بقلم عبد الله هاشم أبا الصادق
إلى كل المظلومين في العالم…
إلى الفقراء…
إلى الأيتام…
إلى الأرامل…
إلى المهمشين في المجتمع…
إلى الصالحين الذين يريدون التغيير…
قوة التغيير بين أيديكم
منذ ٢٦٠٠ عام ينتظر الشعب اليهودي أن يظهر المخلص ويقيم العدل على الأرض، البوذيون ينتظرون مجيء المايتريا لتنوير الأرض ونشر تعاليم الفضيلة الطاهرة منذ ٢٥٠٠ عام، والمسيحيون ينتظرون عودة عيسى منذ أكثر من ٢٠٠٠ عام، أما المسلمون فينتظرون ظهور المهدي منذ ١٤٠٠ سنة، ورغم ذلك عندما يظهر كل منهم أو حينما ظهر كل منهم - بحسب الدين الذي تعتنقه (فالمسيحيون يؤمنون أن مخلص اليهود قد ظهر)، لا يكون إقامة العدل على الأرض أو دولة العدل الإلهي شيئاً يمكن لرجل واحد أن يحققه بمفرده، بل إن الله تعالى نفسه يقول "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ1"، إذن التغيير يبدأ بنا، والعدالة والمساواة تبدأ بنا، ولن يكون من الممكن إقامة دولة عدل إلهي أو عالم خالٍ من المعاناة حتى تُقام العدالة والمساواة فيما بيننا أولاً.
في هذا البيان سوف نطرح معتقداتنا ونحدد أهدافنا ونعرض الخطة وخارطة الطريق الأكثر فعالية لبناء دولة العدل الإلهي على الأرض، ونترك الباقي في أيدي المؤمنين للاستجابة لهذه الدعوة إلى العمل، قد جاء ما كنتم توعدون.
إن كل قرية أو بلدة أو مدينة أو ولاية أو دولة أو مؤسسة أو شركة أو منظمة أو جمعية أو حركة أو ثورة أو جماعة أو مجتمع بحاجة إلى قائد وإلا فسيكون محكوماً عليها بالفشل، يتبادر إلى الذهن مثال حديث يتعلق بالربيع العربي في عام ٢٠١١، كنت شاباً وكنت في الصفوف الأمامية للثورة المصرية وخاطرت بحياتي للإطاحة بالديكتاتور المصري محمد حسني مبارك، خيمت في ميدان التحرير، وتعرضت للهجوم من قبل عملاء الحكومة وقوات الشرطة المصرية، وتفاديت الرصاص وخضت معارك مميتة، وتم القبض علي وتعذيبي، وفي النهاية انتصرنا، انتصر الشعب المصري وغيرت قوة الشعب التاريخ وأُجبر الفرعون القديم على الرحيل، ومثلما وقع في قصة موسى، لو أن ذلك الفرعون القديم حسني مبارك قد أُصيب بالضربات العشر ما كان ليتخلى عن عرشه، لكنه لم تكن لديه أي فرصة أمام قوة الشعب وإرادته، ومع ذلك عندما انتهى كل شيء وانقشع الغبار وهدأت أصوات الهتاف والضحك والفرح، أصبحت الثورة التي أطاحت بفرعون بلا قائد مثل موسى، ومع عدم وجود قائد يتٌبع انتهى الأمر بسرقة جماعة الإخوان المسلمين الثورة المصرية، وهم منظمة إسلامية خبيثة عارضت الحكومة المصرية لفترة طويلة، ولم يبق أمام الناس سوى التصويت لمرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي أو لمرشح فلول النظام السابق أحمد شفيق.
وبدأت حماسة التغيير تخمد، ووصل مرسي إلى السلطة، وفُتحت لمصر صفحة جديدة أسوأ من الصفحة التي سبقتها، وكان هذا بالفعل تحققاً لنبوءة النبي محمد (ص) التي تقول: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه2"، وبالفعل كان الذي بعده شر منه، عندما قاد عبد الفتاح السيسي، القائد العسكري، انقلاباً على الدكتاتور محمد مرسي ووصل إلى السلطة في عام ٢٠١٤، ولا يزال منذ ذلك الحين يقود مصر نحو الفوضى والظلام، ولا يزال المصريون يقولون حتى يومنا هذا، يا ليتنا كان لدينا قائداً للثورة، لقد كان هذا هو خطأنا، كانت الجموع التي تتحرك دون قائد مثل جسد يركض بلا رأس، وبدون القائد الكفؤ يضطر الناس إلى الاختيار بين قادة غير أكفاء، وسمة أي أمة ناجحة حقاً هي أن يقودها أفضل أبناء شعبها، ولكن كيف يمكن العثور على من هو الأصلح للقيادة؟ هل يستطيع الناس بالفعل تحديد من هو الأصلح للقيادة؟
لقد رأينا أن اختيار الشعب قد أدى إلى ظهور بعض من أسوأ الطغاة في العالم، مثل بينيتو موسوليني وأدولف هتلر، وبالنسبة لمن يؤمن بالله، وخاصة إله اليهودية والمسيحية والإسلام، فإن اختيار الناس ليس له أي قيمة عندما يتعلق الأمر بالقائد، بل إنه في الواقع مرفوض تماماً.
في الكتاب المقدس العبري، غضب الله على بني إسرائيل واعتبر أنهم رفضوه عندما قرروا اختيار قائد لأنفسهم، "فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة، وقالوا له: "هوذا أنت قد شخت، وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا ملكا ًيقضي لنا كسائر الشعوب". فساء الأمر في عيني صموئيل إذ قالوا: "أعطنا ملكاً يقضي لنا". وصلى صموئيل إلى الرب. فقال الرب لصموئيل: "اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم3".
وفي الإنجيل أيضاً يتبين أن الناس ليس لديهم القدرة على أن يقوموا بالإختيار الصحيح لأنفسهم، لأنهم عندما خُيّروا بين مخلصهم وبين مجرم اختاروا المجرم على ملكهم المسيح، "وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ. فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: "مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يسوع الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟" وَلكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يسوع4".
وكذلك ورد في القرآن الكريم: "وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ5"، وقال الإمام علي (ع): "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه6"، ومن هنا نرى أن طريق الحق والصلاح لا تتبعه الأغلبية، وحكم الجمهور أو الغوغاء كما قال سقراط (ع) سيؤدي دائماً إلى الطغيان. فمثلما قال سقراط: "فإذا كثرت هذه الفئة الخبيثة وأتباعها، وأدركوا حجم قوتهم، عاونهم افتتان الناس بهم، واختاروا من بينهم من هو في نفسه الأكثر طغياناً، ومنه يجعلون طاغيتهم7" إذن القائد بالنسبة للمؤمنين وبالنسبة للحركة الصالحة التي تبتغي مرضاة الله لا ينبغي أن يختاره الشعب بل يختاره الله نفسه وينصبه، فالناس لا يحكمون إلا بالظاهر، والله هو الذي يقدر على أن يختار القادة بحسب بواطنهم أو قلوبهم، "فقال الرب لصموئيل: "لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأني قد رفضته، لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب8".
إن القائد الذي يتم اختياره بما يكمن في قلبه وليس ما يخرج من فمه هو القائد الذي يجسد كل الصفات المطلوبة في القائد الصالح؛ الصدق والنزاهة والشعور بالأخرين، القائد الذي يختاره الله له فوائد أخرى أيضاً، فالقائد الذي اختاره الله واعترف شعبه بأنه منصب من الله قادر على توحيد شعبه حقاً، لأن كل من يجرؤ على معارضته يعارض الله عز وجل، ونظراً للسلطة الهائلة التي يمتلكها هذا القائد فإن هناك خطورة في أن يتمكن شخص غير منصب من الله من الصعود إلى مثل هذا المنصب، ولهذا السبب لا بد أن يكون قد وضع الله طريقة لتنصيب ذلك الشخص بوضوح، وبالفعل هناك طريقة للتعرّف والتأكد من هوية ذلك الشخص المنصب من الله.
نؤمن أن تلك المعايير الثلاثة تنطبق على كل نبي ورسول وقاضٍ وملك وإمام منصب إلهياً منذ زمن آدم (ع) وحتى اليوم، ونؤمن أن آدم (ع) كتب وصيته وذكر أسماء جميع الخلفاء المنصبين إلهياً حتى نوح (ع)، وذلك لأن آدم (ع) جاء بالعهد الأول من الله، الشريعة والأحكام الأولى من الله، وأول مجموعة من الوصايا، وقد اتبع كل الخلفاء من آدم إلى نوح شريعة آدم (ع) ومنهاجه، وفي مرحلة ما نقض البشر العهد الذي أقامه آدم (ع) فاستوجبوا غضب الله وأهلكهم الطوفان.
وأقام نوح (ع) بعد ذلك عهداً ثانياً، وأنزل شريعة وأحكام جديدة، وكتب وصية قبل وفاته ذكر فيها أسماء جميع خلفائه حتى إبراهيم (ع)، وتكرر نفس الشيء، حيث اتبع كل من جاء بين نوح (ع) وإبراهيم (ع) شريعة ومنهاج نوح (ع) حتى نقض البشر العهد الثاني وحل بهم العذاب الذي كان هذه المرة هو بلبلة الألسن.
وأقام إبراهيم (ع) عهداً ثالثاً، وجاء بناموس جديد ومجموعة جديدة من الشرائع، وذكر خلفائه وصولاً إلى موسى (ع)، ووقع نفس الشيء وأعاد التاريخ نفسه، ونقض البشر عهدهم مع الله، ونزل العذاب.
وأقام موسى (ع) عهداً رابعاً وقبل وفاته كتب وصية أملى فيها أسماء جميع خلفائه من يوشع حتى عيسى (ع)، ووقع نفس الشيء وجاء عيسى (ع) بالعهد الخامس ومجموعة جديدة من الشرائع، وكتب وصيته وذكر جميع الأوصياء بينه وبين محمد (ص)، ووقع نفس الشيء وبُعث محمد (ص) بعهد سادس ومجموعة جديدة من الشرائع والأحكام، ووقع نفس الشيء ونقضت الأمة الإسلامية العهد السادس بذبحها آل محمد (ص) والقضاء على جميع القادة المنصبين إلهياً المذكورين في وصيته وسجنهم.
فنال المسلمون غضب الله ونزل عليهم العذاب، وهناك عذاب آخر لم ينزل عليهم بعد لاجترائهم على الله بظلمهم لمحمد وآل محمد، وبُعث المهدي بعهد سابع ودعوة، وهذا واضح في الروايات الواردة عن زمن المهدي أنه يضيع فيه الإسلام ويكون العلماء والفقهاء أشر الخلق ويدعو المهدي أو القائم إلى كتاب جديد وأمر جديد، ومثل كل العهود السابقة يأتي العهد السابع بشريعة وأحكام جديدة22.
ويحدد الدخول في هذا العهد ما إذا كان الشخص مؤمنًا أم لا، ويحدد ما إذا كان الشخص من الناجين أم لا، فالإيمان بالنبي محمد (ص) أصبح الآن لا معنى له إذا لم يقبل المرء هذا العهد السابع ويبايع القائم وخلفائه المذكورين في وصية النبي محمد (ص).
نحن نؤمن أن النبي محمد (ص) حدد خلفائه بوضوح شديد، وذكر في وصيته التي أوردناها أعلاه أسماء اثني عشر إماماً، ابتداءً من الإمام علي (ع) وانتهاءً بالإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع)، وقد جاءوا جميعاً إلى الدنيا ولم يحتج أحد أنه منهم أو احتج أن اسمه مذكور في وصية النبي محمد سواهم، وهكذا ذكر النبي محمد (ص) أسماء أول ثلاثة مهديين، عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي.
ولم يحتج أحد منذ ١٤٠٠ عام، منذ كتابة الوصية وحتى الآن، بأنه عبد الله الذي في الوصية إلا أنا عبد الله هاشم، ولم يحتج أحد أنه أحمد الذي في الوصية إلا أحمد الحسن، وقد أظهر كل من عبد الله وأحمد العلم الإلهي الذي شهد به الآلاف من الناس، وكنا نحن الوحيدين في هذا الزمان الذين ندعو إلى فكرة ومفهوم الحاكمية لله، فكل من يسمون بالعلماء والممثلين أو القادة المسلمين، سواء كانوا سنة أو شيعة، قد دعوا إلى الانتخابات أو الطاعة للملك الطاغية في بلدهم أو منطقتهم، أو دعوا إلى غير وصية النبي محمد (ص). وهذا ما يجعلنا فريدين وصادقين في دعوانا، ويجعلنا الخلفاء المنصبين إلهياً في هذا الزمان والورثة الشرعيين الوحيدين للأنبياء والمرسلين والأئمة، لأننا جئنا بنفس الأدلة وبنفس السنة أو الطريقة التي جاءوا بها، نحن بالنسبة للمسلمين بمثابة ما يمثله الأئمة الاثني عشر للشيعة، ونحن بالنسبة للأمة الإسلامية بمثابة ما يمثله البابا للكاثوليك، وبمثابة ما يمثله الدالاي لاما للبوذيين التبتيين، وبمثابة ما يمثله المخلص لليهود. علاوة على ذلك، لأننا نؤمن أن عيسى (ع) ذكر أسماء خلفائه حتى محمد (ص) فإننا نؤمن أن البابا الحالي غير شرعي وأن الخلفاء الحقيقيين الوحيدين للأنبياء والمرسلين هم عبد الله وأحمد والمهدي. ونؤمن أنه منذ زمن آدم (ع) وحتى الآن تم إقصاء الحكام والخلفاء المنصبين من الله بشكل مستمر عن السلطة والحكم، وحل محلهم الدجالون والمغتصبون، مثل الأمويين والعباسيين الذين اغتصبوا سلطة محمد وآل محمد (ص). كان الهدف الأعظم للأنبياء والمرسلين والأئمة هو إقامة دولة عدل إلهي على الأرض تعود فيها السلطة إلى الملك أو الحاكم المنصب من الله. قال أبي عبد الله (ع): "إن الله عز وجل جعل الدين دولتين، دولة آدم وهي دولة الله، ودولة إبليس، فإذا أراد الله أن يعبد جهرا فهي دولة آدم، وإذا أراد الله أن يعبد في الخفاء فهي دولة إبليس23" وقال أيضا، "ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلا القوت، شرقوا إن شئتم أو غربوا لن ترزقوا إلا القوت24" قال الامام علي (ع): "دول الأشرار محن الأخيار25" وهكذا، هناك دولة لله كانت موجودة في جنة عدن وسوف تقام مجدداً على الأرض إذ أن هذا هو وعد الله، أن تعود دولة آدم يوما ما، وهذا ما عمل من أجله الأنبياء والمرسلين: العودة إلى جنة عدن على يدي القائم. إنها دولة يمكن أن يعبد فيها الله علانية من خلال طاعة وقبول القائد المنصب إلهيا وممثل الله.
ولهذا السبب يرجع كل الصالحين إلى هذه الأرض لينصروه من أجل تحقيق هذا الهدف. وكثيرة هي الروايات التي تتحدث عن رجعة مختلف الصحابة والأنبياء والمرسلين في زمن القائم لمساعدته في المعركة الأخيرة ضد الشيطان وأعوانه، ومن أجل إنشاء جنة عدن جديدة أو دولة العدل الإلهي، ولكن من أجل إقامة دولة العدل الإلهي كان علينا أولاً أن نجد قائداً، وثانياً، علينا أن ندخل في عهد جديد مع الله، والدخول في عهد جديد مع الله يتطلب أن نجد إمام الزمان، فنبايعه ثم نطيعه في كل شيء ونأخذ منه الدين والشريعة الجديدة كما قال النبي محمد (ص): "من مات وليس في عنقه بيعة لإمام، أو ليس في عنقه عهد الإمام مات ميتة جاهلية ومن مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية26".
إذن الدين رجل، والدخول في عهد مع الله أو أن يكون المرء في ولاية الله يعني طاعته لذلك الرجل، وكما قال الامام الرضا (ع) "سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن (من) عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها وأنا من شروطها27". وعلى هذا النحو، فالخليفة المنصب إلهياً شرط من شروط الإيمان، ولكي يُقبل إيمانك عليك أن تقبل سلطان الله الذي يقيمه في الأرض، إن عبد الله وأحمد والإمام المهدي هم شروط هذا الزمان، ولا يكون المرء مؤمناً إلا إذا بايعهم وآمن بهم، ولا يؤخذ الدين إلا منهم وحدهم. والآن، بعد أن يلتف المؤمنون حول قائد مشترك ودين مشترك له شريعته الخاصة (ولكنه لا يزال نفس الدين الأصلي منذ زمن آدم حتى الآن)، فإن جماعة المؤمنين والمواطنين المستقبليين في دولة العدل الإلهي أصبح لديهم ثقافة مشتركة، والمؤمنون الآن جزء من عائلة واحدة، عشيرة آل المهدي.
من أحب أباه أو أمه أكثر مني فلا يستحقني
ومن أحب ابنه أو ابنته أكثر مني فلا يستحقني
إن مجتمع المؤمنين الذي يشكل الجماعة المؤمنة بدعوة الإمام المهدي(ع) لا يعتبرون أنفسهم مجرد أعضاء في دين واحد بل يرون أنهم أعضاء في عائلة واحدة حيث ورد في القرآن الكريم: "إنما المؤمنون إخوة28". ويعتبر جماعة المؤمنين أنفسهم أيضاً أنهم هم شعب الله المختار لأن شعب الله المختار هم الوحيدون الذين عندهم عهد قائم مع الله، وهؤلاء هم نحن، حيث أن اليهود والمسيحيين والمسلمين جميعهم نقضوا عهودهم مع الله.
مجتمع المؤمنين يعتبرون أنفسهم بني إسرائيل الحقيقيين حيث قال النبي محمد (ص) "أنا عبد الله، اسمي أحمد، وأنا عبد الله، اسمي إسرائيل فما أمره فقد أمرني وما عناه فقد عناني29". وقد قال الإمام الصادق (ع) أيضاً في تفسير قوله تعالى (يا بني إسرائيل): "هم نحن خاصة30". والآن فقد تبين لنا أن الوعد المذكور في التوراة بالعودة إلى أرض الميعاد، والوعد المذكور في الكتاب المقدس بإجتماع أسباط بني إسرائيل المفقودة، والوعد بنعم الله وتسديده الأبدي لبني إسرائيل، هذه الوعود المعني بها في الحقيقة هم النبي محمد وخلفائه (ع)، فهم وأتباعهم هم الذين سيرثون الأرض. وقد جاء في الكتاب المقدس: "مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ31". وعلى هذا النحو، فإن قبائل بني إسرائيل (آل محمد وشيعتهم) يجتمعون إلى القائم مثلما جاء في الروايات "إذا قام قائمنا (ع) جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب فيجتمعون کما يجتمع قزع الخريف32".
إن أصحاب القائم الذين يجتمعون حوله هم مواطنو دولة العدل الإلهي في المستقبل، ويجمعهم الله كما جمع بني إسرائيل في زمن موسى (ع) من قبل. في البداية اتخذ بنو إسرائيل موسى قائداً لهم ثم دخلوا بعد ذلك في عهد مع الله بطاعتهم له، بعد ذلك ترك المؤمنون مصر وحياة العبودية القديمة واتبعوا موسى (ع) وهو ينتشلهم من قبضة فرعون، ثم بعد ذلك عبر بهم البحر. ومن هنا، فإن المؤمنين في هذا العصر مكلفون بالسفر إلى القائم ولو حبواً على الثلج أو في قباب السحاب، حتى ولو شكل هذا خطراً عليهم، وذلك حتى يكوّنون مجتمعاً من حوله ويكونون جزءاً من الأمة الموعودة التي سيخلصها من العبودية ويقودها إلى أرض الميعاد.
تتطلب هذه المهمة قدراً هائلاً من الصبر كما حدث من قبل مع الأنبياء والرسل السابقين، وتشير الروايات إلى أن نوح (ع) دعا قومه لمدة ٩٥٠ عاماً قبل أن يأتي الطوفان ويرث المؤمنون الأرض. وتشير الروايات أيضاً إلى أن موسى (ع) كان في عمر الأربعين حينما ظهر بين قومه لأول مرة محاولاً إنقاذهم، ثم أخرجهم من مصر وهو في الثمانين من عمره. وعلى هذا النحو فإن دعوة القائم (ع) تتطلب أُناساً يفهمون سنة الأنبياء والمرسلين السابقين ويكونون على استعداد لتكريس حياتهم ووقتهم وجهودهم ومواردهم لإقامة الدولة. قال الإمام أحمد الحسن اليماني (ع): "لا أريد أحداً يتعب أو يمل" وقال "اعملوا واعملوا واعملوا حتى ينقطع النفس" وقال أيضا "لا ينفعكم في هذا الدين سوى أمرين ومن دون هذين الأمرين صعب أن تبقوا ثابتين وهو الصبر ثم الصبر ثم الصبر ثم التسليم" وقال أيضا، "لن يتحقق العدل حتى يتحقق بينكم أولاً، وهذا العدل والإنصاف يجب أن يبدأ من داخل أنفسكم أيها المؤمنون".
لذا نؤمن أنه خلال هذا الوقت الذي ينتقل فيه مجتمع المؤمنين من حالة الشتات، أو من أمة متفرقة من المؤمنين المطرودين من بلادهم من قبل الطواغيت إلى مجتمع قوي ملتف حول القائم - خلال هذا الوقت- يجب أن تقام العدالة من داخل هذا المجتمع. يجب أن يحيا هذا المجتمع وفقا لقوانين الله وأن يكون مثالا للأية "كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ33".
يجب أن تتجلى فينا قيم وتعاليم الأنبياء والرسل والأئمة (ع) وأن نكون مثال لكل الأمم الأخرى لما يجب أن يكون عليه اليهودي الحقيقي والمسيحي والمسلم والبوذي والزرادشتي والهندوسي الحقيقي الخ. من خلال هذا النموذج الإلهي الذي يضعه هذا المجتمع للعالم فإنهم لا ينالون فضل أكبر من الله تعالى فحسب، بل سينالون إعجاب واحترام كل الأمم الأخرى. وبينما يظهر هذا المجتمع كأمة مثالية وشعب مثالي ودولة مثالية ودين مثالي، فإنه يقوم كذلك بنشر الدعوة بكافة الطرق المتاحة. وعندما يرى الناس مثال هذا المجتمع فسيقارنونه بعائلاتهم وأصدقائهم ودولهم وبلادهم ويحسدون أمتنا وشعبنا ويتمنون أن يكونون مثلنا ومعنا. وهذا يؤدي في النهاية إلى تجلي دولة عدل إلهي فعلية للمؤمنين، فتكون لنا دولة فعلية بحدود فعلية، مثل الجسد الذي هو تجلي مادي للروح التي تسبقه، وبالتالي يكون هذا المجتمع من المؤمنين هو النموذج الأصلي والأولي وهو روح الدولة المادية التي تتجلى بعد ذلك.
سيكلف هذا التجمع العظيم المال، إذ أن كثيرين يهاجرون للقائم (ع) ويتزوجون ويوفون بعهد آدم (ع) بالتكاثر والإثمار. فيكون هناك حاجة لمزيد من الموارد للحفاظ على الأمة. يجب أن يحاكي هذا المجتمع مجتمعات وأمم الأنبياء والرسل السابقين. يجب على كل عضو جديد الالتزام بالشروط التي وضعها المسيح (ع) لكل من يريد أن يتبعه، "قال له يسوع: إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني34".
والفقراء هم أولئك الفقراء المهاجرون للقائم (ع)، المؤمنون المظلومون في الأرض، المؤمنون بحاكمية الله. يجب أن يعيش المجتمع كما عاش تلاميذ المسيح (ع) بل أكثر إن أرادوا أن يكونوا الأمة التي سيرجع لها عيسى (ع) "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة. ولم يكن أحد يقول أن شيئا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركا. وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم، إذ لم يكن فيهم أحد محتاجاً، لأن كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها، ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل أحد كما يكون له احتياج35". والأعضاء الذين يلتحقون بالمجتمع يجب أن يكونوا أيضاً على استعداد أن يعملوا من أجل خدمة المجتمع بأي وبكل طريقة ممكنة.
يجب أن يتم إنشاء منصة عملاقة لنشر الدعوة، آلة إعلامية إذا جاز التعبير، وهذا يتطلب رجال ونساء مكرسين ومتفانين في نشر دعوة الله ويعملون ككتاب ومقدمي برامج وعاملين بالمونتاج ومناظرين ودعاة الخ، مما يتطلب توفير نظام ييسر عملهم. يجب أن يكون هناك مؤمنين مستعدين للعمل في المطبخ وإعداد الطعام لهذا المجتمع من القديسين والأنبياء والرسل، يجب أن يكون هناك سائقين مستعدين لتوصيل المؤمنين أينما أرادوا، وعاملي نظافة مستعدين للتنظيف وللمحافظة على بيوتهم، وبنائين مستعدين لبناء البيوت والمكاتب ودور العبادة، وأطباء لمعالجة المرضى، ومعلمين مستعدين لتدريس الأطفال ومساعدتهم، حتى لا تبقى هناك أي وظيفة مثل الوظائف التي يشغلها الناس في أي دولة فعلية إلا ويملأها مؤمنون من المجتمع. هم السباكون، والميكانيكيون، والأطباء، والمهندسون، والمعلمون، والعمال، والقادة الذين تقوم بهم دولة العدل الإلهي الخاصة بنا.
لن يتم التعامل بالعملة بين المؤمنين حيث يتم توفير كل احتياجات المؤمنين بالمجان، إن قيمة أي عضو في المجتمع لا تقدر بحجم الأموال التي جمعها كما هو الحال في بقية البلدان، إنما تقدر قيمة العضو بخدمته لله من خلال خدمته للمجتمع ولأخيه الإنسان. هذه هي قيمتهم، عن أنس قال، قال رسول الله (ص): "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله36".
ينبغي على المؤمنين في المجتمع العمل على ألا تكون هناك أي خلافات فيما بينهم، وإن وجدت فإنهم جميعاً يقرون بسلطة وحكم قائدهم ويسلمون لقضائه. ويكون مجتمع المؤمنين كخلية النحل، الكل يعمل من أجل قضية مشتركة حيث يضحي المؤمن بنفسه من أجل بقاء الخلية. أعضاء المجتمع هم مثل العائلة الواحدة ومثل الأخوة من نفس الوالدين وهم يؤدون واجباتهم تجاه بعضهم البعض. يتخلون عن والديهم الجسمانيين، ويتخذون القائد المنصب من الله أبا لهم، ويتخلون عن أصدقائهم وإخوانهم وأخواتهم الماديين ويأخذ بقية المؤمنين مكان هؤلاء حتى يرث الأخ أخاه في مجتمع المؤمنين وفي عالم الأرواح ولا يترك ميراثه لعائلته الجسدية. ويكون المجتمع مثال للمحبة والسلام والرخاء ويتطلعون لهداية كل البشرية دون إحداث أي مشاكل في البلد المضيف لهم في الوقت الذي لا يزالون فيه دون وطن. فيحترم المؤمنون كل قوانين البلد المضيف لهم ويظهرون التقدير للشعب والبلد الذي إستضافهم وسمح لهم بممارسة دينهم بحرية تماماً كما أظهر الرسول محمد (ص) والمسلمين المحبة والاحترام للملك المسيحي الأثيوبي الذي أعطاهم حرية العيش كمجتمع من المسلمين في بلاده.
دين السلام والنور الأحمدي هو اسم المنظمة التي تم تأسيسها لتمثل ديننا وهي مسجلة رسمياً في الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة غير هادفة للربح معفاة من الضرائب فضلاً عن كوننا مؤسسة خيرية مسجلة رسمياً في المملكة المتحدة، نُعرف أيضاً باسم الرايات السود المشرقية، وأنصار الإمام المهدي، وأصحاب العهد السابع.
لمعرفة المزيد عن دعوتنا أو عن مجتمعنا يرجي التواصل معنا على
أو زيارة موقعنا الإلكتروني
/https://theahmadireligion.org
1 القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية ١١
2 صحيح البخاري، البخاري، كتاب الفتن، الحديث ٧٠٦٨
3 الكتاب المقدس، سفر صموئيل الأول، الفصل ٨، الآيات ٤-٧
4 الكتاب المقدس، سفر متى، الفصل ٢٧، الآيات ١٦-١٧، ٢٠
5 القرآن الكريم، سورة الأنعام، الآية ١١٦
6 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٦٧، ص١٠٧
7 الجمهورية، أفلاطون، الجزء التاسع
8 الكتاب المقدس، سفر صموئيل الأول، الفصل ١٦، الآية ٧
9 القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية ٣٠
10 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج١١، ص ٢٤١
11 الكتاب المقدس، سفر متى، الفصل ١٦، الآية ١٩
12 القرآن الكريم، سورة الصف، الآية ٦
13 صحيح البخاري، البخاري، كتاب المرضى، الفصل ١٧، حديث رقم ٥٦٦٩
14 غيبة الطوسي، الشيخ الطوسي، ج١، ص١٧٤
15 القرآن الكريم، سورة البقرة، الآيات٣١-٣٣
16 الكتاب المقدس، سفر التكوين، الفصل ٢، الآية ٢٠
17 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٥ ، ص١٣٨
18 ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٢، ص١٢١٨
19 القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية ٥٢
20 الكافي، الشيخ الكليني، ج١، ص٣٩٨
21 القرآن الكريم، سورة النساء، الآية ٦٤
22 الكافي، الشيخ الكليني، ج٨، ص٣٠٨، الغيبة، النعماني، ج١، ص٢٣٦
23 الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص٣٧٢
24 الكافي، الكليني، ج٢، ص٢٦١
25 ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج٢، ص٩٣٦
26 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٣، ص٩٤
27 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٩ ، ص١٢٣
28 القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية ١٠
29 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٤، ص٣٩٧
30 بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٢٤، ص٣٩٧
31 الكتاب المقدس، سفر الرؤيا، الفصل ٧، الآيات ٤-٩
32 معجم أحاديث الإمام المهدي، علي الكوراني، ج ٣، ص١٠٠
33 القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية ١١٠
34 الكتاب المقدس، سفر متى، الفصل ١٩، الآية ٢١
35 الكتاب المقدس، أعمال الرسل، الفصل ٤، الآيات ٣٢-٣٥
36 وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج١٦، ص٣٤٥