إن الله عادل يحب العدل، والله حر يحب الحرية. لقد خلق الله الإنسان على صورته، ولذلك تحب روح الإنسان العدل والحرية وتتوق لهما فوق كل شيء. خلق الله الإنسان حراً وجعل له طبيعة عادلة. ويلوم الجميع الله على كل شيء، يلومونه على الظلم الواقع في العالم، لكنهم في نفس الوقت لا يحبون تدخلاته سبحانه وينتقدون قضاؤه وجنته وناره. لكن هل يُلام الله حقاً على أياً من هذا من الأساس؟ لطالما طرح الملحدون أسئلة على شاكلة «إذا كان الله كاملاً ومثالياً، فكيف خلق هذا العالم الغير كامل والغير مثالي؟». وقد أجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام) على هذا السؤال وقال أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا العالم المادي الناقص، بل إن إبليس (لعنه الله) هو من خلقه، وهو خالق ناقص غير كامل وبالتالي فإن خلقه ناقص وتشوبه العيوب.
هناك خالق واحد كامل ومطلق نطلق عليه «الله» وهناك خالقون أقل كمالاً. وهذا ما بيّنه القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى:
﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾.
إن الله أحسن الخالقين ولكن هناك خالقون آخرون. ولدينا أيضاً أمثلة في القرآن الكريم مثل خلق عيسى (عليه السلام) للطير من الطين ودعاء الإمام الصادق (منه السلام) الذي يقول فيه: «يا رب الأرباب ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا جبار الجبابرة، ويا إله الآلهة، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا». ولدينا في الكتاب المقدس في البداية في سفر التكوين ما يلي:
«فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ».
إن مرادف كلمة «الله» في اللغة العبرية هو إلوهيم وهي صيغة الجمع لكلمة «إله» في اللغة العبرية. ورد في القرآن الكريم أيضاً:
﴿نحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾.
وبينما قد يشير الكثيرون إلى أن صيغة الجمع هنا للتوقير والتعظيم والإحترام، إلا أنها في الحقيقة تشير أيضاً إلى تعدد الخالقين. هل هذه إشارة إلى الشرك أو دعوة له؟ إطلاقاً، وقد تبنى علماء الدين غير العاملين هذا المفهوم الخاطئ لقرون عديدة. ولكنها في حقيقة الأمر تشير إلى فهم أكمل لله وتساعدنا في فهم كيفية خلقه للخلق، وكيف يفوض الله سلطة الخلق إلى مخلوقات أدنى، وسبب وجود النقص والشر، وهو ما سنتطرق إليه في هذا الباب.
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم عن الرواية التالية: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن موسى سأل ربه عز وجل أن يعرفه بدء الدنيا منذ كم خلقت، فأوحى الله تعالى إلى موسى: تسألني عن غوامض علمي؟ فقال: يا رب أحب أن أعلم ذلك. فقال: يا موسى! خلقت الدنيا منذ مائة ألف ألف عام عشر مرات، وكانت خراباً خمسين ألف عام، ثم بدأت في عمارتها فعمّرتها خمسين ألف عام، ثم خلقت فيها خلقاً على مثال البقر يأكلون رزقي ويعبدون غيري خمسين ألف عام، ثم أمتهم كلهم في ساعة واحدة، ثم خربت الدنيا خمسين ألف عام، ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام، ثم خلقت فيها بحراً فمكث البحر خمسين ألف عام لا شئ مجاجا من الدنيا يشرب، ثم خلقت دابة وسلطتها على ذلك البحر فشربه بنفس واحد، ثم خلقت خلقاً أصغر من الزنبور وأكبر من البق، فسلطت ذلك الخلق على هذه الدابة فلدغها وقتلها، فمكثت الدنيا خراباً خمسين ألف عام، ثم بدأت في عمارتها فمكثت خمسين ألف سنة، ثم جعلت الدنيا كلها آجام القصب وخلقت السلاحف وسلطتها عليها، فأكلتها حتى لم يبق منها شئ، ثم أهلكتها في ساعة واحدة، فمكثت الدنيا خرابا خمسين ألف عام، ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام ثم خلقت ثلاثين آدم ثلاثين ألف سنة من آدم إلى آدم ألف سنة، فأفنيتهم كلهم بقضائي وقدري، ثم خلقت فيها خمسين ألف ألف مدينة من الفضة البيضاء، وخلقت في كل مدينة مائة ألف ألف قصر من الذهب الأحمر، فملأت المدن خردلاً عند الهواء يومئذ ألذ من الشهد وأحلى من العسل وأبيض من الثلج، ثم خلقت طيراً واحداً أعمى، وجعلت طعامه في كل ألف سنة حبة من الخردل أكلها حتى فنيت، ثم خربتها فمكثت خراباً خمسين ألف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين ألف عام، ثم خلقت أباك آدم (عليه السلام) بيدي يوم الجمعة وقت الظهر ولم أخلق من الطين غيره وأخرجت من صلبه النبي محمدا». قلت: «أبي هل هذه الرواية صحيحة؟ هل كانت هذه المخلوقات موجودة بالفعل؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «ليست صحيحة بالكامل، الخلق الذين كانوا على مثال البقر كانوا خلق مبكر جداً عاشوا على الأرض، الجزء الذي يقول «خلقت آدم بيدي ولم أخلق أحد قبله من الطين» يعني أن آدم هو الخلق الأول الذي خُلق بيد علي ويعني أن آدم هو ابن علي».
سألت: «إذن من خَلَق الخلق قبل علي (عليه السلام)؟».
قال (منه السلام): «كثيرين منهم أنت».
قلت: «أنا؟».
قال (منه السلام): «نعم أنت».
سألت: «ماذا خلقت؟».
قال (منه السلام): «خلقت ما خلقت، خلقت ادلوبان سم».
قلت: «ادلوبان سم؟».
قال الإمام (منه السلام): «كان خلق عاقل إلى حد ما، جسمه منحني مثل الموز وله أقدام كبيرة ورأسه مثل رأس السلحفاة لكن لديه أذن تشبه أذن البشر، سحقهم الله عز وجل لأنهم طغوا».
سألت الإمام (منه السلام): «أبي إذا خلق شخص ما خلقاً معيناً، هل يكون هو من يحاسب أو يبيد هذا الخلق؟».
قال (منه السلام): «نعم بني، اصبر علي وسوف أجعل العالم يقف حائر في أمرك، وأجعل البشر يذهلون من أمرك، وأجعل التاريخ لا يتوقف عن الحديث عنك. أتحسب نفسك جرماً صغيراً وفيك انطوى العالم الأكبر».
الإرادة الحرة والمعصية
ذات يوم كان الإمام أحمد الحسن (منه السلام) يعلمني كيف أخلق مخلوقاً من طين مثلما خلق عيسى (عليه السلام) الطير من طين. فسألته (منه السلام) حينها: «هذا المخلوق هل أنا المتحكم فيه؟ أم هو حر؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هذا أكيد، فأنت الخالق ولك السلطان على حياته، هو حر فيما يفعل لكنك الحر في حياته ومماته، كما يفعل الله سبحانه لكن بعيد عن التشبيه».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «الفرق بين خالق وخالق يحدد الكثير، هل أنت مثلاً مثل محمد (ص)؟ ما الفرق بينك وبين محمد (ص)؟ هل لك علم مثل علي (ع)؟ إن خَلَق علي (ع) وعبد الله [خلقاً] هل سيكون هناك فرق بين صناعة علي (ع) وصناعة عبد الله؟».
قلت: «فرق رهيب».
فقال (منه السلام): «أحسنت. هذا هو الفرق الذي سوف يكون في خلقك، فيه خلل وعيب خلقي ربما، أو يكون مجنوناً مثلاً أو لا يمشي».
سألته (منه السلام): «بما أن الخلق كله في درجات متفاوتة من عدم الكمال، فبالتالي سيكون خلقهم للمخلوقات غير كامل كذلك، لأن عدم الكمال يوّلد عدم كمال. أهذا هو الفرق؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هذا هو الفرق».
سألته (منه السلام): «إذن الخلق الوحيد الكامل هم أهل الكساء لأنهم الخلق الوحيد الذين خلقهم الله عز وجل مباشرةً، والله عز وجل كامل وبالتالي خلقه كامل؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني».
قلت: «إذن يمكن للخالقين الغير كاملين خلق مخلوقات أقل مثل النمل بعكس الخالقين الكاملين الذين يخلقون بشر؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «النملة مخلوق عظيم لا تحسبها صغيرة، كل ما صغرت المخلوقات، [كلما] كان صانعها عظيم».
سألت الإمام (منه السلام): «هل يكون للمخلوق روح؟».
قال (منه السلام): «هنا هي العبرة، الروح، الروح هي الفرق الأول الذي سوف يكون بين الخالقين».
واصل الإمام (منه السلام) شرحه موضحاً لي ما يجب أن أفعله لكي أخلق مخلوقاً حياً من الطين. ثم
قلت للإمام (منه السلام): «والآن أتركه حتى يستيقظ؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «نعم لكن انتبه واحذر أن لا يصاب دماغك بخلل، ربما ترى شيئاً لا يتحمله دماغك واستيعابك، فسوف ترى أشياء لم تتخيلها في يوم ما».
سألت الإمام (منه السلام): «عندما يفيق هذا المخلوق، هل أنا المتحكم فيه كلياً؟ يعني لا يفعل إلا ما أقوله له أو أفكر فيه؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا بني، تذكر أنت متحكم فقط في خلقه [اللحظة التي تبدأ فيها حياته] ومتى يموت. إن الله يخلق لكن معظم مخلوقاته لا تطيعه وتعصيه وتغضبه».
قلت: «كيف أجعله يموت إن أردت؟».
قال الإمام (منه السلام): «هنا يجب أن ترتفع أكثر حتى تعلم، هنا تحتاج إلى الإيمان الأكبر، لكن إن جربت بني إحذر، كن شديد الحذر، لا أريد أن أسمع غداً أن عبد الله قد حصل له شيء فيشمت بك أعداؤك وتفجع قلب آل محمد فيك».
سألته (منه السلام): «مثل ماذا أبي؟ أن يجن المخلوق مثلاً ويقتلني؟».
فقال (منه السلام): «الإثنين وأكثر من هذا، ربما تنتج مخلوق مدمر، كاد أن يموت ابن مريم في إحداها».
سألت الإمام (منه السلام): «ماذا خلق؟».
قال الإمام (منه السلام): «عيسى ابن مريم (ع) كان يخلق منذ أن كان في عمر الخامسة، وفي مرة خلق مخلوق من الكهرباء وليس من طين، وما إن خلق [المخلوق] إنقلب عليه وحاول أن يقتله وكاد أن يفعل، ولكن عيسى تمكن في النهاية من الهرب».
سألت: «هل يمكن أن أموت وأنا وصيك، وإن مت، ماذا يحدث؟ وماذا يحدث للوصية؟ هل يأتي عبد الله آخر أم كيف يكون الأمر إن مت؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «ستبقى في الوصية، ويبقى أصحابها كذلك ولكن إن مت، مات أحمد الحسن، وكذلك موسى وعيسى وجميع الأنبياء والمرسلين. وسوف ننتظر جميعاً ١٠٠ أو ١٥٠ عاماً حتى يرجع الجميع مرة أخرى. لكن هذا لن يحدث، نحن نتحدث فقط عن مسألة افتراضية، لكنها حدثت من قبل، لكن هذا لن أتحدث عنه الآن، لكنه حدث من قبل».
سألته (منه السلام): «إذن السبب في أن هذا العالم غير مثالي هو أن خالقه غير مثالي؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني، إبليس خلق هذا العالم، ولهذا السبب هو هكذا، معيوب ومليء بالمعاناة والموت، فاني لا أبدي».
الكمال يأتي من المعرفة أو معرفة الله، النقص هو الجهل بالله وخليفة الله (إمام الزمان). فكلما عرف المرء الله من خلال خليفته، كلما أصبح أكثر كمالاً وكلما ازدادت أفعاله وصنائعه كمالاً. وكلما زاد جهل الإنسان بالله، كلما زاد نقصه وازداد نقص أفعاله وصنائعه. وتمنحنا الإرادة الحرة خيار المعرفة بالله أو الجهل به.
إن غاية كل الخليقة هي معرفة الله من خلال معرفة إمام زمانهم واتباعه. يقول الله عز وجل في القرآن الكريم:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾،
وقد فسر آل بيت محمد (منهم السلام) هذه الآية وبَيّنوا أن «لِيَعْبُدُونِ» تعني «ليعرفونِ». وقد استفاض آل بيت النبوة (منهم السلام) في شرح وتفسير معنى هذه الآية في الرواية التالية:
في العلل عن الصادق (عليه السلام) قال: «خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه. فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟، قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته».
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «أبي لدي سؤال، لكن أتمنى أن يساعدني لساني على توصيل الفكرة».
قال الإمام (منه السلام): «تفضل بني».
قلت: «كنت أتفكر في كلام منسوب لك من قبل، كنت قد قلت أن قلب الإنسان بين إصبعين من أصابع الرحمن، الملاك إصبع والشيطان إصبع، وتساءلت لماذا يملك الشيطان كل هذه القوة؟ لماذا بمقدوره أن يفعل كل هذا؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني، الخير والشر قوتان تكاد أن تكونا متعادلتان. إبليس (لعنه الله) عنده من العلم ما يكفي أن يسيطر به على العالم لولا وجود الله عز وجل ولولا بعض الأسرار التي أخفيت عنه، والله عادل وحكيم، وصول المخلوق إلى الإيمان يجعله يغرف من العلوم والمعرفة، على قدر إيمانه يعطيه الله عز وجل، رغم معرفة الله عز وجل بهذا المخلوق أنه سوف يكون عدو في يوم من الأيام، لكن الله عز وجل لا يحاسب أحداً على عمل لم يقترفه أو ذنباً لم يقترفه، له ما يراه الآن من أعمال هذا المخلوق، فإنك لو ترى كيف كان إبليس مؤمناً لعرفت كم غرف من هذه العلوم وإلى أي مرحلة وصل، ومن خلال كلامي تعرف كم حصل على علوم، لأنه كان مؤمناً حقاً ووصل إلى ذروة الإيمان القصوى لكنه في لحظة أخذته الأنا (أنا أفضل من آدم) فسقط سقطة لا عودة منها، في قعر جهنم وبئس المصير».
قلت: «إذن الآية التي تقول: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾ تتحدث عن هذا».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، عندما تمكنت أمريكا في فترة قصيرة جداً قياساً بقريناتها من الدول القديمة والحديثة أن تصبح بهذه القوة وتسيطر كل هذه السيطرة على العالم».
قلت: «هل لأنها عبدت الشر واستخدمت قوى الشر؟».
قال الإمام (منه السلام): «لأنهم قرروا اتخاذ الشيطان [ولياً] وجعلوا إبليس إلهاً لهم».
قلت: «يعني الإصبع الذي من أصابع الرحمن هو إبليس، الشيطان هو إبليس».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، إنه إصبع من أصابع الله لأن كل ما عنده من علوم هي من الله وتعلمها من الله عز وجل».
قلت: «سبحان الله. توجد أديان كانت تعبد القوتين، الخير والشر، ويقولون أن الاثنين مصدرهما الله، فقط أردت أن أفهم لماذا وصف أولياء الله وحججه إبليس (لعنه الله) بأنه إصبع من أصابع الله؟ ولماذا تقول الآية بما معناه ألا تعبدوا الشيطان من دون الله؟».
قال الإمام (منه السلام): «لأن الإنسان أحياناً يعبد الشيطان من دون أن يعلم، تمجيد الشيطان دون فهم ودراية. مثلاً أن تقول «أمريكا دولة عظيمة» أو تقول «لا توجد دولة أفضل منها». هذه عبادة بطريقة غير مباشرة. فهمت حبيبي؟».
قلت: «شكراً أبي، نعم فهمت».
قال (منه السلام): «الآن قوة الشر هي المسيطرة بمساعدة الناس لهم من حيث يعرفون أو لا يعرفون».
قلت للإمام (منه السلام): «لكن أليس الله سبحانه هو من يملك القوتين؟ الخير والشر؟».
قال (منه السلام): «بني، قوة الشر مصدرها خير، لكن إبليس (لعنه الله) هو من حولها إلى شر، أعطيك مثال صغير: هذا الهاتف الذي بين يديك الآن، تستطيع أن تستخدمه في الخير وتستطيع أن تستخدمه في الشر، الجوجل على سبيل المثال لو كتبت به مثلاً «أفلام جنس» سوف يعطيك، وإن كتبت به «حديث لأمير المؤمنين» سوف يعطيك. فماذا تسمي هذه القوة التي بين يديك، الهاتف، خير أم شر؟».
قلت: «لا هذا ولا ذاك، محايد، يمكن إستخدامه للاثنين».
قال الإمام (منه السلام): «جيد ممتاز، إذن هي حسب استخدامك لها. هذا هو بالضبط الحال مع علوم الله عز وجل. إذن أنت المتحكم باستخدامها شراً أو خيراً. إذن المُستخدِم هو المُلام».
سألت الإمام (منه السلام): «وعندما يموت إبليس (لعنه الله) إلى يد من تؤول قوى الشر هذه؟».
قال الإمام (منه السلام): «موت إبليس وحده ليس كافي، يجب أن يموت فكر إبليس (لعنه الله)».
قلت: «هل معنى ذلك أن الذي يفعله إبليس (لعنه الله) اليوم وقوله للناس أن يزنوا أو أو أو… أن هذه الأمور أو حتى العلوم التي يعلمها إبليس (لعنه الله) لا تتسم في حد ذاتها بالشر؟ لأن خليفة الله ممكن أن يُسقِط عن الإنسان فرض أو تكليف ديني ما، لكن المسألة هي الاعتراض والمحاربة التي صدرت من إبليس؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم أحسنت، وحرف المخلوقات إلى المعاصي».
قلت: «نعم فهمت».
إذن نفهم من هذا الباب أنه بما أن أصل كل المعرفة وأصل كل شيء كان يرجع إلى مصدر واحد وهذا المصدر هو قوى الخير، فإن مصدر كل الشرور هو الخير.
ذات يوم كان يتحدث الإمام أحمد الحسن (منه السلام) معي ومع علي الغريفي، حينما طرح عليه علي الغريفي هذا السؤال: «الحديث الذي يقول أن «محمد وعلي أبوا هذه الأمة»، هل المقصود بـهذه الأمة شيعة آل بيت محمد (ع)، وهل كلمة «أبوا» هنا تشير إلى النسب الروحي؟».
أجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هذا مؤكد ولدي».
قال علي الغريفي: «نعم ولكن تكملة الرواية تجعلني أحتار، تقول بقية الرواية «ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم. فإننا ننقذهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار ونلحقهم من العبودية بخيار الأحرار».
فقال الإمام (منه السلام): «الله الله حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على ولده».
تابع علي الغريفي حديثه قائلاً: «لأني بنيت برنامجي على أن هذه الأمة هي الشيعة وأحببت أن أتأكد منكم سيدي».
أجاب الإمام (منه السلام): «فهمك صحيح ولدي من ناحية، ومن ناحية أخرى أن محمد وعلي (ص) والدا كل الأمة، أمة الإنسانية جمعاء».
سأل علي الغريفي: «وحتى المنافقين؟».
قال الإمام (منه السلام): «المنافقين والكفرة وكل من عليها، لكن هذا من ناحية أخرى، ربما أقول لك كلام فيصبح عليك ثقيل».
فقال علي الغريفي: «إن شاء الله لا، ولكم الأمر سيدي».
قال الإمام (منه السلام): «من خلق ابليس (لعنه الله)؟ ومن خلق فرعون الكافر؟ ومن خلق هارون اللا رشيد؟ ومن خلق معاوية ويزيد (لعنهما الله) و و و من خلق فلان وفلان؟».
أجاب علي الغريفي: «أنا فهمت من كتبكم أن الله سبحانه طبعاً، ولكنه وَصَف محمد (ص) بالحاشر الناشر».
قال الإمام (منه السلام): «أليس هو نفس الخالق الذي خلق محمد وعلي وعيسى والحسن والحسين ووو وغيرهم من الصالحين؟ وأنا أقول لك أن علي هو الحاشر الناشر».
فقال علي الغريفي: «لم أفهم ممكن تزيدني؟».
قال الإمام (منه السلام): «سوف أزيدك إن شاء الله، لكن ليس الآن».
قال علي الغريفي: «أشكرك».
واصل الإمام (منه السلام) حديثه: «الآن سوف يصعب عليك الفهم، لكن هناك يوم سوف أستطيع أن أخبرك وسوف تستطيع استيعاب ما تسمع».
وبالتالي نخلُص إلى أن هناك أكثر من خالق، ويختلف كل منهم في مستوى كماله مما يؤثر على كمال خلقه. تُمنح جميع المخلوقات إرادة حرة ومع الإرادة الحرة يأتي الخيار للعصيان والانحراف وارتكاب الأخطاء، ولهذا درجات. وقد إختار إبليس وخلقه العصيان لأقصى درجة، إلا أن أيامهم معدودة وهناك وقت معلوم. لقد اختاروا العصيان والتمرد على الله وعلى الخير، كانوا في الأصل صالحين لكنهم اختاروا أن يكونوا أشرار.
الشر ليس فعل أو شخص معين، بل هو الإختيار الواعي النابع من الإرادة الحرة لمحاربة الخير، لذلك فإن القتل على سبيل المثال ليس شراً بطبيعته، لأن طريقة إنهاء الحياة نفسها أوجدها الخير في الأصل ويمكن استخدام هذه الطريقة للخير، أما الشر فهو أن يختار المرء قتل الخير. يمكن أن يكون القتل أمراً جيداً عندما يكون لإنهاء حياة إنسان يلحق الضرر والأذى، على سبيل المثال قصة العبد الصالح الذي قتل الصبي في سورة الكهف في القرآن الكريم. يمكن أن يكون القتل أمراً جيداً أيضاً عندما تقرر دولة ما إنهاء حياة قاتل أو سفاح لا يريد التوقف عن القتل أو عندما يقررون قتل مجرم حرب ارتكب جرائم إبادة جماعية مثل هتلر. إذن، القتل في حد ذاته ليس خيراً ولا شر، بل إن طريقة استخدامه هي التي تكون خير أو شر. الطاقة النووية محايدة، يمكن استخدامها للخير أو الشر. يمكن استخدامها كمصدر للطاقة لتزويد مدينة ما بالطاقة، أو يمكن تحويلها إلى قنبلة لتدمير المدينة. تعريف الشر إذن، وكونه ذنب، هو معصية الله وأحكامه أو أوامره. وهناك الكثير من الأمثلة، بل إن كل ما هو موجود أو كل ما تم اختراعه يمكن استخدامه للخير أو الشر.
الآن نفهم أيضاً أنه على الرغم من أن إبليس وابنه قابيل ونسلهما أشرار، إلا أنهم أشرار لأنهم اختاروا أن يكونوا كذلك. فهم ليسوا أشرار بطبيعتهم، لأن مصدرهم في الأصل هو النور، حالهم كحال كل الخليقة، لكنهم، أبناء الظُلمة، اختاروا أن يكونوا في ظلمة، والظلمة ليست سوى غياب النور.
كما قال الإمام (منه السلام):
«الشر هو الذي صنع نفسه حين تكبر على الله».
الشر هو اختيار معارضة الله وعصيانه ومحاربته. ومع ذلك، فإن أصل كل الأشياء خير ولهذا لا تزال هناك شرارة نور في جميع المخلوقات. ولا حياة بدون نور. حتى ولو كان إبليس هو من خلق الأجساد المادية، إلا أن إبليس في الأصل مخلوق من الله، بل إنه على وجه التحديد مخلوق من مخلوقات الله الأقل والتي تتسم بالنقص. كما أن خلقه هم خلائق الله في نهاية المطاف. فرعون والنمرود وأبو لهب وأبو سفيان هم في الأصل خلق الله أيضاً.
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «إذن هذا معنى الحديث الذي يقول (نحن آدم ونوح وفرعون والنمرود)، لأن كل شيء حي بالله ولو بنسبة أو نقطة من النور؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».