من المثير للدهشة أن عدد النصوص التي تصف الجنة أو الفردوس في التوراة أو الإنجيل أو القرآن الكريم قليل. توصَف الجنة بأنها مآل الصالحين، حيث الأشجار والثمار وكل أنواع الطعام والشراب وما طاب من النساء والرجال. اختلف أتباع اليهودية والمسيحية والإسلام - حتى فيما بين طوائفهم المختلفة - حول طبيعة الجنة وحول ما إذا كانت الجنة مكاناً يمكن وصفه من الأساس، حيث ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أن الله سبحانه يقول:
«أَعْدَدْتُ لعِبَادي الصَّالحين ما لا عَيْنٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَر على قَلب بَشَر».
إذا كانت الجنة مكان لم تره عين بشر، ولا يخطر على قلب بشر من الأساس، فهذا يعني أنه مكان فوق الوصف، حيث لا يوجد لدى البشر حتى الكلمات المناسبة لوصفه بشكل ملائم، مثل عالم السمرات، فهو عالم لا نستطيع مقارنته بعالمنا هذا. لكن يمكننا القول بأن الجنة عالم يخلو من الحزن والألم. خلال هذا الباب سنعطيكم لمحة عن الجنة من خلال كلمات الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ثم سنكشف لكم ما قاله الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن النار.
التواجد مع أحبائنا هو أهم جزء من سعادة البشر. هل لنا رفيق نتمتع معه بنعيم الجنة؟ إذا كانت لنا كرات عديدة، وتزوجنا في كل كرة بشخص مختلف، مع من سنكون في الجنة؟ هل سنكون معهم كلهم؟ هل سنكون مع أياً منهم أصلاً؟ سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن هذا الأمر.
قلت: «هل للناس أزواج في الجنة؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «كل شخص في الجنة متزوج من زوجه في عالم الأرواح».
قلت: «على أي أساس يتم تحديد زوج الإنسان في عالم الأرواح؟».
قال الإمام (منه السلام): «لكل شخص عدد محدد من الكرات وعدد محدد من الأزواج في تلك الكرات، الزوج في عالم الأرواح هو الشخص الذي تكون درجة ومستوى إيمانه هو الأقرب لإيمان هذا الشخص».
قلت: «هل يتزوج الأزواج في عالم الأرواح في هذه الدنيا؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، كل شخص يتزوج من زوجه في عالم الأرواح على الأقل مرة. وفي كرته الأخيرة يكون متزوج من زوجه في عالم الأرواح، وأحياناً في كرات أخرى [كذلك]».
قلت: «هل الزوجة في عالم الأرواح مخلوقة من الزوج في عالم الأرواح؟».
قال (منه السلام): «لا، ليس شرط هذا الأمر».
قلت: «هل يمكن أن يكر الرجل كمرأة والمرأة كرجل كما جاء في كتاب الهفت الشريف؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم ولدي».
قلت: «هل لدينا أجساد مادية في الجنة؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «نعم بني، لدينا أجساد مادية في الجنة ملائمة لذلك العالم».
قلت: «بأي صورة ندخل الجنة؟ هل ندخل بصورة إحدى كراتنا التي كانت على الأرض؟ وإن كان كذلك، فبأي صورة منهم ندخل الجنة؟ أم أن أسماءنا وصورنا في الجنة تختلف عن هنا؟».
قال الإمام (منه السلام): «الأسماء والصور ليست كما هي الآن، لكن معناها واحد. عندما يدخل الأفراد الجنة يكون جمالهم بقدر إيمانهم الذي كان لديهم في هذا العالم، إيمانهم في الدنيا يحدد جمالهم في الآخرة».
هل تكون الجنة جنة إذا لم تتحقق فيها كل الأمنيات والرغبات؟ هل في الجنة شيء محظور؟ هل يفتقد أهل الجنة أقاربهم أو أصدقاءهم الذين لم يدخلوا الجنة؟ هل توجد في الجنة مشاعر حزن أو غضب أو غيرة أو غيرها من المشاعر السلبية؟
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بهذا الخصوص: «القرآن عندما يصف الجنة يذكر أنها مليئة بالثمار واللحم والخمر والعسل، هذا لأن هذا هو ما كان يشتهيه البشر آنذاك، لو كان القرآن قد أُنزل في هذا العصر والزمان، لوُصفت الجنة بأنها مليئة بأجهزة الحاسوب والهواتف والسيارات الفاخرة، لأنها أشياء يرغب فيها الناس اليوم، إذن كل ما يشتهيه المرء ويرغب فيه يكون متوفر له في الجنة، من الأشياء التي تشغل البشر ويفكرون فيها دائماً هي الجنس، لهذا السبب وُصفت الجنة بأن فيها حور عين وولدان مخلدون».
قلت: «كنت دائماً أظن أن حور العين تعبير مجازي».
قال الإمام (منه السلام): «إنها نساء بني، نساء جميلات لم ترَ العين لها مثيل».
قلت: «والولدان المخلدون؟».
قال الإمام (منه السلام): «هم للجنس كذلك».
سألت: «هل هم للنساء؟».
قال الإمام (منه السلام): «هم للرجال والنساء».
سألت: «إذن لو أرادت امرأة في الجنة أن تكون مع حور العين، يمكن لها ذلك؟ ولو أراد الرجل أن يكون مع رجل يمكن له ذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، لا يوجد في الجنة صواب أو خطأ، حلال أو حرام، مباح أو محظور. القواعد بالنسبة لأهل الجنة ليست مثل القواعد بالنسبة لأهل الأرض، قلت لك ولدي، لا تقيس هذا العالم بعوالم أخرى. كل إنسان يحظى بما يرغب فيه، وبما أن الجنس هو ما يشتهيه غالبية البشر ويشغلهم، أوجد الله هذه الأمور في الجنة».
قلت: «وماذا لو أراد شخص في الجنة أن ينكح شخصاً آخر في الجنة غير الزوج أو الزوجة في الجنة؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «للناس في الجنة مقامات ودرجات، الشخص الذي يكون في درجة معينة يستطيع أن ينكح أي شخص من أهل الجنة له مقام أقل، لكن لا يستطيع أن ينكح شخص من مقام أعلى، إلا إذا رغب صاحب المقام الأعلى في ذلك».
قلت: «إذن الأمر بمثابة تسلسل هرمي؟ لكن ألن يشعر أزواج هؤلاء الأشخاص بالغيرة والحزن؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا توجد غيرة في ذلك العالم، ولا حزن».
فقدان الذاكرة في الجنة
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل سيتذكر الناس بعضهم البعض في الجنة عندما يلتقون هناك؟ هل سيتذكرون كراتهم في الأرض؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا، لكن سيعرف كل منا من يكون الآخر، يعني على سبيل المثال سيعرف الجميع أني أنا الحسين، وسيعرفون أنك عبد الله».
قلت: «يعني لن أتذكر ذكريات حياتي مع من أحبهم؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا بني، سيكون كأنك تلتقي بهم لأول مرة».
قلت: «لماذا؟».
قال الإمام (منه السلام): «لأنه إذا تذكر الإنسان كل شيء من الدنيا، لن يسعد أبداً».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «لكن عندما تقابل من تحبهم هناك، حتى وإن كنت لا تتذكرهم، فإن الحب الذي تكنه لهم في قلبك سيظل موجوداً وسيكون كأنك كنت دائماً تعرفهم».
سألته (منه السلام): «هل صحيح أن الإنسان كل يوم ينسى اليوم الذي قبله وأن هذا هو الفرق بين الجنة والدنيا؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «نعم، حتى لا يكون هناك ملل».
قلت: «أبي، لكن أعذرني إن كنت مخطئ، إلى الآن لم أجد في وصف الجنة أي شيء جميل، كله مخيف، من حالات فقدان الذاكرة بشكل دائم إلى ممارسة الجنس طوال الوقت، أكاد أقول أنه من الأفضل أن يكر المرء على أن يدخل الجنة».
إبتسم الإمام (منه السلام) وقال: «لا بني، أنت مخطئ، لا تقارن ما تسمع عن الجنة بالدنيا، لا تقارن الدنيا بالآخرة، التفكير مختلف، إن كنت في الجنة الآن ما كنت قلت هذا، المقاييس تختلف، كل شيء يختلف، الزمن، المتعة، الراحة. الزمن ليس كمثل هذا الزمن، والراحة ليست مثل هذه الراحة التي نعرفها، كل شيء مختلف، لا تفكر بعقل آدمي وتقيسه على الجنة».
سألت الإمام (منه السلام): «لكن ما الجدوى؟».
قال الإمام (منه السلام): «مكافأة».
قلت: «أن أنسى كل يوم؟».
قال (منه السلام): «كي لا تمل بعد ١٠٠ سنة أو ١٠٠٠ سنة أو حتى مليون. النسيان هو نسيان ما استمتعت به».
قلت: «أريد أن أسألك عن شيء».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «المثلية، إذا تحدثنا عنها من ناحية الآية ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ وأيضاً من ناحية وجودها في الجنة، فهل هي مُحَلَّلة في الحقيقة أم محرمة على الناس؟».
قال الإمام (منه السلام): «الشريعة الآن هي حرام».
قلت: «لكن هل ستكون حلال في المستقبل؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا».
قلت: «هل هي في الأصل حلال؟».
قال الإمام (منه السلام): «بني، تعامل مع هؤلاء كما تتعامل مع الناس، النظرة الدونية مرفوضة».
قلت: «لكن لماذا هذا الأمر موجود في الجنة؟».
قال الإمام (منه السلام): «نحن نتحدث عن الدنيا وليس الجنة».
ذات يوم كنت أتحدث مع الإمام (منه السلام) في أمر يخص أخي تيمور الألفي فقال الإمام (منه السلام) بالإنجليزية: «Very beautiful and wonderful» (جميل جداً ورائع)، «هذا لأنه مؤمن حقيقي».
فقلت: «سبحان الله»، لأني كنت متفاجئ حيث أن الإمام (منه السلام) نادراً ما كان يتحدث بأي لغة غير العربية.
قال الإمام (منه السلام): «بارككم الله، أنا أحب اللغة العربية جداً، لأنها كما تعلم لغة أهل الجنة».
فقلت: «نعم ولكنها ستنقرض مع معظم اللغات الأخرى، أليس كذلك؟».
قال (منه السلام): «ليس تماماً، ولكن العالم بأسره سوف يتكلم اللغة الأسهل على وجه الأرض، اللغة الإنجليزية».
قلت: «نعم».
قال الإمام (منه السلام): «إنها لغة سلسة ومحبوبة وجميلة».
قلت: «متى يكون ذلك؟ أن تصبح هي اللغة الرئيسية، أو اللغة التي يستخدمها الجميع؟».
قال الإمام (منه السلام): «تقريباً قبل حلول عام ٢٠٥٠، يعني بعد ثلاثة عقود [من الآن]».
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «أبي روحي لك الفداء، هل تسمح لي بسؤال آخر؟».
قال الإمام (منه السلام): «تفضل بني».
قلت: «الحيوانات مثل كلب أهل الكهف وهدهد سليمان (عليه السلام)، هل رجعوا إلى الدنيا اليوم كبشر؟».
قال الإمام (منه السلام): «هذا أفضل سؤال وجهته لي بني، هدهد سليمان (عليه السلام) وغيره من الحيوانات قد أرجعهم إلى الحياة رب العباد وليس الآن فقط، بل رجعوا مرات ومرات وهم يستحقون ذلك والله».
قلت: «سبحان الله، كبشر أم كحيوانات؟».
قال الإمام (منه السلام): «كبشر بني، كرامةً لهم حتى يُدخلهم الجنة لأنهم يستحقون ذلك، إن الله عادل. بني، إن الله لا يستطيع مخلوق أن يصف رحمته وعدله».
يكشف هذا الحوار عن الكثير من الأمور، حيث تبين لنا أن حتى الحيوانات تدخل الجنة، ولكن لا توجد دواب في الجنة. يمكن لحصانك أو كلبك أو قطك أو حتى نملة أن تدخل الجنة، لكنها لا تهيم في الجنة في شكل الحيوان، بل يجب عليها أولاً أن تكر في شكل بشر للوصول إلى الجنة. خُلق الحيوان وله نفس وليس له روح، والملاك له روح وليس له نفس، والإنسان لديه كلاهما، إذا تغلبت نفس الإنسان على روحه يكون أسوأ من الحيوانات وإذا تغلبت روحه على نفسه يكون أفضل من الملائكة، وتستحق الحيوانات التي لديها نفس طيبة أن تكر كبشر، ويستحق الإنسان الذي لديه نفس خبيثة أن يكر كحيوان.
في يوم من الأيام سلمت الإمام (منه السلام) مبلغاً من المال كان قد تبرع به بعض المؤمنون. قال لي (منه السلام) حينها: «والله إني أخاف حساب وعتاب الله عز وجل يوم القيامة وأستحي منه أيضاً فـإن هذه الأموال أمانة».
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أبي وهل هناك حساب لك يوم القيامة؟».
قال الإمام (منه السلام): «وبماذا أختلف عن بقية البشر؟».
قلت: «قرأنا بعض الكلمات المنسوبة لك التي تقول أن حتى الثلاثمائة وثلاثة عشر يدخلون الجنة دون حساب».
قال (منه السلام): «يدخلون الجنة من دون حساب ولكن لا يذهبون إلى يوم الحساب من دون حساب».
قلت: «سبحان الله».
قال (منه السلام): «المكلف [حسابه] أهون من الراعي، الراعي يُحاسَب بشدة لأنه عارف».
قلت: «سبحان الله، لكنكم أبي الله في الخلق، ولا إرادة لكم سوى إرادة الله، وأنتم هو وهو أنتم».
قال الإمام (منه السلام): «حتى لو لم يحاسبنا الله يوم القيامة، هناك شيء إسمه أمانة».
أردت إضافة هذا الحوار هنا لبيان أنه على الرغم من أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هو الإمام الحسين (منه السلام) في رجعته والجميع يعلم أن الحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة، إلا أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) يتكلم بتواضع. فعلى الرغم من أنه لن يُحاسَب، إلا أنه يخاف الحساب. وعلى الرغم من أنه هو الله في الخلق، إلا أنه يخاف الله تعالى، ليس متكبراً ولا مغروراً ولا يعد نفسه من الناجين ولا يضمن نفسه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، كما أنه من خلال أفعاله وكلماته في ذلك اليوم كان يريد أن يعلمني ويعلم المؤمنين درساً في التواضع والمسؤولية، ويجب الحفاظ على هذا الدرس لكل الأجيال القادمة، لأن الإمام علّم بالقدوة ولم يترك أي عذر أو سبيل لأي شخص آخر أن يتكبر ويقول أنا فلان، لذلك لا يمكن أبداً أن أسقط ولا أخضع للحساب.
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل الجنة هي الإستيقاظ من هذه الرؤيا؟».
أجاب الإمام (منه السلام) قائلاً: «أكيد حين تزيح هذه الغشاوة التي فوق العين التي توهمك، سوف ترى الجنة».
قلت: «قال الأخوة أنك قلت لهم ذات مرة أنهم سيصفون الجنة لك قبل مماتهم».
قال (منه السلام): «نعم هذا صحيح».
قلت: «وهذا جعلني أظن ربما أن الجنة والنار كذلك رؤيا».
قال الإمام (منه السلام): «تفكر بها على مهلك وإن شاء الله تصل إلى الحقيقة».
تفكرت في الأمر لفترة وذات يوم جاءني الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وتلى هذه الآية: ﴿وَسَارِعُوٓا۟ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «ماذا تلاحظ في هذه الآية؟».
قلت: «روحي لك الفداء أبي، أخبرني».
قال الإمام (منه السلام): «﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ﴾. الجنة على الأرض بني».
قلت: «سبحان الله، الله أكبر».
وفجأة أصبح كل شيء منطقياً، آدم وحواء (عليهما السلام) وجنة عدن، كل ما حدث بخصوص السجود لآدم (عليه السلام)، كل ذلك حدث على الأرض، كان آدم (عليه السلام) في حضرة الله، وبعد معصيته طُرد من حضرته لكنه كان لا يزال على الأرض، كل ما في الأمر هو أنه لم يعد باستطاعته أن يرى الله، أصبح في وهم، وأصبحت لديه غشاوة على عينيه حجبت عنه رؤية الحقيقة، ولا يمكن إزاحة هذه الغشاوة إلا بطريقتين: إما الموت أو التقرب من الله. وكانت هذه الغشاوة نتيجة معصيته.
فهمنا الآن أن الجنة موجودة في نفس المساحة المادية التي نحن فيها الآن، الجنة موجودة على الأرض، ويمكننا الوصول إليها بعد الموت ولكن أيضاً خلال حياتنا، لو تمكنا من إزالة هذه الغشاوة التي تغطي أعيننا.
قلت: «ما هي هذه الغشاوة أبي؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «إنه مخلوق يعيش على العين، إذا تقرب الإنسان من الله ينجح في قتله وإزالته».
قلت: «ألهذا السبب قلت للأخوة أنهم سوف يصفون الجنة لك قبل مغادرتهم لهذا العالم؟ لأنها على الأرض ولأنهم سيدخلونها قبل الموت؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني أصبت، قسماً سوف أجعلهم يعيشون حياة الجنة في الدنيا والآخرة. وسوف أذهب بك إلى الجنة قريباً وأعطيكم الحرية التامة المطلقة».
قلت للإمام (منه السلام): «الجنة هي العبودية لك سيدي، أنا عبد الله».
قال الإمام (منه السلام): «ولدي، إني واثق من أمر، إني لو أرسلتك إلى جهنم وقلت لك إنها الجنة لذهبت لها معتقداً تماماً أنها الجنة».
قلت: «نعم، هذه هي الحقيقة».
فقال الإمام (منه السلام): «والله والله والله الجنة سوف تسجد لكم [يقصد لي ولأصحابي] قبل أن تدخلوها، عليك سلام الله ومنك سلام الله بني».
قلت: «ما عبدنا الله خوفاً من النار ولا طمعاً في الجنة، وإنما عبدناه لأنه يستحق العبادة».
كل ديانات العالم تقريباً، وخاصة تلك التي تتحدث بوضوح عن الآخرة، لديها مفهوم نار جهنم، يتم تصوير نار جهنم بشكل عام على أنها مسكن للشقاء والعذاب الأبدي الذي ينتظر كل فاعلي الشر، تصف الديانات الإبراهيمية هذا المكان بأنه دار للعذاب الأبدي الذي من شدته تصطك الأسنان، إنها دار الظلام والفراغ واللعنة الأبدية واليأس، انتشرت هذه الأوصاف على مر العصور في العالم المسيحي وكذلك العالم الإسلامي، ومع ذلك، فإن هذه الصور غير وافية على الإطلاق، فضلاً عن احتوائها على تحريفات، إذن ما هي نار جهنم وأين تقع بالتحديد؟ مما صُنعت؟ وما الذي يوصل المرء إليها؟ وهل هناك مكان أسوأ من نار جهنم؟ كلها أسئلة مهمة سنجيب عليها فيما يلي.
لقد ذكرنا سابقاً في هذا الكتاب أن للشخص عدد محدد من الكرات. الموت الذي يقع بين الكرات يسمى «وفاة» (الموت الأدنى) والموت النهائي أو الموت الأعظم يسمى «موت» ويقع بعد إنتهاء الإنسان من جميع كراته. يذهب الإنسان ما بين الكرات إلى مكان يشبه منطقة الإنتظار ويسمى «عالم السمرات» وهي مرحلة وسطى تشبه البرزخ، أما بعد الموت النهائي، يُحاسب المرء على مجموع كراته حتى لا يقول ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾. يحاسب الإنسان حينها على جميع كراته التي عاشها ثم يتم إرساله إلى وجهته النهائية، إما الجنة أو النار.
وقد قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) سابقاً:
«لا نريد إخافة أحد في الوقت الحالي بالحديث عن هذا (بالتفصيل)».
ولذلك أُقدم بين يدي القارئ لمحة بسيطة عن بعض المعلومات التي قالها الإمام (منه السلام) عن النار وحديثه معي (منه السلام) بهذا الشأن.
خوفه على الناس ورغبته في إنقاذ أرواحهم من جهنم
قال لي الإمام (منه السلام) ذات يوم: «ولدي ماذا فعلت بخصوص أموالك التي في الخارج؟».
قلت: «أنتظر تحويلها إلى هنا وسوف أرسلها لك فور وصولها».
قال الإمام (منه السلام): «إني أعرف أني قد أثقلت عليك والله إني أعلم هذا».
قلت: «أستغفر الله العلي العظيم أبي والله والله والله لو طلبت مني قلبي الآن لأعطيته لك».
تابع الإمام (منه السلام) حديثه قائلاً: «لكن والله والله والله العلي العظيم قلبي يتقطع على مرور الأيام والناس تعيش في دولة الظلم والكفر والطغيان».
قلت: «وأنا أيضاً أبي والله أنا أيضاً».
قال الإمام (منه السلام): «والله إني أعلم ما في قلبك ونفسك الطيبة والله إنه ألم كبير وأتألم لمن يموت ويظن نفسه ذاهباً إلى الجنة وهو لا يعلم أن جهنم تنتظرهم، قلت كلمة أنت ليلة أمس …».
قلت: «ما هي؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «قلت إن الأيام تسير بسرعة مخيفة».
قلت: «نعم».
قال الإمام (منه السلام): «حين قلت هذه الجملة كأنك أيقظتني من نوم عميق».
قلت: «أنا أيقظتك أنت أبي؟ أنت اليقظة ونحن النيام».
قال الإمام (منه السلام): «ولدي الحبيب نعم أنت نبهتني من حيث لا تعلم وقد نطق الله على لسانك».
قلت: «سبحان الله العلي العظيم».
قال الإمام (منه السلام): «وبعد هذه الجملة بدقائق جاء جدك (ع) وقال لي كلام يؤلم القلب والضمير، إذا سمعه حجر تفتت وأصبح رماد».
قلت: «لا حول ولا قوة إلا بالله ولكن أكيد أبي أنك لم تقصر في شيء. أبي الآن هل وعد الله السبب الوحيد في تأخيره هو الأموال أم العدة أم ماذا؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «ولدي كلنا مقصرون، نعم ولدي الأموال السبب الرئيسي، بعد توفر المال إن شاء الله نحتاج فقط إلى قاعدة سوف تؤسسها [أنت] في عدد من دول العالم».
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «أبي توجد مؤمنة تلح عليَّ بسؤال».
قال الإمام (منه السلام): «لا بأس ولدي».
قلت: «سؤالها كان لماذا خلق الله الشر في المقام الأول؟ ولماذا على الناس أن يمروا بالمتاعب؟ ولماذا لم يخلقنا الله في عالم مثالي مثلاً نعبده ولا نشرك به شيئاً؟ لماذا خلق الشر والآلام؟».
قال الإمام (منه السلام): «لماذا صنع الله الجنة وجهنم؟ حتى يختبر المؤمن».
قلت: «قلت لها للإختبار، قالت لكن لماذا يكون هناك إختبار؟».
قال الإمام (منه السلام): «حتى يُغربل المؤمن من الفاسق».
قلت: «هي قالت لي لماذا خلق الله الجهل في المقام الأول؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «الشر هو الذي صنع نفسه حين تكبر على الله وعلى خليفة الله. إبليس لعنه الله».
قلت: «قالت لماذا لم يكتفِ الله بالعقل فقط أو النور؟ وتقول أليس إبليس مخلوق من الظلمة والجهل؟ إذن ما ذنبه؟».
قال الإمام (منه السلام): «إنها لم تفهم ولن تفهم، من هذه؟».
ذكرت للإمام (منه السلام) اسمها ثم قلت: «تقول أنها فقط تسأل لكي تفهم وليس للإعتراض».
قال الإمام (منه السلام): «قل لها اتقي ربك ابنتي ولا تدخلي في أمر يسبق عقلك فإني أخاف عليك من هذا، سوف يأتي يوم وتجلسين أمامي وأشرح لك الأمر تفصيلياً إن شاء الله».
قلت: «إن شاء الله، الله أكبر، الحمد لله».
واصل الإمام (منه السلام) قائلاً: «لأن الأمر الآن لن تصل صورته كاملة. هذه الأسئلة تجر إلى الإلحاد والعياذ بالله».
قلت: «أي والله وجدت الملحدين يسألون نفس الأسئلة».
قال الإمام (منه السلام): «تعلم لماذا ولدي؟ لأنها سوف تظن أنها تسأل ولا تجد جواب وهذا أول باب من أبواب الشيطان».
قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «ولدي هناك بشر طيبون وطاهرون وبسطاء لا يعرفون سوى الصلاة والصوم والعبادة الظاهرية وهم على نياتهم».
قلت: «نعم يوجد الكثير هكذا».
قال (منه السلام): «فليس من العدالة أن يذهبوا إلى الجحيم، إن الله عادل كريم رحيم، الحمد لله رب العالمين».
قلت: «ما هو مصير المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو أي شخص آخر صالح لم يعرف نبي أو رسول أو إمام زمانه لكنه رغم ذلك حاول أن يعيش حياة صالحة ويفعل الخير للآخرين؟».
قال الإمام (منه السلام): «هذا الشخص لا يدخل النار ولا يدخل الجنة كذلك. سيحظى بفرصة أن يكر مرة أخرى كشخص أقرب لحجة الله. على سبيل المثال، لو كان مسيحي، سيكر كمسلم، ولو كان يهودي، سيكر كمسيحي. بمعنى آخر، يستمر في الرجوع حتى يصل إلى أعلى حقيقة».
سألت الإمام (منه السلام): «لدى بعض المسيحيين اعتقاد بحادثة معينة تسمى «مروعة الجحيم» حيث نزل عيسى (عليه السلام) إلى جهنم ما بين واقعة الصلب وقيامته من أجل إنقاذ الأرواح الطيبة التي كانت أسيرة هناك. يستدلون على ذلك بالآية: «فَإِنَّهُ لأَجْلِ هذَا بُشِّرَ الْمَوْتى أَيْضًا، لِكَيْ يُدَانُوا حَسَبَ النَّاسِ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ لِيَحْيَوْا حَسَبَ اللهِ بِالرُّوحِ» وبالآية: «وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلًا إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى». تتضمن مخطوطات نجع حمادي كذلك سرد تفصيلي لهذه الحادثة التي يتم فيها إنقاذ الأرواح من جهنم وإعطائهم فرصة ثانية كجزء من عهد جديد مع الله. سؤالي هو: هل تم إنقاذ كل الأرواح التي كانت موجودة وإعطائهم فرصة جديدة ضمن العهد الجديد مع عيسى (عليه السلام)؟ أم الأرواح الطيبة فقط؟».
قال الإمام (منه السلام): «الأرواح الطيبة لا تدخل جهنم، فهذا غير صحيح».
قلت: «لكن هل وقعت حادثة إخراج الأرواح من جهنم أم أن كلها غير صحيح؟».
قال الإمام (منه السلام): «كلها غير صحيح، هذا كلام لا يساوي شيء، مجرد تدليس وتحريف».
قلت: «هل الجنة والنار درجات؟».
قال الإمام (منه السلام): «إبليس في أدنى درجات جهنم، وفي قعر جهنم هي ثلج وليس نار».
قلت له (منه السلام): «أبي فيما يخص الحساب، هل الإنسان هو الذي يحاسب نفسه؟ هل هكذا خلق الله الإنسان؟ هل الإنسان هو الذي يصنع جحيمه أو جنته بمحاسبته لنفسه على أفعاله وأفكاره؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «أحسنت قد أصبت، ﴿بَلِ ٱلْإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ بَصِيرَة﴾.
سألت كذلك ما إذا يمكن أن يدخل ملحد الجنة أم أنه يذهب إلى جهنم، فأجابني الإمام (منه السلام): «أشد درجات الكفر هي الإلحاد».
قلت للإمام (منه السلام): «وجدت في كلامك أنك قلت أن جهنم موجودة من حولنا، فهذا معناه أننا نراها فعلياً ونحن على قيد الحياة الآن، أليس كذلك؟ كذلك قلت لي ذات مرة أننا سوف نصف لك الجنة قبل أن نموت».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هذا صحيح».
ثم تلا الإمام (منه السلام) آية غير موجودة في النسخة الحالية من القرآن الكريم الموجود بين أيدي الناس: ﴿قد أفلح من دحاها﴾، ثم قال: «إن جهنم هي الشمس».
قلت: «سبحان الله، الله أكبر، كانت أمامنا طيلة هذا الوقت».
إذن نرى أن جهنم توصف بالنار لأنها حرفياً نار، الشمس. والأرواح الخبيثة التي تسبب الألم والأذى وتظلم الآخرين وتستحق العقاب يكون مثواها النار وهي الشمس وتمكث فيها وهي تذوق الألم المادي الناتج عن خصائص الشمس، وكذلك الألم النفسي الناتج عن محاسبتهم لأنفسهم على أفعالهم.
كان الإمام أحمد الحسن (منه السلام) يحدثني ذات يوم عن المنافقين والخونة فقال: «نعم بني، سوف يرون الهول العظيم».
قلت: «النار؟».
قال (منه السلام): «النار أرحم وأحن».
قلت: «لا حول ولا قوة إلا بالله، ما الهول العظيم روحي لك الفداء؟».
قال الإمام (منه السلام): «الهول العظيم هو أن جهنم بالنسبة له جنة».
قلت له متعجباً: «يا للعجب، لم أسمع بهذا قط، زدني أبي».
قال (منه السلام): «وها قد سمعت».
قلت: «وضحه لي رجاءاً، هل هو عالم؟ وأين هو؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني، هذا لمثل هؤلاء، أعددنا هذا خصيصاً لمن خانك وآذاك».
إنهمرت الدموع على وجهي وبكيت وقلت: «سبحان الله، لي خصيصاً لمن خانني؟».
قال الإمام (منه السلام): «لن يستوعب عقلك هول العذاب الذي فيه ونوعه لأنه فوق مستوى العقول، يعذبون بشيء يسمى ترس».
قلت: «ترس؟ ما هذا سبحان الله، هذا حيوان أم ماكينة أم ماذا؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «قلت لك أنه فوق مستوى العقول، لن تفهمه ولن تستوعبه لكن أنا أعطيتك مثل، إن جهنم بالنسبة له جنة».
قلت: «سبحان الله، هل هذا المكان لمن يخون آل محمد (منهم السلام)؟ هل أبو بكر وعمر فيه؟».
قال الإمام (منه السلام): «إنه مكان لمن يخون عبد الله بن أحمد».