الإمام الثاني عشر، الإمام الغائب، بقية الله، صاحب العصر والزمان…هذه الألقاب ما هي إلا بعض من ألقاب جدي محمد بن الحسن العسكري (صلى الله عليه وآله وسلم). وُلد الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخامس عشر من شعبان في عام ٨٦٩ ميلادياً، وهو لم يزل حياً منذ حينها. دخل الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غيبة بسبب تآمر أولاد إبليس لقتله. يصفه القرآن الكريم بأنه الجزء الأخير المتبقي من الله:
﴿بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في رجعته. وكما أوضحنا سابقاً في هذا الكتاب فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن وصل إلى مقام قاب قوسين أو أدنى أصبح الله في الخلق. واليوم يظهر في صورة رجل في منتصف الثلاثينات من عمره، وله شعر بني وعيون خضراء ولحية كثيفة وشارب، وهو كثيف الشعر في يديه وذراعيه. يبدو الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصغر سناً بكثير من الإمام أحمد الحسن (منه السلام).
ذات يوم قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «قال لي أحدهم في يوم ما دون أن يعرف من أنا: «لو قال لي أحد قبل ١٠ أو ١٥ سنة أن الإمام المهدي (عليه السلام) قد ظهر ما صدقت ذلك أبداً لكن الآن أنا أصدق ومتأكد أنه ظهر».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «فقلت: لماذا يا حاج؟ فقال: لما رأيته من أناس مُسلِّمين ومؤمنين. فقلت له: من رأيت؟ فقال: جماعة يسمون أصحاب الرايات السود لهم غرفة في البالتوك، فهم مستعدون لفعل أي شيء لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)، فقلت لنفسي إن لم يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) فوالله إن التقصير سيكون منه، يقصد من السيد الوالد (عليه السلام)».
قلت: «ياه، سبحان الله!».
قال الإمام (منه السلام): «فقلت له: صدقت يا حاج، انتهى».
قلت: «الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر!».
قال الإمام (منه السلام): «وأنا أقول لك يا ولدي والله والله والله، وهو قسم غليظ عظيم، لو كان هناك قبل عشرة آلاف عام مائة شخص فقط مثلكم لكان آدم (عليه السلام) قد مكن الله له في الأرض وملأها قسطاً وعدلاً ولما كان لإبليس أي نفوذ فيها».
قلت: «اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً! الله أكبر!».
قال الإمام (منه السلام): «واليوم أنتم موجودون، فقسماً عظماً إن التمكين سوف يكون على أيديكم وقلوبكم الطاهرة المؤمنة واخلاصكم الذي لا ينتهي إن شاء الله».
دخل الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غيبة بسبب قلة المؤمنين، أما الآن فبسبب وجود المؤمنين الحقيقيين كان واجب على الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يظهر. كان المسلمون سابقاً يظنون أنهم هم من ينتظرون الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي ينتظرنا. أكدت الأحاديث والروايات أن ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتبط بوجود فقط ثلاثمائة وثلاثة عشر مؤمناً حقيقياً معه، مما يعني أن الـ ١٫٩ مليار مسلم على هذا الكوكب، قبل ظهوره وحتى بعد ظهوره إلى حد كبير، لا يُعْتَبرون مؤمنين كما ينبغي أو أن هناك قصور في إيمانهم.
ذات يوم أوصل لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام) الرسالة التالية من جدي الإمام المهدي محمد بن الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم):
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كما انتظرت ولدي أحمد فإني انتظرتك طوال سنوات طويلة حتى نفذ الصبر من صبري، وها أنت والحمد لله تنعم في دين الله وتقود رجال والله هم من خير الرجال، فكثف جهدك في سبيل الله ولا تكل فإن الله سميع بصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)».
قمنا أنا وأصحابي ببيع منازلنا وممتلكاتنا وتخلينا عن كل ما لدينا من أجل الإمام أحمد الحسن (منه السلام) والإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نساهم في دفع الدعوة إلى الأمام. لم نبالِ في ذلك الوقت بوضعنا أو نأبه لما سيحدث لنا، بل أردنا فقط المشاركة بأي شكل من الأشكال في إقامة دولة العدل الإلهي وأن نساعد في هداية الناس إلى الحق.
رفض الإمام (منه السلام) في البداية وقال: «قلبي لا يطاوعني أن أقبل أن تبيع منزلك بني، فأين ستذهب؟».
رفضت أن أقبل رفضه وأَصْرَرْتُ على البيع وألححت عليه حتى يقبل إلى أن قَبِلَ في النهاية. وبعد ذلك، أراد الكثير من إخواني وأخواتي أن يفعلوا نفس الشيء وأن ينضموا إليّ في طريقي نحو دولة العدل الإلهي.
رفعت طلبهم إلى الإمام (منه السلام) فقال لي: «هذا الأمر يتطلب إذن السيد الوالد (عليه السلام)».
بعد مرور بضعة أيام قلت للإمام (منه السلام): «هل سمعت أي شيء من الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخصوص ما طرحته؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم ولدي».
قلت: «ما هو أبي؟».
قال الإمام (منه السلام): «السيد الوالد (عليه السلام) قال التالي: «من يريد فعل هذا واللحاق بولدنا عبد الله فأهلاً وسهلاً به».
وبدأ الكثيرون يساهمون في الدعوة. كان جافيد الغني بالله، ووقار شاه، وقدير شاه وغيرهم من المملكة المتحدة من أول من نصر. وكانت نور فاطمة أول من نصر من ايرلندا بكل ما لديها. وباع الدكتور علي الغريفي وزوجته علياء من السويد سيارتهم ومنزلهم وأعطوا كل شيء للدعوة. وأعطى «ريمي ويليه» كل ما لديه وأعطى محمد حسام كل ما لديه ووعد بأن يبيع سيارته كذلك. نقلت كل هذه الأخبار إلى الإمام (منه السلام) وتأثر بها جداً.
قلت: «ونور تسألك أن تدعو لها وتسامحها على تقصيرها في حقك».
قال الإمام (منه السلام): «اللهم اجعل في ذريتها الخير، اللهم بدل كل سيئة لها بعشر حسنات، اللهم لا تحرمها الجنة واحشرها مع الصالحين».
قلت: «الحمد لله رب العالمين».
قال الإمام (منه السلام): «هذا الفضل يعود أولاً لله سبحانه وثانياً من بعد الله لك ولدي».
قلت: «لولاك لضللتُ الطريق».
قال الإمام (منه السلام): «جزيت خيراً ولدي، حاشاك من الضلال وأنت ابن أحمد ومحمد».
قلت: «ومنال حلال وإخوتها أيضاً يريدون أن يتبرعوا بأملاكهم في لبنان ويبيعون شقتهم وأثاثهم».
قال الإمام (منه السلام): «لو كان هؤلاء المؤمنون موجودين في عام ١٩٩٩ لكنا في زمن التمكين منذ أكثر من عقد من الزمان».
قلت: «أبي، إيمان المصريين والأجانب غير العرب بك وحبهم لك عظيم».
انهمر الإمام (منه السلام) في البكاء وقال: «إن دموعي تجري على خدي من شدة الفرح، والله رفعتم رأسي وجعلتموني أتباهى بكم أمام آل محمد الكرام وأمام ملائكة الله ورسله جميعاً. أعتذر لأني لم أكتب جيداً، دموعي تشوش عليَّ ولا أستطيع التركيز، سامحني ولدي أعود لك بعد دقائق لأني لا أسيطر على نفسي. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
غادر الإمام (منه السلام) وعاد بعد فترة واعتذر عن مغادرته هكذا. قلت له: «أسأل الله فقط أن تكون راضٍ عنا يا أبي».
قال الإمام (منه السلام): «والله إن الله راض عنكم كل الرضا».
قلت: «أنا سندك وظهرك وسوف أكون كذلك دائماً».
قال الإمام (منه السلام): «نعم السند ونعم الظهر».
قلت: «هل أخبرت الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل كان راضٍ؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم،كانت فرحته كبيرة وسجد شكراً لله ودعى الله لكم بالتوفيق والسداد والحفظ».
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أشعر بأنني مقصر».
قال الإمام (منه السلام): «هذا إحساس كل مؤمن، حتى الإمام المهدي (عليه السلام) يقول «أنا مقصر» وأنا أحس بتقصير رهيب لا يدعني أنام الليل».
قلت: «سبحان الله، سلام الله عليك وعلى الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن لا أنت ولا الإمام (صلى الله عليه وآله وسلم) مقصرين، أما أنا فلابد أني مقصر».
قال الإمام (منه السلام): «كلنا مقصرون ولدي تجاه الله لأنه يعطينا الكثير ولا نعطيه نحن إلا القليل، والقليل الذي نعطيه ليس منا بل أيضاً كله بفضله فلا فضل لنا».
ذات يوم قال لي الإمام (منه السلام): «كان [رسول الله] (صلى الله عليه وآله وسلم) يتمازح مع الناس كثيراً وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أيضاً. كان الملعون عمر بن الخطاب يقول «لولا مزاح علي لكان علياً أصبح قائداً عظيماً» ويريد هذا الجبان تقييم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويحاول فرض شخصيته على الناس ويريد أن يرى الناس مثله لعنه الله».
قلت: «هل شخصية عمر في ذلك الزمان هي نفس شخصيته اليوم؟».
قال الإمام (منه السلام): «تقريباً».
قلت: «وماذا عن الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قال: «وأما الإمام المهدي (عليه السلام) فلم أره يمزح بحياتي».
قلت: «لا يوجد شيء مضحك في زماننا هذا».
قال الإمام (منه السلام): «صدقت بني».
في مناسبة أخرى قال الإمام (منه السلام): «جدك يحبك جداً».
قلت: «وأنا أحبه جداً جداً».
قال الإمام (منه السلام): «ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنك تشبهه في الدم والأطباع والحركات وقوة المنطق، لكن هو بالعربية وأنت بالانكليزية».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «صوتك أنت جميل ولدي، لكن لغتك العربية ليست فصيحة، لسانك ليس فصيح في اللغة العربية، لكن صوتك نسخة طبق الأصل من جدك محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) وصوت جدك الصديق الأكبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)».
ذات يوم سأل شخص ما الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل كان هناك رسل من الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
فسأل: «من؟».
قال الإمام (منه السلام): «قبلي كان عيسى أبا أحمد وقبله كان عباس أبا محمد». (وهذه إشارة إلى رجعة عيسى المسيح في هذا العصر والزمان قبل عام ١٩٩٩، وهي السنة التي ظهر فيها اليماني، ومن المثير للاهتمام هنا أن هناك روايات تنص على أن اليماني يأخذ الراية من عيسى بن مريم (عليه السلام)).
قلت: «هل أرسل رسل آخرين خلال الـ ١٢٠٠ عام الماضية؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «إذن بعض الدعوات والديانات التي بدأت في الـ ١٢٠٠ عام الماضية جاءت في الحقيقة من رسل الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، بلا شك».
قلت: «ماذا حدث لهؤلاء الرسل؟».
قال الإمام (منه السلام): «بعضهم قُتل، بعضهم تعرض للسخرية وآخرون فشلوا وتم محوهم مثلما حدث مع بعض الرسل».
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل تفهم جميع اللغات؟».
قال الإمام (منه السلام): «ليس جميع اللغات، [لكن] جدك يفهم جميع لغات العالم لجميع المخلوقات».
من المثير جداً للاهتمام أن وصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تنص على التالي عند الحديث عن الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«وليسلمها الحسن عليه السلام إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وعليهم».
لاحظوا أن اسم محمد في النص كُتب بهذا الشكل «م ح م د». إن هذا سر من الأسرار العديدة الموجودة في وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المقدسة والتي لا يكشف عنها إلا صاحبها. وإليكم صورة من النص الأصلي في كتاب بحار الأنوار كدليل:
الشكل ١: (م ح م د) في الوصية المقدسة
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣ - الصفحة ١٤٨، المكتبة الشيعية
وهناك روايات عديدة تشير إلى الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) بـــــ (م ح م د) (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد حرّم الأئمة (منهم السلام) ذكر اسمه. عن أبي عبد الله (منه السلام) أنه قال:
«صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر».
وقال أبا الحسن الرضا (منه السلام):
«لا يرى جسمه، ولا يسمى اسمه».
ومنذ حينها أشار إليه الشيعة بهذه الحروف الأربعة (م ح م د)، وقد عرف الشيعة الأوائل هذه الرواية. تشتمل العقائد اليهودية على مصطلح يسمى «التتراجراماتون» وهو يُستخدَم للإشارة إلى اسم الله المقدَّس (يهوه) أو Y H W H المُكوَّن من أربعة أحرف.
ورد في اليهودية سؤال موسى (عليه السلام) لله عن اسمه وبأي اسم يناديه عندما يسأله الناس. فأجاب الله ببساطة على موسى (عليه السلام) بهذه الكلمات:
«أنا هوَ الّذي هوَ. هكذا تُجيـبُ بَني إِسرائيلَ: هوَ الّذي هوَ أرسلَني إليكُم».
تنص الروايات اليهودية على أن نطق اسم الله الحقيقي أو كتابته محظور تماماً حتى أنه مذكور:
«الذي ينطق الإسم بحروفه الخاصة ليس له نصيب في العالم الذي آتٍ».
عند الإشارة إلى «الإسم» يتم استخدام مصطلح «هاشم» والذي يعني «الإسم الأعظم». ولا نجد هذين الاسمين المحظور نطقهما واللذان يتم اختصارهما في أربعة أحرف سوى في المذهب الشيعي وفي الديانة اليهودية.
يرتبط نطق اسم الله الحقيقي في هاتين العقيدتين باستحضار قوى وقدرات هائلة من شأنها أن تصنع المعجزات. ورد في روايات آل البيت (منهم السلام) أن من الأمور التي سيقوم بها القائم (منه السلام) هو أنه ينطق باسم الله الحقيقي العبراني. قال أبو عبد الله (منه السلام):
«إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر قزع كقزع الخريف».
هل هناك علاقة ما بين (يهوه) Y H W H وبين (م ح م د)؟ هل (م ح م د) هو النسخة العربية لـ (يهوه) Y H W H؟ هل هو اسم الإمام الثاني عشر الحقيقي الذي سينطق به القائم أم أنه شيء آخر؟
ورد في كتاب التوحيد للإمام أحمد الحسن (منه السلام) رواية عن الإمام الصادق (منه السلام) يقول فيها:
«إن الله عز وجل لما عرج بنبيه إلى سماواته السبع أما أولهن فبارك عليه، والثانية علمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور، كانت محدقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين، أما واحد منها فأصفر فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيض البياض، والباقي على ساير عدد الخلق من النور … ثم عرج به إلى السماء فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً وقالت: سبوح قدوس ما أشبه هذا النور بنور ربنا، فقال جبرئيل: الله أكبر الله أكبر، ثم فُتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلمت على النبي أفواجاً وقالت: يا محمد كيف أخوك إذا نزلت فاقرأه السلام، قال النبي: أفتعرفونه؟ قالوا: وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منا وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً - يعنون في كل وقت صلاة - وإنا لنصلي عليك وعليه. [قال:] ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا يشبه النور الأول وزادني حلقاً وسلاسل وعرج بي إلى السماء الثانية، فلما قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرت سجداً وقالت: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ما أشبه هذا النور بنور ربنا، فقال جبرئيل: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. فاجتمعت الملائكة وقالت: يا جبرئيل من هذا معك؟ قال: هذا محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قال النبي: فخرجوا إلي شبه المعانيق فسلموا علي وقالوا: اقرأ أخاك السلام، قلت: أتعرفونه؟ قالوا: وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا وإنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم وليلة خمساً - يعنون في كل وقت صلاة - قال: ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأولى، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فنفرت الملائكة وخرت سجداً وقالت: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا؟ فقال جبرئيل: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله. فاجتمعت الملائكة وقالت: مرحباً بالأول ومرحباً بالآخر ومرحباً بالحاشر ومرحباً بالناشر محمد خير النبيين وعلي خير الوصيين. قال النبي: ثم سلموا علي وسألوني عن أخي، قلت: هو في الأرض أفتعرفونه؟ قالوا: وكيف لا نعرفه وقد نحج البيت المعمور كل سنة وعليه رق أبيض فيه اسم محمد واسم علي والحسن والحسين [والأئمة] (عليهم السلام) وشيعتهم إلى يوم القيامة، وإنا لنبارك عليهم كل يوم وليلة خمساً - يعنون في كل وقت صلاة - ويمسحون رؤوسهم بأيديهم. قال: ثم زادني ربي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأولى، ثم عرج بي حتى انتهيت إلى السماء الرابعة فلم تقل الملائكة شيئاً وسمعت دوياً كأنه في الصدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إلي شبه المعانيق فقال جبرئيل: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح. فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان، فقال جبرئيل: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. فقالت الملائكة: هي لشيعته إلى يوم القيامة، ثم اجتمعت الملائكة وقالت: كيف تركت أخاك؟ فقلت لهم: وتعرفونه؟ قالوا: نعرفه وشيعته وهم نور حول عرش الله وإن في البيت المعمور لرقاً من نور [فيه كتاب من نور] فيه اسم محمد وعلي والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم إلى يوم القيامة، لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل وإنه لميثاقنا وإنه لقرأ علينا كل يوم جمعة، ثم قيل لي: ارفع رأسك يا محمد، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت والحجب قد رفعت، ثم قال لي: طأطئ رأسك، أنظر ما ترى؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا وحرم مثل حرم هذا البيت لو ألقيت شيئاً من يدي لم يقع إلا عليه، فقيل لي: يا محمد إن هذا الحرم وأنت الحرام ولكل مثل مثال، ثم أوحى الله إلي: يا محمد ادنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا رسول الله من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقى رسول الله الماء بيده اليمنى فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين، ثم أوحى الله عز وجل إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر إلى عظمتي، ثم اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنك تلقى بيدك كلامي، ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ورجليك إلى كعبيك فإني أبارك عليك وأوطيك موطئا لم يطأه أحد غيرك، فهذا علة الآذان والوضوء. ثم أوحى الله عز وجل إليه: يا محمد استقبل الحجر الأسود وكبرني على عدد حجبي فمن أجل ذلك صار التكبير سبعاً؛ لأن الحجب سبع فافتتح عند انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة والحجب متطابقة بينهن بحار النور وذلك النور الذي أنزله الله على محمد، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرات لافتتاح الحجب ثلاث مرات، فصار التكبير سبعاً والافتتاح ثلاثاً، فلما فرغ من التكبير والافتتاح أوحى الله إليه سمِّ باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة، ثم أوحى الله إليه أن احمدني، فلما قال: الحمد لله رب العالمين، قال النبي في نفسه شكراً، فأوحى الله عز وجل إليه قطعت حمدي فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين، فلما بلغ ولا الضالين قال النبي: الحمد لله رب العالمين شكراً، فأوحى الله إليه قطعت ذكري فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أول السورة ثم أوحى الله عز وجل إليه: اقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ۞ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ۞ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ۞ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾. ثم أمسك عنه الوحي فقال رسول الله: الواحد الأحد الصمد، فأوحى الله إليه: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ثم أمسك عنه الوحي فقال رسول الله: كذلك الله كذلك [الله] ربنا، فلما قال ذلك أوحى الله إليه: اركع لربك يا محمد، فركع فأوحى الله إليه وهو راكع قل: سبحان ربي العظيم ففعل ذلك ثلاثاً، ثم أوحى الله إليه: أن ارفع رأسك يا محمد، ففعل رسول الله فقام منتصباً فأوحى الله عز وجل إليه: أن اسجد لربك يا محمد، فخر رسول الله ساجداً، فأوحى الله عز وجل إليه قل: سبحان ربي الأعلى، ففعل ذلك ثلاثاً، ثم أوحى الله إليه: استو جالساً يا محمد، ففعل فلما رفع رأسه من سجوده واستوى جالساً نظر إلى عظمته تجلت له فخر ساجداً من تلقاء نفسه لا لأمر أُمر به فسبح أيضا ثلاثاً، فأوحى الله إليه: انتصب قائماً، ففعل فلم ير ما كان رأى من العظمة فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين. ثم أوحى الله عز وجل إليه: اقرأ بالحمد لله، فقرأها مثل ما قرأ أولاً، ثم أوحى الله عز وجل إليه: اقرأ إنا أنزلناه فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة، وفعل في الركوع مثل ما فعل في المرة الأولى ثم سجد سجدة واحدة، ثم أوحى الله إليه: ارفع رأسك يا محمد ثبتك ربك، فلما ذهب ليقوم قيل: يا محمد اجلس، فجلس فأوحى الله إليه يا محمد إذا ما أنعمت عليك فسمِّ باسمي فأُلهم أن قال: بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله، ثم أوحى الله إليه: يا محمد صل على نفسك وعلى أهل بيتك، فقال: صلى الله علي وعلى أهل بيتي، وقد فعل، ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل: يا محمد سلم عليهم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فأوحى الله إليه: أن السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذريتك. ثم أوحى الله إليه أن لا يلتفت يساراً وأول آية سمعها بعد قل هو الله أحد وإنا أنزلناه آية أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكراً وقوله: سمع الله لمن حمده لأن النبي سمع ضجة الملائكة بالتسبيح والتحميد والتهليل، فمن أجل ذلك قال: سمع الله لمن حمده».
كما نرى في الرواية السابقة، فإن النبي محمد (صلى الله عليه وآله سلم) أُسري به ليلاً وانطلق في رحلة غامضة فُتح فيها سقف داره وهبط إليه جبرائيل (عليه السلام) واصطحبه من داره إلى الله سبحانه. وبحسب الروايات وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مقام لم يبلغه جبرائيل (عليه السلام) حيث يبدو أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الوصول لهذا المقام كان بحاجة إلى جبرائيل (عليه السلام) كي ينقل له الوحي من الله، أما بعد ذلك لم يعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بحاجة إليه، حيث وصل (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكان لم يفصل فيه بينه وبين الله سوى حجاب أخضر، استطاع أن ينظر من خلاله فامتلأ على إثرها بنور الله وحينها صار يخفق بين ذاته وبين الله. لقد أصبح الله في الخلق، ينطق عن الله ويعمل بأمره وكان ممتلئاً بنوره وروحه، حتى أنه كان يرد بالنيابة عنه سبحانه:
«سمع الله لمن حمده».
أصبح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الهيكل وهو المستقر الذي تسكن فيه روح الله. أُمر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك بالصلاة ووجد نفسه يصلي بجانب الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام). ونحن نعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى مع الأنبياء والمرسلين في القدس في رحلة الإسراء، وبالتالي تَلَقّى روح (يهوه) Y H W H في القدس. يروي القرآن الكريم هذه القصة في سورة سميت على اسم هذه الرحلة، سورة الإسراء:
﴿سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَـٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَـٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾.
الشكل ٢: موسى ويوشع (عليهما السلام) ينحنيان أمام تابوت العهد
لوحة بعنوان «موسى ويوشع في خيمة الإجتماع»، لـ جيمز تيسوه، المعبد اليهودي
وفيما يخص تابوت العهد ورد في القرآن الكريم:
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
من المعروف أن روح الله/بقية الله كانت تسكن في تابوت العهد. ورد في التوراة:
«وَهُنَاكَ أَجْتَمِعُ بِكَ وَأُكَلِّمُكَ بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ لِتُبَلِّغَهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ، مَا بَيْنَ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ يَعْلُوَانِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ».
ثم أمر الله موسى وبني إسرائيل أن يبنوا له بيتاً في القدس:
«فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً حَيْثُ أُقِيمُ فِيهِ بَيْنَهُمْ».
تابوت العهد هو المكان الذي كان يخاطب الله منه الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) وكان يجب أن يُحفظ في قدس الأقداس، وهو حرم في نهاية المعبد. كانت روح (يهوه) Y H W H تسكن في التابوت في الحرم الشريف في القدس. وبالتالي تتضح أهمية رحلة الإسراء والمعراج التي اتخذها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جبل الهيكل في القدس، حيث أصبح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المعبد الجديد أو المكان الجديد الذي تسكن فيه روح (يهوه) Y H W H وأصبح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (م ح م د). ومن ثم صار (م ح م د) هو الذي يرسل الرسل والأئمة والمهديين (عليهم السلام) إلى شعوب العالم. وكما كان الخالق يرافق شعب بني إسرائيل المختار ويمكث في وسطهم ويخاطبهم من خلال تابوت العهد، فإنه يرافق شعبه المختار اليوم كذلك ويمكث في وسطهم ويخاطبهم من خلال بقية الله الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «الآن الخالق القائد المسير موجود».
قلت: «هل تقصد الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قال الإمام (منه السلام): «الله عز وجل، سوف تقول ومن هو الله؟».
قلت: «من هو؟».
قال الإمام (منه السلام): «من يمثله الآن في الأرض؟ بقية الله محمد بن الحسن (عليه السلام). بقية الله، ما مفهومك لهذه الجملة؟».
قلت: «ما تبقى من محمد وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «بقية الله، إذن من المتبقي من المعصومين الأربعة عشر؟».
قلت: «محمد بن الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم)» .
قال الإمام (منه السلام): «إذن هو المتبقي، إذن هو الله والله هو».
نريد أن ننوه أننا لا نقول أن الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) البشر الذي هو من لحم ودم، هو الخالق المطلق، بل ما نقوله هو أن خليفة الله، الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو وعاء يحوي مشيئة الله، ففيه يسكن نور الله والله يتحدث على لسان الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأفعال الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلامه هي أفعال الله وكلامه. الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو تابوت العهد الذي من خلاله يتحدث الله. لذلك فإن الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ربنا وليس إلهنا. هو الرب الذي من خلاله يتحدث الله تماماً كما أن التابوت هو شيء مادي وليس الله لكن الله تحدث من خلاله وسكن فيه. لذلك نجد أن روايات محمد وآل محمد (منهم السلام) تذكر أن مكلم موسى على الطور، الذي هو (يهوه) Y H W H عند اليهود، هو أمير المؤمنين أو أحد المهديين (عليهم السلام). إذا كان يمكن أن يسكن (يهوه) Y H W H أو روح الله في شجرة أو تابوت فبإمكانه كذلك أن يسكن في إنسان.
قال الإمام (منه السلام): «ربك هو محمد بن الحسن (عليه السلام)».