استمر عهد عيسى (عليه السلام) مع العرب إلى أن تفاقم الظلم والقتل وعبادة الأوثان والشرك والكفر بينهم. كان لكل قبيلة دار عبادة خاص بها على شكل كعبة عملاقة ملأوها بمئات الأصنام المصنوعة من العصي والحجارة.
والأرض التي كان يملأها يوماً أتباع إبراهيم وعيسى وموسى (عليهم السلام) أصبحت ممتلئة الآن بعبدة أصنام من الهمج. نقض العرب عهد عيسى (عليه السلام) كلياً بكفرهم وكراهيتهم لبعضهم البعض وحروبهم المستمرة ضد بعضهم البعض. كانت القبائل العربية قبل ميلاد النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مبعثرة في جميع أنحاء المنطقة، وكانت هناك حروب مستمرة بينهم، فضلاً عن ارتكابهم أبشع الجرائم، مثل وأد البنات. ونزل عليهم انتقام الله بسبب أعمالهم الغير إنسانية ونزل عليهم العذاب بسبب نقضهم لعهد عيسى (عليه السلام)، وكان من بين العلامات المعروفة عند العرب والتي أتى بها عيسى (عليه السلام) كدليل على تنصيبه الإلهي هي خلقه للطير من الطين، وكان العقاب الذي أنزله الله على العرب هو الطير الأبابيل التي كانت تحمل حجارة من سجيل والتي لم تقتل أبرهة وجيشه فحسب، بل أهلكت أيضاً الكثير من العرب الكافرين. وأخيراً جاء الموعود الذي بشر به المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)، خاتم المرسلين النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
الحجر اليماني
أقام الله مع رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عهداً جديداً وكانت علامة العهد المحمدي الحجر اليماني، ويجدر بنا ألا نخلط بينه وبين حجر الكعبة الأسود، فالحجر اليماني هو حجر مختلف. سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم عن هذا الأمر:
قلت: «هل الحجر اليماني هو نفسه الحجر الأسود؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «لا، يظن الناس أنه هو لكن هو حجر محفوظ الآن في الوادي اليابس في الأردن».
قلت: «ما لونه؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أسود داكن في وسطه إحمرار».
سألت: «وهل سيكون في الكعبة الجديدة؟».
فأجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «نعم».
تغييرات في شريعة العهد السادس
جاء العهد المحمدي بتغييرات كبيرة في الأحكام. وفي هذا السياق، تم إدخال قيود وممارسات جديدة لتطهير وتأديب وتصحيح معتقدات وأعراف القبائل والأقوام العربية، حيث كانوا قد انحرفوا عن عهد عيسى (عليه السلام) إلى درجة كبيرة بحيث استلزم الأمر إحداث تغييرات جوهرية. فيما يلي بعض التغييرات الرئيسية التي جاءت مع العهد السادس:
- ﴿ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«الصلاة هي السجود للمرسلين والأنبياء والأئمة في زمانهم، السجود القلبي، والصلاة هي الدعاء، كل دين من زمن آدم إلى محمد (عليهم الصلاة والسلام أجمعين) شملت صلاته السجود كجزء من الصلاة».
ونرى ذلك بوضوح عندما ننظر إلى الطريقة التي يصلي بها المسيحيون واليهود حيث تشمل صلاتهم سجود الجسد، ونجد هذا أيضاً في العديد من الديانات الأخرى رجوعاً إلى مصر القديمة وسومر وأكاد. وقد أضاف إليها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عناصر الصلاة الأخرى مثل تلاوة القرآن أثناء الصلاة.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَـٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
تفاقم الفسق والسكر لدرجة أنه أصبح يمثل مشكلة كبيرة عند العرب. فكان هذا النهي ضرورياً لتطهيرهم، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُحرم فيها الخمر في كل العهود.
﴿فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟﴾.
كان تعدد الزوجات مباحاً في عهد آدم ونوح وإبراهيم وموسى (عليهم السلام). تذكروا أنه في عهد آدم (عليه السلام) كان كل شيء مباحاً لآدم، وتزوج الكثيرون من ذريته بأكثر من واحدة. وينطبق نفس الشيء على عهد نوح (عليه السلام) حيث لم تكن هناك أي قيود متعلقة بالزواج. في عهد إبراهيم، كان إبراهيم (عليه السلام) نفسه متزوجاً من سارة ومن هاجر، وكان حفيده يعقوب متزوجاً من ليا وراحيل وبلهة وزلفة، ولم تكن هناك أي قيود على الزواج. في عهد موسى (عليه السلام) كان لداود النبي زوجات عدة وكان لوصيه النبي سليمان (عليه السلام) سبعمائة زوجة ملكية وثلاثمائة محظية. ولم ينحصر الزواج في رجل واحد وامرأة واحدة فقط سوى في عهد النبي عيسى (عليه السلام) فضلاً عن تحريمه للطلاق كلياً. ورد في إنجيل مرقس:
«وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ. فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟». لِيُجَرِّبُوهُ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «بمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟». فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ». ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي»
. وبالتالي سمح عهد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل بحرية الاختيار بين الالتزام بقواعد عهد عيسى (عليه السلام) بشأن الزواج أو الالتزام بإرشادات العهود السابقة. بالإضافة إلى ذلك فرض النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قيود عدة على صور الزواج المعمول بها والتي كان مسموحاً بها في العهود السابقة مثل تحريمه لزواج المحارم، فحرم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل المثال زواج الأشقاء والزواج من الأم أو الأب والعمات والخالات والجمع بين الأختين…إلخ.
ورد في القرآن الكريم:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمً﴾.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾.
﴿وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.
كان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله للعالمين، فعلى عكس الرسل السابقين الذين بُعثوا خصيصاً إلى بني إسرائيل أو إلى قوم أو أمة معينة، بُعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البشرية جمعاء، بل بعُث إلى الكون كله، وإلى الخلق كله، بما في ذلك غير البشر مثل الجن.
ومن بين مليارات البشر الذين ولدوا خلال العشرة آلاف سنة الماضية، كان الملايين منهم مؤمنين، ومن هذه الملايين تم اختيار مائة وأربعة وعشرون ألف ليصبحوا أنبياء ووصلوا إلى مقام النبوة. ومن بين المائة وأربعة وعشرين ألف نبي، وصل ثلاثمائة وثلاثة عشر فقط إلى المقام التالي وهو مقام الرسول. ومن بين الثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً الذين أُرسِلوا إلى البشرية، وصل خمسة فقط إلى مقام الإمامة وأصبحوا حملة شريعة جديدة وعهد جديد. ومن بين رسل أولي العزم الخمسة، وصل واحد فقط إلى المقام التالي، مقام «قاب قوسين أو أدنى» من الله، مقام الفناء في الله، وهي حالة من الوحدانية والتفرد التي تفوق الاستيعاب، حالة من الإتحاد مع الله المطلق. إنه مقام الله في الخلق.
ولتوضيح الصورة إليكم شرح لكل مقام أو مرتبة:
«يا ابن آدم، أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك حتى أجعلك حياً لا تموت. يا ابن آدم، أنا أقول للشئ: كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشئ: كن فيكون»
. عندما يحب الإنسان ابنه، يتمنى لهذا الإبن أن يكون مثله، بل حتى أفضل منه، والله سبحانه يحب خلقه كحب الأب لابنه، ومع أنه من المستحيل أن نكون أفضل من الله، إلا أن الله يريدنا أن نصل للكمال مثله. ولا يمكننا أن نكون حقاً مثله إلا لو أُتيحت لنا فرصة أن نجرب معنى أن نكون مثله، أي مسؤولين عن الخلق. وهذا ما ورد في الحديث الشريف: «الخلق عيال الله فأحبهم إليه أحسنهم صنيعاً إلى عياله».
وقد ارتقى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في رحلة الإسراء والمعراج إلى هذا المقام، وأصبح الله في الخلق، وكُلف بمهمة تولي شؤون الخلق. ومن الجوانب الرئيسية لهذا الدور هو إرسال الرسل لدعوة الناس وهدايتهم وتحذيرهم. وكان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) آخر الرسل المبعوثين من الله المطلق. والآن مُنح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) القدرة والرخصة لإرسال رسل منه، والذين يُطلق عليهم الأئمة والمهديين. وقد نُصّب الأئمة الإثنا عشر والمهديين الإثني عشر وذُكروا على لسان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة وفاته. والأئمة الإثنا عشر هم:
كان الأئمة الاثنا عشر أكثر الرسل كمالاً وكانوا أعلى وأفضل من أي من الأنبياء والمرسلين السابقين. كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وابنته فاطمة الزهراء والأئمة الإثنا عشر (منهم السلام) هم المخلوقات الوحيدة الذين تمتعوا بعصمة ذاتية منذ الولادة وحتى الموت، ولم يسجل التاريخ لهم أي ذنوب، بعكس ما كان مع الأنبياء والمرسلين الآخرين. وكانوا أكمل صور الله في الخلق. وكما هو موضح في كتاب التوحيد للإمام أحمد الحسن (منه السلام)، كان الأنبياء والمرسلين يعملون لتمهيد الطريق لمجيء الله في الخلق. جاء في سفر التثنية: «فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ».
وقد أوضح الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن إشراق «الله في الخلق» كان من خلال عيسى (عليه السلام)، والإشراق هو تجلي جزئي وليس ظهوراً كاملاً، وتَلأْلُؤ الله كان ظهوراً كاملاً في فاران وذلك من خلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الروايات الإسلامية ورد في دعاء السمات: «وبطلعتك في ساعير، وظهورك في جبل فاران».
الطلعة أو الظهور الجزئي كان من خلال عيسى (عليه السلام) والظهور الكامل من خلال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولهذا السبب نجد وصف الله لمحمد وآل محمد بـ «الكلمات التامات». فمحمد هو الظهور التام والكلمة التامة كما ورد في دعاء السمات:
«وبكلمتك التي خلقت بها السماوات والأرض…وبشأن الكلمة التامة…وأسألك بكلمتك التي غلبت كل شيء».
وهكذا تتضح الصورة أكثر، كان جميع الأنبياء والمرسلين يمهدون الطريق لمجيء الله في الخلق، فقد مهدوا الطريق لحكم الله. وتجلى الله في خلقه من خلال أفضل صوره، محمد وآل محمد (منهم السلام)، الذين كانوا نوراً واحداً خُلِق على صورة الله، بل إنهم الوحيدون الذين خلقهم الله المطلق بشكل مباشر، وكل شيء وكل شخص آخر بعد ذلك خُلِق من قِبَلِهم.
ورد عنهم (منهم السلام):
«فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا».
محمد الذي طهّر بيت الله من الأصنام الباطلة والآلهة الباطلة، وعلي الذي وُلِد في بيت الله. علي هو البشر الوحيد الذي وُلِد داخل الكعبة. وعلي هو البشر الوحيد الذي رفعه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوق رأسه وأوقف علي على كتفيه في الكعبة المشرفة. ومحمد وعلي والحسن والحسين (منهم السلام) هم الأئمة الاثنا عشر في رجعتهم وهم نور واحد. والحقيقة هي أن ختم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يمكن أن يُقرأ «محمد رسول الله» ويمكن أن يُقرأ أيضاً «الله رسول محمد». وفي هذا إشارة إلى مجيء الله في الخلق. مرفق أدناه صورة للختم الشهير.
الشكل ١: ختم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذات يوم كان أبا ميكائيل (عليه السلام) يتحدث مع أحد المؤمنين عن معنى معرفة الله بالحروف العربية في عبارة: «لا إله إلا الله»:
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «أخي، هل تعلم من هو الله؟ الله الذي لا إله إلا هو، الله هو لا إله إلا الله. في جملة «لا إله إلا الله»، كم عدد الأحرف في هذه الجملة؟».
قال المؤمن: «اثنا عشر».
سأل أبا ميكائيل (عليه السلام): «من أفضلهم؟».
فأجاب المؤمن: «علي بن أبي طالب (عليه السلام)».
سأل أبا ميكائيل (عليه السلام): «ومن بعده؟».
أجاب المؤمن: «الحسن والحسين (عليهما السلام)».
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «أحسنت، الله فيهم وهم فيه سبحانه، الأئمة الإثنا عشر، جميعهم».
وقد جاء الأئمة الاثنا عشر كلهم ورحلوا باستثناء الإمام الثاني عشر والأخير، الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو «بقية الله» كما يُطلق عليه، وذلك لأن جميع أجزاء الله الاثني عشر الأخرى قد رحلوا وهو الإمام المتبقي منهم، الجزء الأخير من ذلك النور الأصلي.
وعلى الرغم من وجود العديد من التغييرات في شريعة هذا العهد الجديد، إلا أن أهم جزء شرعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في العهد المحمدي هو الحج إلى بيت الله الحرام مرة واحدة على الأقل في حياة الفرد. كان على المسلمين أن يحجوا لزيارة بيت الله الحرام ويقدموا بيعتهم للحجر الأسود. يبدأ الطواف حول الكعبة عند الحجر الأسود حيث يكون أول ما يقوم به الحاج هو مد يده اليمنى ولمس الحجر الأسود أو الإشارة إليه. يرمز هذا الحجر إلى يد الله، ويمثل قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وترمز شعائر الحج كلها إلى تقديم البيعة لله من خلال مبايعة الناس لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
جاءنا النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بآل بيته، الأئمة الاثني عشر، الذين كانوا تجلي الله الأكمل في الخلق. وقد ذكر القرآن الكريم تكليفنا وواجبنا تجاههم وأكد عليه مراراً وتكراراً.
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
وهنا ندرك ونرى أن الله يخبرنا أن آل محمد الذين يشار إليهم في كثير من الأحيان بآل الله، مطهرون كلياً، إذن هم بالفعل مطهرون من نسل الشيطان وليس فيهم أي من نجاسة الشيطان أو قابيل (لعنهما الله).
قال الإمام الصادق (منه السلام):
«إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيباً إلا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار».
وهنا نرى أن أجساد الأنبياء والمرسلين وشيعة آل البيت مطهرة جميعاً بعكس نسل الشيطان. وأصبح حب آل البيت العنصر المُطَهِّر والمُمَيِّز لأبناء آدم عن أبناء قابيل.
في العهد السادس كان مطلوب من أبناء آدم الوفاء ببيعتهم التي قدموها لآل محمد (منهم السلام)، حيث كان الأمر الأساسي الذي فرضه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حب آل بيته وطاعتهم. وتكليف أبناء آدم تجاه آل محمد (منهم السلام) هو أن يؤثرونهم على أنفسهم كما فعلوا مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن يعطوا لآله كل ما أعطوه له، اتباعاً لقول النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
كان هناك كذلك الخُمس والذي كان يساوي خُمس دخل الفرد وكان يسلمه المؤمن للنبي أو الأئمة من بعده ويُحفظ في بيت مال الأمة. كانت تلك الأموال تُستخدم لشؤون الدولة أو لأي غرض آخر حسب تقدير النبي أو الإمام. وقد ذُكرت ضريبة العشرين بالمائة تلك في القرآن الكريم في الآية التالية:
﴿وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾.
جاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله سلم) بعدة ممارسات لتطهير المؤمنين من النجاسات المتعلقة بعادات قابيل الاجتماعية والمالية والغذائية وأعرافه وممارساته. أولاً: فرض الصلوات الخمس من أجل تطهير قلب الإنسان من نجاسات قابيل وطرقه. ثانياً: فرض الخمس والزكاة لتطهير أموال الناس من نجاسات قابيل وطرقه. ثالثاً: فرض الصوم بغرض ضبط النفس، والشعور بمن ليس لديه ما يسد به رمقه، وتطهير جسد المرء من الطعام الذي تأثر بطرق قابيل بأي شكل من الأشكال.
الحب والطاعة لآل محمد (منهم السلام) لا يصل إليهما إلا من هو من نسل آدم (عليه السلام). وقد كانت الغاية من الشعائر في الإسلام هي تخليص الإنسان من بقايا الشيطان بداخله وإبراز الآدمي الذي بداخله. وقد كان لكل مخلوق، بما في ذلك نسل قابيل، فرصة لتطهير نفسه بحب آل محمد (منهم السلام) وفرصة لأن يكون من ذرية آدم. لم يعد للنسب المادي أهمية في هذا العهد، وهذا ما بينه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قال: «سلمان منا أهل البيت»، حيث أصبحت غاية كل الخلق الآن هي أن يكونوا جزء من عائلة روحية واحدة، آل الله (آل البيت).
أمر الله النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول:
﴿قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ﴾
وهناك عدد كبير من الروايات التي تدل وتؤكد على أهمية المحبة والطاعة لآل محمد (منهم السلام) واتخاذهم قادة، وقد ساوى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معاملتهم بمعاملته، فقال: «إن فاطمة شعرة مني فمن آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والأرض». وقال:
«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».
إذن عرفنا الآن أن ولاية آل محمد (منهم السلام) هي الطريقة التي يمكننا من خلالها التمييز بين أبناء إبليس وقابيل وبين أبناء آدم. وحدهم أبناء آدم هم من يتحملون ولاية آل محمد، ولا يتحملها أبناء قابيل، فمن المستحيل أن يحب ابن لقابيل علياً وأبنائه (منهم السلام)، لكن أبناء قابيل يمكنهم أن يتحملوا ولاية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ولهذا السبب نرى أنه في حياة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هناك عشرات الآلاف من المؤمنين ولكن بمجرد أن توفى، لم يبق سوى عدد قليل من الذين نصروا علياً (منه السلام) وبقوا معه.
والسبب في ذلك هو أن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطبق سوى جزء صغير من الدين. وقد جاء رحمة للعالمين، حتى أبناء قابيل. أتاح العهد السادس فرصة للجميع لأن يدخلوا تحت حكم الله وولايته من خلال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بأي شكل من الأشكال، ما داموا يخضعون لولايته. وما عجز النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تطبيقه في حياته تم تأجيله إلى وقت لاحق في المستقبل، ولو كان الناس قد أطاعوا وقبلوا ولاية الله أو آل محمد (منهم السلام)، لكانوا قد نالوا الأجزاء المتبقية من الدين. ولكن لأنهم لم يفعلوا، ولأنهم استمروا في مكرهم ضد آل محمد وقتلهم، فإن البشر وخاصة العرب، نقضوا بذلك العهد المحمدي. كان العرب ينتظرون ولادة كل وصي من آل محمد لكي يسجنوه أو يقتلوه، وبالفعل قتلوا كل الأئمة واحد تلو الآخر، باستثناء الإمام محمد بن الحسن العسكري، المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي دخل في غيبة وهو طفل.
أرسل الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) العديد من الرسل على مدار الـ ١٢٠٠ سنة الماضية وحاول هداية البشرية، ولكن تم تكذيب معظم الرسل أو قتلهم أو تعذيبهم، ولذلك لن يكون الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأب الجسماني لوصيه مثل أسلافه، بل كانت مشيئة الله أن يرسل أرواح آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أجساد مختلفة وغير معروفة في الظاهر لإخفاء هويتهم وحمايتها من نسل إبليس. وكان أول الأوصياء الذين أُرسلوا بهذه الطريقة هو الإمام أحمد الحسن (منه السلام). احتج الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بكونه ابن الإمام محمد بن الحسن المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسوله وأقام الله معه عهداً جديداً، العهد السابع والأخير، ليبث من خلاله باقي أجزاء الدين.
وبينما يبدو وكأن عهد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أسهل العهود عند البعض، إلا أنه كان أصعبها جميعاً. لأن الشرط الأساسي للوفاء بالعهد كان طاعة علي وأبنائه (منهم السلام) نفس الطاعة الواجبة على الفرد لله تعالى وأن يكون الفرد على استعداد للتضحية بحياته كلها من أجلهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
لذلك يجب على أبناء آدم أولاً أن يؤمنوا بآل محمد (منهم السلام)، والإيمان هو الطاعة التامة والكاملة دون أدنى شك أو سؤال. وبعد ذلك يجب أن يكونوا على استعداد لتقديم ثرواتهم وصحتهم وأزواجهم وأولادهم وأنفسهم وكل ما يملكه المرء لله تعالى في سبيل الدين. هذه ليست مهمة سهلة، ولكن كما قال عيسى (عليه السلام): «مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي». وقد كان محمد وآل محمد (منهم السلام) أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين، وكانوا الإنعكاس والتجلي الكامل لله في الخلق.