إن مجتمع المؤمنين الذي يشكل الجماعة المؤمنة بدعوة الإمام المهدي(ع) لا يعتبرون أنفسهم مجرد أعضاء في دين واحد بل يرون أنهم أعضاء في عائلة واحدة حيث ورد في القرآن الكريم: "إنما المؤمنون إخوة28". ويعتبر جماعة المؤمنين أنفسهم أيضاً أنهم هم شعب الله المختار لأن شعب الله المختار هم الوحيدون الذين عندهم عهد قائم مع الله، وهؤلاء هم نحن، حيث أن اليهود والمسيحيين والمسلمين جميعهم نقضوا عهودهم مع الله.
مجتمع المؤمنين يعتبرون أنفسهم بني إسرائيل الحقيقيين حيث قال النبي محمد (ص) "أنا عبد الله، اسمي أحمد، وأنا عبد الله، اسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني29". وقد قال الإمام الصادق (ع) أيضاً في تفسير قوله تعالى (يا بني إسرائيل): "هم نحن خاصة30". والآن فقد تبين لنا أن الوعد المذكور في التوراة بالعودة إلى أرض الميعاد، والوعد المذكور في الكتاب المقدس بإجتماع أسباط بني إسرائيل المفقودة، والوعد بنعم الله وتسديده الأبدي لبني إسرائيل، هذه الوعود المعني بها في الحقيقة هم النبي محمد وخلفائه (ع)، فهم وأتباعهم هم الذين سيرثون الأرض. وقد جاء في الكتاب المقدس: "مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ31". وعلى هذا النحو، فإن قبائل بني إسرائيل (آل محمد وشيعتهم) يجتمعون إلى القائم مثلما جاء في الروايات "إذا قام قائمنا (ع) جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب فيجتمعون کما يجتمع قزع الخريف32".
إن أصحاب القائم الذين يجتمعون حوله هم مواطنو دولة العدل الإلهي في المستقبل، ويجمعهم الله كما جمع بني إسرائيل في زمن موسى (ع) من قبل. في البداية اتخذ بنو إسرائيل موسى قائداً لهم ثم دخلوا بعد ذلك في عهد مع الله بطاعتهم له، بعد ذلك ترك المؤمنون مصر وحياة العبودية القديمة واتبعوا موسى (ع) وهو ينتشلهم من قبضة فرعون، ثم بعد ذلك عبر بهم البحر. ومن هنا، فإن المؤمنين في هذا العصر مكلفون بالسفر إلى القائم ولو حبواً على الثلج أو في قباب السحاب، حتى ولو شكل هذا خطراً عليهم، وذلك حتى يكوّنون مجتمعاً من حوله ويكونون جزءاً من الأمة الموعودة التي سيخلصها من العبودية ويقودها إلى أرض الميعاد.
تتطلب هذه المهمة قدراً هائلاً من الصبر كما حدث من قبل مع الأنبياء والرسل السابقين، وتشير الروايات إلى أن نوح (ع) دعا قومه لمدة ٩٥٠ عاماً قبل أن يأتي الطوفان ويرث المؤمنون الأرض. وتشير الروايات أيضاً إلى أن موسى (ع) كان في عمر الأربعين حينما ظهر بين قومه لأول مرة محاولاً إنقاذهم، ثم أخرجهم من مصر وهو في الثمانين من عمره. وعلى هذا النحو فإن دعوة القائم (ع) تتطلب أُناساً يفهمون سنة الأنبياء والمرسلين السابقين ويكونون على استعداد لتكريس حياتهم ووقتهم وجهودهم ومواردهم لإقامة الدولة. قال الإمام أحمد الحسن اليماني (ع): "لا أريد أحداً يتعب أو يمل" وقال "اعملوا واعملوا واعملوا حتى ينقطع النفس" وقال أيضا "لا ينفعكم في هذا الدين سوى أمرين ومن دون هذين الأمرين صعب أن تبقوا ثابتين وهو الصبر ثم الصبر ثم الصبر ثم التسليم" وقال أيضا، "لن يتحقق العدل حتى يتحقق بينكم أولاً، وهذا العدل والإنصاف يجب أن يبدأ من داخل أنفسكم أيها المؤمنون".
لذا نؤمن أنه خلال هذا الوقت الذي ينتقل فيه مجتمع المؤمنين من حالة الشتات، أو من أمة متفرقة من المؤمنين المطرودين من بلادهم من قبل الطواغيت إلى مجتمع قوي ملتف حول القائم - خلال هذا الوقت- يجب أن تقام العدالة من داخل هذا المجتمع. يجب أن يحيا هذا المجتمع وفقا لقوانين الله وأن يكون مثالا للأية "كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ33".
يجب أن تتجلى فينا قيم وتعاليم الأنبياء والرسل والأئمة (ع) وأن نكون مثال لكل الأمم الأخرى لما يجب أن يكون عليه اليهودي الحقيقي والمسيحي والمسلم والبوذي والزرادشتي والهندوسي الحقيقي الخ. من خلال هذا النموذج الإلهي الذي يضعه هذا المجتمع للعالم فإنهم لا ينالون فضل أكبر من الله تعالى فحسب، بل سينالون إعجاب واحترام كل الأمم الأخرى. وبينما يظهر هذا المجتمع كأمة مثالية وشعب مثالي ودولة مثالية ودين مثالي، فإنه يقوم كذلك بنشر الدعوة بكافة الطرق المتاحة. وعندما يرى الناس مثال هذا المجتمع فسيقارنونه بعائلاتهم وأصدقائهم ودولهم وبلادهم ويحسدون أمتنا وشعبنا ويتمنون أن يكونون مثلنا ومعنا. وهذا يؤدي في النهاية إلى تجلي دولة عدل إلهي فعلية للمؤمنين، فتكون لنا دولة فعلية بحدود فعلية، مثل الجسد الذي هو تجلي مادي للروح التي تسبقه، وبالتالي يكون هذا المجتمع من المؤمنين هو النموذج الأصلي والأولي وهو روح الدولة المادية التي تتجلى بعد ذلك.
سيكلف هذا التجمع العظيم المال، إذ أن كثيرين يهاجرون للقائم (ع) ويتزوجون ويوفون بعهد آدم (ع) بالتكاثر والإثمار. فيكون هناك حاجة لمزيد من الموارد للحفاظ على الأمة. يجب أن يحاكي هذا المجتمع مجتمعات وأمم الأنبياء والرسل السابقين. يجب على كل عضو جديد الالتزام بالشروط التي وضعها المسيح (ع) لكل من يريد أن يتبعه، "قال له يسوع: إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني34".
والفقراء هم أولئك الفقراء المهاجرون للقائم (ع)، المؤمنون المظلومون في الأرض، المؤمنون بحاكمية الله. يجب أن يعيش المجتمع كما عاش تلاميذ المسيح (ع) بل أكثر إن أرادوا أن يكونوا الأمة التي سيرجع لها عيسى (ع) "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول أن شيئا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركا. وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم، إذ لم يكن فيهم أحد محتاجاً، لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها، ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل أحد كما يكون له احتياج35". والأعضاء الذين يلتحقون بالمجتمع يجب أن يكونوا أيضاً على استعداد أن يعملوا من أجل خدمة المجتمع بأي وبكل طريقة ممكنة.
يجب أن يتم إنشاء منصة عملاقة لنشر الدعوة، آلة إعلامية إذا جاز التعبير، وهذا يتطلب رجال ونساء مكرسين ومتفانين في نشر دعوة الله ويعملون ككتاب ومقدمي برامج وعاملين بالمونتاج ومناظرين ودعاة الخ، مما يتطلب توفير نظام ييسر عملهم. يجب أن يكون هناك مؤمنين مستعدين للعمل في المطبخ وإعداد الطعام لهذا المجتمع من القديسين والأنبياء والرسل، يجب أن يكون هناك سائقين مستعدين لتوصيل المؤمنين أينما أرادوا، وعاملي نظافة مستعدين للتنظيف وللمحافظة على بيوتهم، وبنائين مستعدين لبناء البيوت والمكاتب ودور العبادة، وأطباء لمعالجة المرضى، ومعلمين مستعدين لتدريس الأطفال ومساعدتهم، حتى لا تبقى هناك أي وظيفة مثل الوظائف التي يشغلها الناس في أي دولة فعلية إلا ويملأها مؤمنون من المجتمع. هم السباكون، والميكانيكيون، والأطباء، والمهندسون، والمعلمون، والعمال، والقادة الذين تقوم بهم دولة العدل الإلهي الخاصة بنا.
لن يتم التعامل بالعملة بين المؤمنين حيث يتم توفير كل احتياجات المؤمنين بالمجان، إن قيمة أي عضو في المجتمع لا تقدر بحجم الأموال التي جمعها كما هو الحال في بقية البلدان، إنما تقدر قيمة العضو بخدمته لله من خلال خدمته للمجتمع ولأخيه الإنسان. هذه هي قيمتهم، عن أنس قال، قال رسول الله (ص): "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله36".
ينبغي على المؤمنين في المجتمع العمل على ألا تكون هناك أي خلافات فيما بينهم، وإن وجدت فإنهم جميعاً يقرون بسلطة وحكم قائدهم ويسلمون لقضائه. ويكون مجتمع المؤمنين كخلية النحل، الكل يعمل من أجل قضية مشتركة حيث يضحي المؤمن بنفسه من أجل بقاء الخلية. أعضاء المجتمع هم مثل العائلة الواحدة ومثل الأخوة من نفس الوالدين وهم يؤدون واجباتهم تجاه بعضهم البعض. يتخلون عن والديهم الجسمانيين، ويتخذون القائد المنصب من الله أبا لهم، ويتخلون عن أصدقائهم وإخوانهم وأخواتهم الماديين ويأخذ بقية المؤمنين مكان هؤلاء حتى يرث الأخ أخاه في مجتمع المؤمنين وفي عالم الأرواح ولا يترك ميراثه لعائلته الجسدية. ويكون المجتمع مثال للمحبة والسلام والرخاء ويتطلعون لهداية كل البشرية دون إحداث أي مشاكل في البلد المضيف لهم في الوقت الذي لا يزالون فيه دون وطن. فيحترم المؤمنون كل قوانين البلد المضيف لهم ويظهرون التقدير للشعب والبلد الذي إستضافهم وسمح لهم بممارسة دينهم بحرية تماماً كما أظهر الرسول محمد (ص) والمسلمين المحبة والاحترام للملك المسيحي الأثيوبي الذي أعطاهم حرية العيش كمجتمع من المسلمين في بلاده.
28 القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية ١٠
29 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٤، ص٣٩٧
30 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٤، ص٣٩٧
31 الكتاب المقدس، سفر الرؤيا، الفصل ٧، الآيات ٤-٩
32 معجم أحاديث الإمام المهدي، علي الكوراني، ج ٣، ص١٠٠
33 القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية ١١٠
34 الكتاب المقدس، سفر متى، الفصل ١٩، الآية ٢١
35 الكتاب المقدس، أعمال الرسل، الفصل ٤، الآيات ٣٢-٣٥
36 وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٦، ص٣٤٥