجنة». ثم أضاف يسوع: «عند الكثيرين، الروح سريع في خدمة الله، ولكن البدن ضعيف. لهذا، فعلى الإنسان الذي يخاف الله أن يعتبر ما هو البدن، وما هو أصله وإلى ما صار إليه. خلق الله البدن من طين الأرض، ونفخ فيه نسمة الحياة حين نفخ في الداخل. فلما أعاق البدن خدمة الله، وجب عليه أن يُحتقر مثل الطين ويُداس بالأرجل، لأن الذي يبغض نفسه في هذه الدنيا يحفظها للحياة الأبدية. ما هو البدن الآن، تدل عليه رغبته: هو عدو قاس لكل خير، لأنه وحده يرغب في الخطيئة. أيجب على الإنسان إرضاء لعدوه أن لا يُرضي الله خالقه؟ احكموا أنتم أنفسكم! فجميع الأولياء والأنبياء كانوا أعداء بدنهم لخدمة الله. لهذا، راحوا طوعا وبابتهاج إلى الموت لئلا يتجاوزوا ناموس الله الذي أُعطي لموسى عبده، ويعبدوا آلهة مزيفة وكاذبة. تذكروا إيليا الذي هرب في أماكن الجبل المقفرة لا يأكل إلا العشب و يرتدي جلود الماعز. كم يوم صام! كم تحمّل من البرد! وكم بلله المطر! وكل هذا خلال السنين السبع التي فيها امتد اضطهاد قاس من الملكة إيزابيل. وتذكروا اليشع الذي كان يأكل خبز الشعير ويلبس اللباس الخشن. الحق أقول لكم، فالذين ما خافوا أن يحتقروا بدنهم، خاف منهم الملوك والأمراء. هذا ما يكفي لتحتقروا البدن، أيها الناس! فإذا نظرتم الى القبور تعرفون ما هو البدن!».
والآن يتضح لكم لماذا يكون الكلب أفضل من غير المختونين، لأن الكلب أفضل وأطهر من إبليس ونسله. كان العهد الإبراهيمي عهداً مميزاً لإبراهيم ولذريته بالخصوص (أبناء آدم)، حيث أراد الله أن يكون لإبراهيم وأهله دولة خاصة وأرض خاصة بهم مثل جنة عدن، وقد وهب الله لإبراهيم وذريته الأرض من النيل إلى الفرات، أي أن الله وهبها لإبراهيم وإسحاق وإسماعيل وأولاد إسرائيل (يعقوب) من بعدهم (عليهم السلام جميعاً). قال الله تعالى:
«غَيْرَ أَنَّ عَهْدِي أُبْرِمُهُ مَعَ إِسْحاقَ»
فإسماعيل وذريته مشمولون في العهد، إلا أن شعب الله المختار في هذا العهد هم أبناء إسحاق (عليه السلام).
هناك العديد من النقاط المثيرة للاهتمام في قصة النبي إبراهيم (عليه السلام) والتي نود أن نشير إليها. أولاً، نود أن نشير إلى أن إبراهيم كان متزوجاً من أخته سارة، والتي كانت في الواقع أخت غير شقيقة. وهذا يبرهن أكثر على حقيقة أن الزواج بين الأشقاء كان مسموحاً به في العهد الأول، حيث لم يكن هناك أمر سوى التكاثر ولا نهي سوى الابتعاد عن الشجرة. وظل الزواج بين الأشقاء مباح شرعاً في عهد نوح الذي كان عليه إبراهيم وسارة، وظل مباح شرعاً في العهد الثالث أيضاً. يتضح ذلك في سفر التكوين الإصحاح ٢٠ حيث ورد أن إبراهيم وسارة كانا أخ وأخت وكذلك زوج وزوجة:
«وَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ امْرَأَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ».
وهذا ما يؤكده إبراهيم (عليه السلام) أكثر في الآيات ١١-١٢ من نفس الاصحاح:
«فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «إِنِّي قُلْتُ: لَيْسَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ خَوْفُ اللهِ الْبَتَّةَ، فَيَقْتُلُونَنِي لأَجْلِ امْرَأَتِي. وَبِالْحَقِيقَةِ أَيْضًا هِيَ أُخْتِي ابْنَةُ أَبِي، غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتِ ابْنَةَ أُمِّي، فَصَارَتْ لِي زَوْجَةً».
وفي صحيح البخاري روي عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه قال أختي».
كانت هناك أيضاً أنواع أخرى من العلاقات الجنسية التي كانت تُمارس في مكان ليس ببعيد عن إبراهيم (عليه السلام)، ومنها العلاقات الجنسية المثلية في مدينتي سدوم وعمورة حيث أُرسل ابن أخِ إبراهيم، النبي لوط (عليه السلام). ورد في سفر التكوين الإصحاح ١٨ تعالي صرخات الناس وشكواهم إلى الله من سدوم وعمورة. وعندئذ بعث الله ملكين في هيئة رجلين للتحقق من الأمر:
«وَقَالَ الرَّبُّ: «إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا. أَنْزِلُ وَأَرَى هَلْ فَعَلُوا بِالتَّمَامِ حَسَبَ صُرَاخِهَا الآتِي إِلَيَّ، وَإِلاَّ فَأَعْلَمُ».
وهكذا تظهر أمامنا حقيقة مهمة يجب أن نقف عندها، حيث نجد هنا أن أهل سدوم وعمورة كانوا السبب في تعالي صرخات الناس إلى الله. الصرخة هي شكوى أو احتجاج عظيم، فقد كان الناس ضحايا لأهل سدوم وعمورة وكانوا يشكون ذلك إلى الله. تعطينا الرواية اليهودية التالية من كتاب «أساطير اليهود» لمحة عما كان عليه أهل سدوم وعمورة:
«وكان سكان سدوم وعمورة والمدن الثلاث الأخرى في السهل خطاة وكافرين بالرب، وكان في بلدهم واد ممتد مترام يجتمعون فيه كل عام مع زوجاتهم وأطفالهم وكل ما لهم في احتفال يستمر عدة أيام ويحتوي على أفحش صنوف العربدة. وإن مر بأرضهم تاجر غريب يحاصرونه، كبيرهم وصغيرهم على السواء، ويسلبونه أيا ما يكون معه وكان كل منهم يخطف منه شيئا حتى يجردوه في النهاية من كل ما معه. وإن احتج الغريب على أحدهم يقول له: «إنه لم يأخذ منه إلا شيئا يسيرا لا يستحق عناء الكلام عنه». وفي النهاية كانوا يطردونه من المدينة. وذات مرة وصل إلى سدوم رجل في طريقه إلى «عيلام» وكان ذلك قرب المساء. ولم يعرض عليه أحد المبيت في منزله. وفي النهاية دعاه بحرارة رجل منهم كأنه ثعلب ماكر. اسمه «حيدور» ليتبعه إلى منزله. وكان السدومى قد جذبه (إلى الرجل) بساط فاخر نادر، كان الغريب قد ربطه على ظهر حماره بحبل. وكان ينوى استلابه لنفسه. واقتنع الرجل بتوسلات حيدور إليه في ود، ليبقى معه ليومين، مع أنه لم يكن يتوقع سوى أن يقضى معه ليلة واحدة. وعندما حان ميعاد استئنافه لرحلته، طلب من مضيفه البساط والحبل فقال له حيدور: لقد حلمت حلما وها هو تفسير حلمك: فالحبل يدل على أنك ستعيش طويلا، أما البساط الملون بألوان كثيرة فيشير إلى أنك ستمتلك حديقة ستزرع فيها كل أنواع الأشجار المثمرة. وأصر الغريب على أن بساطه إنما كان حقيقة، وليس محض خيال في حلم، وأصر على إعادته إليه. ولم ينكر حيدور أنه قد أخذ من ضيفه أى شىء فحسب، وإنما أصر على أن يدفع له الغريب مقابل تفسير حلمه. وقال له: إن السعر المعتاد لخدمة كهذه هو أربع قطع من الفضة، ولكن لأنك ضيفي فسأكرمك وأرضى بثلاث قطع من الفضة فقط.
وبعد جدل كثير عرضا قضيتهما على أحد قضاة سدوم، وكان اسمه «شريك» الذى قال للمدعي: «حيدور مشهور في هذه المدينة بتفسيره الصادق للأحلام، وما حدثك به هو الحقيقة». ولكن الغريب أعلن أنه غير مقتنع بهذا الحكم. وظل يلح على إنصافه. فطرد «شريك» المدعي والمدعى عليه كليهما من غرفة القضاء. وعندما رأى أهل المدينة ذلك اجتمعوا وطاردوا الغريب حتى أخرجوه من المدينة. فولى هاربا منها وهو ينوح على فقده بساطه.
وكما كان لسدوم قاض يناسبها، كذلك كان للمدن الأخرى، فكان «شركار» قاضى عمورة و«زبناك» في أدمة و«مانون» في صبوعيم. وقد عدل أليعازر، عبد إبراهيم، في أسماء هؤلاء القضاة تعديلاً طفيفاً يناسب طبيعة ما فعلوا: فقد سمى الأول «شكارا» أى الكذاب، والثانى «شاكرورا» أى كبير الغشاشين، والثالث «كذبان» أى المزور والرابع «مازلدين» أى المجحف. وباقتراح من هؤلاء القضاة، نصب أهل هذه المدن أسِرَّة في ساحات المدن، وكلما مر بها غريب يمسك ثلاثة رجال برأسه وثلاثة بقدميه ويحملونه ويضعونه قسراً على السرير. ولو كان قصيراً أقصر من السرير؛ فكانوا هم الستة معا يجذبون أطرافه حتى يملأ كل السرير. ولو كان طويلا أطول من السرير يكبسونه بقوتهم المشتركة حتى يصبح على حافة الموت، وكان كلما صرخ من الألم يجيبونه قائلين: «هكذا سنفعل بكل من يأتي إلى أرضنا».
وبعد مدة أخذ المسافرون يتحاشون المرور بهذه المدن، ولكن إن حدث وأوقع الحظ العاثر أحد المساكين في المرور بهذه المدن كانوا يعطونه الذهب والفضة، لكنهم لم يكونوا يعطونه أي خبز فيهلك جوعا. وبعدما يموت يأتي سكان المدينة إليه ويستردون ذهبهم وفضتهم التي كانوا قد علموها بعلامات، ثم يتشاجرون على توزيع ملابسه، فقد كانوا يدفنونه عريانا.
وذات مرة ذهب أليعازر، عبد إبراهيم، إلى سدوم ليسأل على أحوال لوط، بناء على أمر سارة. وتصادف أن دخل المدينة وأهلها يسلبون غريباً من ثيابه. ووقف أليعازر إلى صف الغريب المسكين، فانقلب السدوميون ضده؛ ورماه أحدهم بحجر فنزف دما كثيرا وما إن رأى المهاجم الدم ينزف من جبهة أليعازر إلا وطلب منه مالا مقابل قيامه بخدمة الحجامة له. ورفض أليعازر أن يدفع مقابلاً لجرح أصيب به، فذهبوا به إلى القاضي «شكارا». وصدر الحكم ضده، إذ كان قانون تلك البلدة يعطي الحق للمعتدي في طلب النقود . وفي الحال التقط أليعازر حجرا وقذف به القاضي في جبهته. وعندما رأى دم القاضي يتدفق في غزارة قال للقاضي: «سدد للرجل ما عليَّ وهات الباقى».
وقد كان سبب قسوتهم ثروتهم العظيمة، فقد كانت تربتهم من الذهب، ومن جشعهم ونهمهم لامتلاك المزيد من الذهب كانوا يريدون أن لا يتمتع الغرباء بأي قدر من ثرواتهم. ولهذا السبب أغرقوا الطرقات بالماء لكي تختفي ملامح الطرق التي تقود إلى مدينتهم فلا يهتدي إليها أحد. وكانوا لا يقلون في قساوة قلوبهم تجاه البهائم عن قساوتها تجاه البشر. وكانوا ينقمون على الطيور ما تأكله، ولذا فقد قضوا عليها. وكانوا لا يتورعون عن ارتكاب المعاصي، بعضهم في مقابل بعض، ولا يتورع أحدهم عن قتل غيره للاستيلاء على المزيد من الذهب. وإذا لاحظوا أن أحدهم يمتلك ثروات عظيمة؛ يتآمر اثنان منهم ضده. وكانا يستدرجانه إلى مكان مهجور ويشغله أحدهما بالحديث بينما يتسلل الآخر ويسقط الجدار الذي يقف إلى جواره فوقه، ثم يقتسم المتآمران ثرواته.
وانتشرت بينهم طريقة أخرى لإثراء أنفسهم. وهي أنهم كانوا لصوصاً بارعين. فعندما كانوا يعقدون عزمهم على سرقة أحد، كانوا يطلبون من ضحيتهم أن يحفظ عنده مبلغا من المال لهم بعد أن يكونوا قد دهنوه بزيت ذي رائحة نفاذة، وفي الليلة التالية يسطون على منزله ويسرقون كنوزه المخبأة بعد أن تقودهم رائحة نقودهم إلى المكان الذي خبأ فيه كنوزه.وكانوا قد أعدوا قوانينهم بحيث لا تؤذي إلا الفقراء. وكلما ازداد المرء غنى، كلما زادت أهميته ومكانته عند القضاة. فصاحب الثورين لا يقوم بخدمة الرعي إلا ليوم واحد فقط، لكن إن لم يكن له إلا ثور واحد فقط، فعليه أن يقوم بالخدمة ليومين. وإذا كان منهم يتيم فقير، يرعى القطعان، فمن يُتمه فُرض عليه أن يرعاها لمدة أطول ممن أنعم عليه بقطعان أكبر، فإنه يقوم بقتل كل الماشية التى أوكل بها، انتقاما من قاهريه، ثم يصر عند توزيع جلودها كل إلى صاحبه، أن صاحب الرأسين من الماشية لن يأخذ إلا جلدا واحدا، وإن صاحب الرأس الواحدة يأخذ جلدين، وذلك في محاكاة منه للطريقة المتبعة في تخصيص العمل. وإذا ما أراد شخص استخدام سفينة ليعبر النهر فإن عليه أن يدفع أربع زوزات، أما إذا قرر عبوره خائضا في الماء فإنه يدفع ثمانية «زوزات».
وذهبت وحشية السدوميين لما هو أبعد من ذلك. فقد كان للوط بنتا، وهى «بلطيط»، التى سميت كذلك لأنها ولدت له بعد فترة قصيرة من نجاته من الأسر بمساعدة «إبراهيم». وكانت بلطيط تعيش في سدوم، حيث كانت قد تزوجت. وذات مرة قدم على المدينة شحاذ وأصدر قضاة البلدة أمرا بألا يعطيه أحد ما يأكله لعله يموت من الجوع. لكن قلب بلطيط أخذته الشفقة بالمسكين التعيس. فكانت كل يوم، عندما تذهب إلى البئر لتستقي، تعطيه كسرة من الخبز كانت تخفيها في جرتها. وارتاب سكان المدينتين الخاطئتين، سدوم وعمورة، في أمر ذلك الشحاذ الذي لم يهلك بعد من الجوع، وارتابوا في أن هناك من يعطيه الطعام خفية. واختبأ ثلاثة منهم قريباً من الشحاذ وأمسكوا ببلطيط متلبسة بإعطائه طعاما. وكان عليها أن تدفع حياتها ثمناً لإنسانيتها فقد أحرقوها بالنار على محرقة الموتى. ولم يكن أهل «أدمة» أحسن حالاً من أهل سدوم. فذات مرة قدم غريب إلى أدمة ليقضي فيها ليلته ثم يواصل رحلته في الصباح التالى. والتقت ابنة أحد الأعيان بالغريب فأعطته ماء ليشربه وطعاما ليأكله عندما طلب منها ذلك. وعندما سمع أهل أدمة عن مخالفتها لقانون البلدة؛ أمسكوا بالفتاة وأوقفوها أمام القاضي الذى حكم عليها بالموت. فدهنها أهل البلد بالعسل، بعد أن جردوها من كل ثيابها، من أم رأسها إلى أخمص قدميها وأوقفوها في العراء لينجذب النحل إليها. وقد هاجمها النحل وظل يلدغها حتى ماتت، ولم يصخ أهل البلدة قساة القلوب سمعاً لصرخاتها التي تمزق نياط القلوب. عندها عزم «الرب» على إهلاك هؤلاء الخطاة».
وتستمر القصة في الإصحاح ١٩ من سفر التكوين:
«فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ». فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ. وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أخْرِجْهُمَا إلَينَا لِكَي نُعَاشِرَهُمَا». فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هَا إنَّ لَدَيَّ ابْنَتَيْنِ عَذْرَاوَينِ. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي». فَقَالُوا: «ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ». ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا». فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ، فَمَدَّ الرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ. وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ. وَقَالَ الرَّجُلاَنِ لِلُوطٍ: «مَنْ لَكَ أَيْضًا ههُنَا؟ أَصْهَارَكَ وَبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَكُلَّ مَنْ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ، أَخْرِجْ مِنَ الْمَكَانِ، لأَنَّنَا مُهْلِكَانِ هذَا الْمَكَانَ، إِذْ قَدْ عَظُمَ صُرَاخُهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا الرَّبُّ لِنُهْلِكَهُ». فَخَرَجَ لُوطٌ وَكَلَّمَ أَصْهَارَهُ الآخِذِينَ بَنَاتِهِ وَقَالَ: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ». فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ. وَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطًا قَائِلَيْنِ: «قُمْ خُذِ امْرَأَتَكَ وَابْنَتَيْكَ الْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: «اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ». فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: «لاَ يَا سَيِّدُ. هُوَذَا عَبْدُكَ قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، وَعَظَّمْتَ لُطْفَكَ الَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ بِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى الْجَبَلِ لَعَلَّ الشَّرَّ يُدْرِكُنِي فَأَمُوتَ. هُوَذَا الْمَدِينَةُ هذِهِ قَرِيبَةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ. أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً؟ فَتَحْيَا نَفْسِي». فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ وَجْهَكَ فِي هذَا الأَمْرِ أَيْضًا، أَنْ لاَ أَقْلِبَ الْمَدِينَةَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ عَنْهَا. أَسْرِعِ اهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ الْمَدِينَةِ «صُوغَرَ». وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتِ الأَرْضِ. وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ. وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْغَدِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الأَتُونِ. وَحَدَثَ لَمَّا أَخْرَبَ اللهُ مُدُنَ الدَّائِرَةِ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطًا مِنْ وَسَطِ الانْقِلاَبِ. حِينَ قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ. وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلًا». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلًا». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ».
بالإضافة إلى جرائم القتل والظلم التي كانت متفشية في سدوم والمدن المحيطة بها، نرى بوضوح من خلال زيارة الملكين أن المدينة بأكملها وجميع رجالها دون استثناء، صغاراً وكباراً قد جاءوا من كل ركن في المدينة ليغتصبوا الملكين. هذا يعني أن البلدة بأكملها كانت تشترك في اغتصاب أي زائر جديد للمدينة يحلو لهم. ويظهر هذا بوضوح من خلال محاولتهم اقتحام منزل النبي لوط (عليه السلام) لاختطاف واغتصاب الملكين اللذين كانا في صورة رجلين.
ونلاحظ كذلك أن النبي لوط (عليه السلام) كان له صهرين من أهل تلك المدينة تعهدا بالزواج من بناته في المدينة. وهذا يعني أن الصهرين لم يعترضا على لوط عندما عرض بناته على ذلك الجمع لمضاجعتهن. كيف يكون لوط نبياً ويعرض بناته على ذلك الجمع لمضاجعتهن، وفي نفس الوقت يعرضهن وهن مرتبطات؟ لابد أن سبب ذلك كان غياب أي قوانين في ذلك الوقت - ضمن العهود الثلاثة الأولى- تحرم هذا النوع من العلاقات الجنسية، أي الجنس الجماعي. وعلى نفس المنوال، ألا يمكن أن نستنتج أن المثلية الجنسية كذلك لم تكن محرمة بعد؟ حُرمت المثلية الجنسية في عهد النبي موسى (عليه السلام) حيث ذكرت في سفر اللاويين الإصحاح ١٨:
«وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ».
وكذلك في سفر اللاويين الإصحاح ٢٠:
«وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ، فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْسًا. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا».
والإجابة هي نعم، صحيح أن المثلية الجنسية لم تكن محرمة بعد، لكن فعل المثلية الجنسية كان ذنباً في حد ذاته لتعارضه بشكل مباشر مع أمر الله الأول بالتكاثر والإثمار، حيث لا تتأتى أي ثمار من العلاقة المثلية. وفيما يخص الشرائع الإلهية انتهك أهل سدوم وعمورة العديد من أحكام العهد الرئيسية. ومن الأحكام التي انتهكوها باستمرار هو القتل، وكذلك نقضهم لأمر الله بالتكاثر والإثمار، وهو الأمر الذي كان قد أعطاه الله لآدم ثم لنوح (عليهما السلام) ولم يلغه إبراهيم (عليه السلام) في العهد الثالث. وأي حكم أو أمر من عهد سابق لم يُعدل أو يُحذف بموجب عهد جديد يظل قائماً. وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في سورة الأعراف:
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ ۞ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ۞ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ۞ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ ۞ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا ۖ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ﴾.
وورد في القرآن الكريم في سورة الشعراء:
﴿أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ ۞ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾.
يذكر القرآن بوضوح أنه بينما كان لبعض سكان هذه المدن ربما زوجات، إلا أن غالبية الرجال فيها كانوا يأتون الرجال ويتركون النساء كلياً، ومارسوا شهواتهم مع الرجال بدلاً من زوجاتهم. وهذا يعني أن أهل سدوم وعمورة كانوا يخالفون أمر الله الأول بالإثمار والتكاثر وتركوا الجماع مع النساء تماماً. وكان هذا أحد أسباب استحقاقهم للعذاب. بخلاف ذلك كانوا مذنبين بالفعل لسفكهم دماء زوار المدينة والأبرياء. هناك أيضاً بعض النقاط المهمة جداً التي نود استخلاصها من قصة النبي لوط (عليه السلام):
﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾.
هذه إشارة مباشرة إلى ممارسة الختان التي كان لوط ملتزم بها بموجب عهد النبي إبراهيم (عليه السلام). ويشار إلى الختان في اللغة العربية بكلمة «طهارة».
- ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾.
أما عن المثلية الجنسية، فقد أوضح لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن الفطرة الجنسية الطبيعية هي انجذاب الذكور للإناث وانجذاب الإناث إلى الذكور، وذكر (منه السلام) أن معظم المثليين جنسياً أصبحوا على هذا النحو لسببين، إما لتعرضهم لاعتداءات جنسية في طفولتهم أو أنهم وُلدوا كذلك مع كون أحد آبائهم أو أجدادهم مثلي جنسياً أو لديه ميول جنسية تجاه نفس الجنس، وهذا يعني أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ينفي وجهة النظر التقليدية السائدة في معظم الأديان، وخاصة بين المسلمين، أن المثليين مجموعة من المنحرفين الذين يجب قتلهم أو رجمهم. بل يقول الإمام (منه السلام) إنه بينما تقتضي الفطرة الجنسية الطبيعية إنجذاب الرجال والنساء للجنس الآخر بغرض التكاثر، إلا أنه في الحقيقة لا يمكن إلقاء اللوم على المثليين لإنجذابهم لنفس الجنس، حيث يرجع ذلك في معظم الحالات إلى صفة جينية وراثية تنتقل إليهم أو لأنهم كانوا ضحايا لإعتداء جنسي في طفولتهم، وكلاهما ليس خطأهم.
في بداية الدعوة في العراق، بعد أن افتتح الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أول دار عبادة للمؤمنين، جاء رجل مثلي جنسياً إلى دار العبادة، فأعرب أتباع الإمام (منه السلام) عن رغبتهم في رحيله لأن وجوده بينهم حسب رأيهم كان سوف يُسيء إلى سمعتهم وسمعة الدعوة لأنه كان معروفاً في البلدة أنه مثلي جنسياً. غضب الإمام أحمد الحسن (منه السلام) غضباً شديداً عندما سمع ذلك وقال لهم:
«إذا أغلقت باب الله في وجهه، على باب من يقرع؟».
ورحب بالرجل وفتح له الباب مرة أخرى. وعلى هذا النحو، فإن ديننا ومجالسنا أبوابها مفتوحة للمثليين جنسياً ولكل الناس من جميع مناحي الحياة، لأن الإنسان المخلص في بحثه عن الله هو في الحقيقة أشرف من مُدعي التدين المنافق في داخله.
أما بالنسبة لموقع مدينتي سدوم وعمورة، فإن أخفض نقطة في العالم هي البحر الميت في الأردن وفلسطين، حيث يقع تقريباً على عمق ٤١٦ متر تحت مستوى البحر. أكد الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن البحر الميت هو مكان سَدُوم وعَمُورة وهي المدن التي دمرها الله كما ورد في الديانات الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام.
قال (منه السلام) عن البحر الميت:
«هو يجف الآن، وسوف يجف وتظهر الآثار وسوف تتغير المفاهيم حينها، كثير من الأمور سوف تتغير، إذا ما أخفوا الأمر».
ورد في القرآن الكريم:
﴿فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا﴾.
وقد تُرجمت هذه الآية بشكل خاطئ لتعني «جعلنا أعلى مكان في المدينة أسفلها» أو «قلبنا القرية رأساً على عقب» . ولكن الحقيقة هي أن الآية القرآنية لم ترد فيها كلمة «المدينة» أو «القرية» في اللغة العربية. الآية تقول فقط: ﴿جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا﴾.
إذا كان البحر الميت هو اليوم أعمق نقطة على وجه الكرة الأرضية، فلابد أنه كان أعلى نقطة على وجه الكرة الأرضية. كانت أعلى نقطة على سطح الأرض هي مدينتي سَدُوم وعَمُورة والتي كانت على ارتفاع يفوق جبل إيفرست، وقد خسفها الله وجعلها أدنى نقطة. من أعلى مكان في العالم إلى أدنى مكان...بين عشية وضحاها.