نؤمن أن تلك المعايير الثلاثة تنطبق على كل نبي ورسول وقاضٍ وملك وإمام منصب إلهياً منذ زمن آدم (ع) وحتى اليوم، ونؤمن أن آدم (ع) كتب وصيته وذكر أسماء جميع الخلفاء المنصبين إلهياً حتى نوح (ع)، وذلك لأن آدم (ع) جاء بالعهد الأول من الله، الشريعة والأحكام الأولى من الله، وأول مجموعة من الوصايا، وقد اتبع كل الخلفاء من آدم إلى نوح شريعة آدم (ع) ومنهاجه، وفي مرحلة ما نقض البشر العهد الذي أقامه آدم (ع) فاستوجبوا غضب الله وأهلكهم الطوفان.
وأقام نوح (ع) بعد ذلك عهداً ثانياً، وأنزل شريعة وأحكام جديدة، وكتب وصية قبل وفاته ذكر فيها أسماء جميع خلفائه حتى إبراهيم (ع)، وتكرر نفس الشيء، حيث اتبع كل من جاء بين نوح (ع) وإبراهيم (ع) شريعة ومنهاج نوح (ع) حتى نقض البشر العهد الثاني وحل بهم العذاب الذي كان هذه المرة هو بلبلة الألسن.
وأقام إبراهيم (ع) عهداً ثالثاً، وجاء بناموس جديد ومجموعة جديدة من الشرائع، وذكر خلفائه وصولاً إلى موسى (ع)، ووقع نفس الشيء وأعاد التاريخ نفسه، ونقض البشر عهدهم مع الله، ونزل العذاب.
وأقام موسى (ع) عهداً رابعاً وقبل وفاته كتب وصية أملى فيها أسماء جميع خلفائه من يوشع حتى عيسى (ع)، ووقع نفس الشيء وجاء عيسى (ع) بالعهد الخامس ومجموعة جديدة من الشرائع، وكتب وصيته وذكر جميع الأوصياء بينه وبين محمد (ص)، ووقع نفس الشيء وبُعث محمد (ص) بعهد سادس ومجموعة جديدة من الشرائع والأحكام، ووقع نفس الشيء ونقضت الأمة الإسلامية العهد السادس بذبحها آل محمد (ص) والقضاء على جميع القادة المنصبين إلهياً المذكورين في وصيته وسجنهم.
فنال المسلمون غضب الله ونزل عليهم العذاب، وهناك عذاب آخر لم ينزل عليهم بعد لاجترائهم على الله بظلمهم لمحمد وآل محمد، وبُعث المهدي بعهد سابع ودعوة، وهذا واضح في الروايات الواردة عن زمن المهدي أنه يضيع فيه الإسلام ويكون العلماء والفقهاء أشر الخلق ويدعو المهدي أو القائم إلى كتاب جديد وأمر جديد، ومثل كل العهود السابقة يأتي العهد السابع بشريعة وأحكام جديدة22.
ويحدد الدخول في هذا العهد ما إذا كان الشخص مؤمنًا أم لا، ويحدد ما إذا كان الشخص من الناجين أم لا، فالإيمان بالنبي محمد (ص) أصبح الآن لا معنى له إذا لم يقبل المرء هذا العهد السابع ويبايع القائم وخلفائه المذكورين في وصية النبي محمد (ص).
نحن نؤمن أن النبي محمد (ص) حدد خلفائه بوضوح شديد، وذكر في وصيته التي أوردناها أعلاه أسماء اثني عشر إماماً، ابتداءً من الإمام علي (ع) وانتهاءً بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع)، وقد جاءوا جميعاً إلى الدنيا ولم يحتج أحد أنه منهم أو احتج أن اسمه مذكور في وصية النبي محمد سواهم، وهكذا ذكر النبي محمد (ص) أسماء أول ثلاثة مهديين، عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي.
ولم يحتج أحد منذ ١٤٠٠ عام، منذ كتابة الوصية وحتى الآن، بأنه عبد الله الذي في الوصية إلا أنا عبد الله هاشم، ولم يحتج أحد أنه أحمد الذي في الوصية إلا أحمد الحسن، وقد أظهر كل من عبد الله وأحمد العلم الإلهي الذي شهد به الآلاف من الناس، وكنا نحن الوحيدين في هذا الزمان الذين ندعو إلى فكرة ومفهوم الحاكمية لله، فكل من يسمون بالعلماء والممثلين أو القادة المسلمين، سواء كانوا سنة أو شيعة، قد دعوا إلى الانتخابات أو الطاعة للملك الطاغية في بلدهم أو منطقتهم، أو دعوا إلى غير وصية النبي محمد (ص). وهذا ما يجعلنا فريدين وصادقين في دعوانا، ويجعلنا الخلفاء المنصبين إلهياً في هذا الزمان والورثة الشرعيين الوحيدين للأنبياء والمرسلين والأئمة، لأننا جئنا بنفس الأدلة وبنفس السنة أو الطريقة التي جاءوا بها، نحن بالنسبة للمسلمين بمثابة ما يمثله الأئمة الاثني عشر للشيعة، ونحن بالنسبة للأمة الإسلامية بمثابة ما يمثله البابا للكاثوليك، وبمثابة ما يمثله الدالاي لاما للبوذيين التبتيين، وبمثابة ما يمثله المخلص لليهود. علاوة على ذلك، لأننا نؤمن أن عيسى (ع) ذكر أسماء خلفائه حتى محمد (ص) فإننا نؤمن أن البابا الحالي غير شرعي وأن الخلفاء الحقيقيين الوحيدين للأنبياء والمرسلين هم عبد الله وأحمد والمهدي. ونؤمن أنه منذ زمن آدم (ع) وحتى الآن تم إقصاء الحكام والخلفاء المنصبين من الله بشكل مستمر عن السلطة والحكم، وحل محلهم الدجالون والمغتصبون، مثل الأمويين والعباسيين الذين اغتصبوا سلطة محمد وآل محمد (ص). كان الهدف الأعظم للأنبياء والمرسلين والأئمة هو إقامة دولة عدل إلهي على الأرض تعود فيها السلطة إلى الملك أو الحاكم المنصب من الله. قال أبي عبد الله (ع): "إن الله عز وجل جعل الدين دولتين، دولة آدم وهي دولة الله، ودولة إبليس، فإذا أراد الله أن يعبد جهرا فهي دولة آدم، وإذا أراد الله أن يعبد في الخفاء فهي دولة إبليس23" وقال أيضا، "ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلا القوت، شرقوا إن شئتم أو غربوا لن ترزقوا إلا القوت24" قال الامام علي (ع): "دول الأشرار محن الأخيار25" وهكذا، هناك دولة لله كانت موجودة في جنة عدن وسوف تقام مجدداً على الأرض إذ أن هذا هو وعد الله، أن تعود دولة آدم يوما ما، وهذا ما عمل من أجله الأنبياء والمرسلين: العودة إلى جنة عدن على يدي القائم. إنها دولة يمكن أن يعبد فيها الله علانية من خلال طاعة وقبول القائد المنصب إلهيا وممثل الله.
ولهذا السبب يرجع كل الصالحين إلى هذه الأرض لينصروه من أجل تحقيق هذا الهدف. وكثيرة هي الروايات التي تتحدث عن رجعة مختلف الصحابة والأنبياء والمرسلين في زمن القائم لمساعدته في المعركة الأخيرة ضد الشيطان وأعوانه، ومن أجل إنشاء جنة عدن جديدة أو دولة العدل الإلهي، ولكن من أجل إقامة دولة العدل الإلهي كان علينا أولاً أن نجد قائداً، وثانياً، علينا أن ندخل في عهد جديد مع الله، والدخول في عهد جديد مع الله يتطلب أن نجد إمام الزمان، فنبايعه ثم نطيعه في كل شيء ونأخذ منه الدين والشريعة الجديدة كما قال النبي محمد (ص): "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام، أو ليس في عنقه عهد الإمام مات ميتة جاهلية ومن مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية26".
إذن الدين رجل، والدخول في عهد مع الله أو أن يكون المرء في ولاية الله يعني طاعته لذلك الرجل، وكما قال الامام الرضا (ع) "سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها27". وعلى هذا النحو، فالخليفة المنصب إلهياً شرط من شروط الإيمان، ولكي يُقبل إيمانك عليك أن تقبل سلطان الله الذي يقيمه في الأرض، إن عبد الله وأحمد والإمام المهدي هم شروط هذا الزمان، ولا يكون المرء مؤمناً إلا إذا بايعهم وآمن بهم، ولا يؤخذ الدين إلا منهم وحدهم. والآن، بعد أن يلتف المؤمنون حول قائد مشترك ودين مشترك له شريعته الخاصة (ولكنه لا يزال نفس الدين الأصلي منذ زمن آدم حتى الآن)، فإن جماعة المؤمنين والمواطنين المستقبليين في دولة العدل الإلهي أصبح لديهم ثقافة مشتركة، والمؤمنون الآن جزء من عائلة واحدة، عشيرة آل المهدي.
من أحب أباه أو أمه أكثر مني فلا يستحقني
ومن أحب ابنه أو ابنته أكثر مني فلا يستحقني
22 الكافي، الشيخ الكليني، ج٨، ص٣٠٨، الغيبة، النعماني، ج١، ص٢٣٦
23 الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٣٧٢
24 الكافي، الكليني، ج٢، ص٢٦١
25 ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٢، ص٩٣٦
26 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٣، ص٩٤
27 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٩ ، ص١٢٣