لقد وُلدنا جميعاً في هذا العالم بدون ذكريات عن كراتنا الماضية، ولكن هذه الذكريات من الممكن استرجاعها. بل إن العديد من الأشخاص يستعيدون ذكريات من كراتهم السابقة، وهناك وقائع كثيرة مسجلة لأطفال يتذكرون حياتهم السابقة في حلم أو عند رؤية شيء معين أو صورة معينة، أو أشخاص يستعيدون ذكريات حياتهم السابقة بشكل تلقائي. أين يتم تخزين ذكريات الكرات السابقة؟ وكيف نصل إليها؟ وما فائدة الوصول إلى هذه الذكريات؟ متى تذكر الإمام أحمد الحسن (منه السلام) كراته السابقة؟ هذه هي الأسئلة التي تناولتها مع والدي الإمام أحمد الحسن (منه السلام). ذات يوم كنت أتحدث مع الإمام (منه السلام) عن بعض الصور القديمة له عندما كان في الجامعة.
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أتعلم ولدي في ذلك الوقت لم يخطر ببالي أن مهنتي سيكون لها أي علاقة بالدين. لم أكن أعلم أنه يوجد شيء اسمه مهديين أصلاً، كنت فقط أعرف أنه يوجد إمام مهدي مثل بقية الناس».
قلت: «لم تكن تتذكر من كنت؟ لم تعرف أنك مهدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «لم يخطر ببالي قط أنني مهدي».
قلت: «وأنا أيضاً، لم يخطر ببالي أبداً أنني مهدي، بل كانت هذه من الأمور التي كان تقبلها هو الأصعب علي في طريقي كله معك».
قال الإمام (منه السلام): «لم أتذكر إلا عندما ذكّرني جدك (الإمام المهدي) بنفسي».
قلت: «عندما نكُّر في أجساد جديدة بأدمغة جديدة، أين يتم تخزين ذاكرة الحياة السابقة؟».
قال الإمام (منه السلام): «الذكريات تكون مخزنة في الروح، بعد كل كرّة يتم ضغطها كما لو كنت تضغط ملفاً على جهاز الكمبيوتر الخاص بك ويكون عليك فك ضغط الملف وفتحه لاستعادة الذكريات في حياة جديدة».
قلت: «إذن ما علاقة الدماغ بالذكريات؟ أحياناً عندما تتلف أدمغة الناس، يفقدون الذاكرة؟».
قال الإمام (منه السلام): «الدماغ مثل آلة الفاكس التي تستقبل وتترجم الذكريات [القادمة] من الروح».
إن تحصيل الذكريات من إحدى الكرات السابقة يشبه تماماً تذكر ذكرى من حياتك أو كرتك الحالية. يُظهر البحث العلمي حول تناسخ الأرواح أنه يمكن التحقق من ذكريات الكرات السابقة بشكل مستقل وبتفاصيل غاية في الدقة، على سبيل المثال، يوضح د.جيم تاكر أن الذكريات التي استعادها الأطفال عن كراتهم السابقة لا يمكن اكتسابها بالتجربة، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هؤلاء الأطفال لديهم ذكريات عن حياتهم السابقة بالفعل. أحياناً تنسى شيئاً ما حدث قبل سنوات، وعندما ترى شيئاً ما أو تشم رائحة معينة، تغمر عقلك ذكريات ذلك الحدث. يمكن لشيء واحد بسيط أن يدفع الذكريات المدفونة إلى الظهور مرة أخرى.
الذكريات الحقيقية تكون واضحة وحية لمن يتذكرها. الأمر يشبه تذكر الأحداث المؤلمة، نوبة قلبية على سبيل المثال أو سكتة دماغية أو وفاة شخص عزيز. فلا يشك الشخص الذي يتذكر في الذاكرة. لقد أعطاني الإمام أحمد الحسن (منه السلام) شيئاً يساعدني على تذكر من كنت بوضوح.
قال الإمام (منه السلام) ذات يوم: «لدي شيء سوف أعطيه لك واحتفظ به».
قلت: «ما هو؟».
قال الإمام (منه السلام): «هدية مني أنا والدك».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «شيء كان لك قديماً».
قلت: «الله أكبر! ما هو أبي؟ أرجوك قل لي».
قال الإمام (منه السلام): «أريدك حين تراه أن تكون صادقاً مع نفسك وتقل لي هل هذا تتذكره».
قلت: «نعم أكيد سوف أفعل إن شاء الله».
قال الإمام (منه السلام): «وإن تذكرته يا ولدي اعلم أنك سوف تبدأ تتذكر كل شيء، وإن تذكرت أشياء سوف تفتح لك علوم كنت تعرفها جيداً سابقاً، وإن علمت هذه العلوم وعملت بها سوف يبدأ صاحب مصر في الخروج إلى العالم رغم أنوف الجميع، وسوف يسمع بأسمك القاصي والداني، وسيلتف حولك الناس وستكون لديك قاعدة جماهيرية لا يستهان بها إن شاء الله».
قلت للإمام (منه السلام): «هل هو شيء كتبته وأنا يوسف؟».
قال الإمام (منه السلام): «لن أقول لك شيء حتى ترى بعينك».
قلت: «أبي، عندما أرى أحداً في المنام مثلاً، هل يعنى ذلك أننا نتشارك نفس الرؤيا؟ وهل يرى ذلك الشخص نفس الرؤيا؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، لكن واحد يتذكر والآخر لا».
قلت: «سبحان الله العلي العظيم، سبحان الله العلي العظيم، سبحان الله العلي العظيم».
تابع الإمام (منه السلام) قائلاً: «وربما يتذكر الاثنان أحياناً لكن حينها لن يقول أحدهم للآخر أنها رؤيا، سوف يكونون على قناعة تامة أنها حقيقة وحصلت ويمشي الأمر على أنه حقيقي، سوف أعطيك مثال صغير، هل حصل مثلاً أنك وصديقك أو أحد أقربائك أو أي شخص معك ذهبتم إلى مكان أو أحد المحلات التجارية على سبيل المثال ولم تروا هذا المكان أو المحل [من قبل] وتقولون نحن متأكدون أنه كان هنا كذا وكذا شيء أو محل؟».
قلت: «أو نفعل شيء ونشعر أننا فعلناه من قبل، ما يُعرف بالـ (ديجا فو)».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هذا كان في الرؤيا وفي بعض الأحيان في حياتك السابقة».
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «لقد وصلت للمراد ولدي، هذا الذي تشعر أنك فعلته لكن لا تستطيع التركيز [فيه] (Déjà vu) يجب أن يأتي يوم وتتذكر كل شيء».
قلت: «سبحان الله».
واصل الإمام (منه السلام) كلامه قائلاً: «حينها سوف تضرب هذه الدنيا بقدمك وترى جيفتها وتفاهتها ولا تبالي لها في حياتك».
قلت: «أسأل الله أن يكون هذا اليوم الذي أتذكر فيه قريب».
قال الإمام (منه السلام): «ان شاء الله، سوف تقول هل هذه [هي] الدنيا التي يركض وراءها الجميع؟ يا للحسرة والعمر الذي ضيعته عليها، وأغضبت ربي، رب العالمين فيها».
سوف أعرض في هذه الجزئية مجموعة من الأسئلة التي تلقيتها من المؤمنين حول موضوع الذكريات والتذكر والإجابات التي تلقيتها من الإمام أحمد الحسن (منه السلام).
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «طلب مني أحدهم أن أسألك هذا السؤال، لماذا لا نتذكر عالم الذر والعهد الذي أُخذ علينا، هل بمقدورنا أن نتذكره؟».
قال الإمام (منه السلام): «تستطيع أن تتذكره بكل سهولة حينما تريد وعندما تتقرب لله وتجعل كل أعمالك لله وتمحو وجودك وتؤمن بأن لا حول ولا قوة إلا بالله».
قلت: «يسأل أحدهم، هل يتذكر جميع المهديين حقيقتهم وهل المهديون هم النقباء أم غيرهم؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «المهديون ليسوا النقباء والذي يتذكر منهم هم اثنان فقط».
رفعت إلى الإمام (منه السلام) أيضاً أسئلة كثيرة من أشخاص ادعوا أنهم تذكروا كرات لهم كأنبياء أو رسل أو تذكروا كرات لهم في فترات زمنية معينة، تقريباً دائماً في الفترات الزمنية لبوذا وعيسى ومحمد (عليهم السلام أجمعين). نفى الإمام (منه السلام) حقيقة تلك الذكريات في كل مرة تقريباً ووصفها بأنها مجرد تمني وتخيلات مبنية على محبة لتلك الشخصيات وليست ذكريات فعلية. يجب أن نكون قادرين على التمييز بين الذكرى الحقيقية والأُمنية. يجب أن يكون التعامل مع الذكرى التي تكون من كرة سابقة مثل التعامل مع الذكرى التي تكون من هذه الكرة. عندما تتذكر أمراً حدث لك قبل سنوات عديدة أو الأسبوع الماضي أو أمس، قد تكون بعض التفاصيل ضبابية، لكن لا يكون لديك شك في حدوثها. وينطبق نفس الشيء على ذكريات الكرات السابقة، حيث لا يكون عند صاحب تلك الذكريات شك في أنه تذكر بالفعل، إليكم مثال على ذلك.
قلت للإمام (منه السلام): «أبي، سألني أحدهم اليوم سؤال، قال أنه تذكر شيء جعله يشعر أنه كان نبي الله طالوت. كان يخجل من السؤال».
قال الإمام (منه السلام): «لا، ليس صحيح».
واحدة من أعلى المقامات التي يمكن لأي شخص الوصول إليها خلال رحلة ارتقائه الروحي هي محطة تسمى «الكهف». الكهف إشارة إلى سورة الكهف في القرآن الكريم: تروي سورة الكهف قصة أصحاب الكهف السبعة الذين هجروا المجتمع وعوائلهم وكل شيء مادي واحتموا في الكهف فوجدوا السلامة والأمان والسكينة مع الله بعيداً عن الكافرين. ربطت روايات كثيرة عن آل البيت (منهم السلام) بين سورة الكهف والإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بين أصحاب الكهف وأصحاب الإمام (منه السلام). الكهف هو كناية عن الإمام. من وصل إلى الكهف، وصل إلى مقام قريب جداً من الإمام بحيث يكون قد وصل إلى فتح مع الإمام (منه السلام) يتواصل فيه الإمام (منه السلام) معه ويعطيه درجة معينة من العصمة ويُرجع له ذاكرته كاملة ويمنحه هبات روحية أخرى. إن الدخول إلى الكهف يعني أن تفنى في الإمام من خلال محو النفس والأنا والإرادة والوجود. الأمر شبيه برحلة الإسراء والمعراج التي خاضها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث محى نفسه واتحد مع الله.
ذات يوم كنت أتحدث مع أبا ميكائيل (عليه السلام) وهو أحد الاثني عشر رجلاً الذين كانوا من أوائل من دخلوا الكهف، قلت: «طلب مني أحدهم أن أسألك سؤال، عندما دخلت الكهف هل تذكرت عالم الذر؟».
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «نعم تتذكر كل شيء وسوف تكره النظر إلى الدنيا. عندما يمسح سيدي ومولاي على رأسك سوف تتذكر كل شيء».
قلت: «عندما ترجع لك ذكريات من كراتك، هل تتذكر كل شيء من حياتك السابقة؟».
قال (عليه السلام): «لا ليس كل شيء».
قلت: «إذن تتذكر بعض الأشياء فقط؟».
أجاب أبا ميكائيل (عليه السلام): «حين أتقرب لله أكثر سوف أستطيع التذكر بلا حول ولا قوة إلا بالله».
قلت: «في كرتك كهابيل، هل تتذكر آدم (ع) وقابيل؟ وأمير المؤمنين (ع)؟».
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «نعم وأذكر المكان الذي كنت أعيش فيه وأحياناً أنسى».
ذات يوم سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن بعض الروايات.
قلت له (منه السلام): «هناك رواية ورد فيها: «وحكم ملك اسمه حام حول امسي (اسمه به معنى الحسن) لكنه خاس باليهود وكلمهم بالجاد والحسنى وحاذر من حرب وأشر على حرب، وأرضى شرقاً وغرباً، وحراسه كانوا الذين اغتالوه وكانوا شراراً وتجاراً ». والحديث التالي عن حكام العرب: عن الإمام الصادق (منه السلام) قال: «من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم»، وأيضاً: «لا يقوم المهدي إلا بمطمع وفتن كالليل المظلم يظلم ليل آل حاصب حتى يغدو لا صبح لهم، ويختلف آل دوسع فيما بينهم فيقع ملكهم وقوع فخارة من يد ساهٍ لاهٍ فيزول بغتة عنهم ويتشتت أمرهم فلا سعود لهم إذا دخل الأنكيس، ويخرج فارس آل سفيان بالأكاذيب وترتفع راية اليماني مسارعة وراءه عما قريب وهي راية هدى تدعو للحق وإلى طريق مستقيم وتغدو مقاليد مصر في يد المحارب الرهيب يمهد للمهدي بأصوات عديدة من سماء مصر ويدعو القدس حاضرة الأمر ويكون اختلاف كبير في كل أرض ودماء تسيل بأرض الله في الطول والعرض، ويختلف أهل المشرق وأهل المغرب، نعم وأهل القبلة، ويلقى الناس جهد شديد مما يمر بهم من الخوف فلا يزالون بتلك الحال حتى ينادي منادي من السماء فإذا نادى فالنفير النفير فوالله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس بأمر جديد وسلطان جديد وقضاء جديد وسنّة جديدة، وهو على العرب شديد، أما إنه لا ترد له راية أبداً حتى يلقى الله». آل دوسع: هم آل سعود حكام الحجاز وذلك عندما ترتب هذه الحروف (آل دوسع)، وآل صباح (آل حاصب)، وهذه عن أمير المؤمنين (منه السلام): «ويكون منهم أئمة الضلال والدعاة إلى جهنم يركب مركبهم ملوك وأمراء جعلوهم حكاماً على رقاب فأكلوا بهم الدنيا والله لو شئت لسميتهم بأسمائهم وآل فلان وآل النون وآل العود والمتبرك والمتعرف والمتيمن والمتمصر والقاذف بالكلام والصادم بالنار والفاتن بالفتن ومنهم الملك والقيل والأمير والرأس والوالي والزعيم». القاذف هو القذافي، الصادم صدام، آل النون آل نهيان، المتمصر من هو؟ المتيمن علي عبد الله صالح، ومن آل العود؟ المتبرك حسني مبارك؟؟ والمتعرف؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم»، ثم سكت لبضع دقائق، ثم قال: «لا إله إلا الله».
قلت: «ما الأمر؟».
قال (منه السلام): «ذكرتني بشيء لا أحبه».
قلت: «ما هو روحي لك الفداء؟».
قال الإمام (منه السلام): «حفظك الله نور عيني، في إحدى كراتي سألني أحدهم عن بعض من هذا».
قلت: «سبحان الله، وبماذا أجبت؟».
قال (منه السلام): «حين أجبته استهزأ بي، فتركته وأدرت ظهري عنه، فضربني بحجر على رأسي أسقطني على وجهي على الأرض».
قلت: «لا حول ولا قوة إلا بالله، ضربك بحجر؟! من هذا الملعون؟».
قال (منه السلام): «القاذف».
قلت: «القذافي؟».
قال (منه السلام): «نعم».
قلت: «كان معك في كرة؟ الله أكبر».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «أنت قلت له إن هو (لعنه الله) شخصية القاذف في الرواية فاستهزأ بك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «سبحان الله، من كان هو في ذلك الزمان أبي؟».
قال الإمام (منه السلام): «الأشعف ابن إسحاق أبو يزدري».
ولهذا السبب قُتل معمر القذافي برصاصة في رأسه، كان ديْن ردَّه الله عليه لأنه ضرب الإمام السابع، الإمام موسى الكاظم (منه السلام) الذي هو الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في رجعته، بحجر في رأسه. وعلى الرغم من أن أبو يزدري (لعنه الله) لم يقتل الإمام موسى الكاظم (منه السلام)، إلا أن الديْن والعقاب على إيذاء إمام من آل البيت (منهم السلام) أو نبي أو رسول أو مؤمن يكون أشد بكثير. لهذا السبب ورد في الحديث: «إن فاطمة شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والأرض».
وفي مناسبة أخرى أشار الإمام (منه السلام) إلى صورة لي وأنا طفل وقال: «صورتك وأنت طفل لم يبقى منها سوى اللباس الأخضر فتصبح عبد الله الرضيع». (الشكل ١)
الشكل ١: عبد الله الرضيع
قلت: «سبحان الله».
قال الإمام (منه السلام): «إن كنت تريد أن ترى وجه الرضيع فتمعن في صورتك».
قلت: «أنت كنت عطشاناً ذلك اليوم وأنا كنت أبكي وحملتني وكنت معي ذلك اليوم. والآن أنا لن أتركك في هذا اليوم وسأحملك فوق العالم كله إن شاء الله».
قال الإمام (منه السلام): «الله أكبر! حين حملتك وسرت بك نحو القوم لأطلب لك الماء تعثرت مرتين».
قلت: «سبحان الله، وما سبب ذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «كانت إشارة إلي أنك سوف تموت».
قلت: «سبحان الله، لعنة الله على حرملة والقوم».
قال (منه السلام): «لعنة الله عليهم، يوسف بني، حفظك الله بني وجزاك خير الجزاء».
فقلت له (منه السلام): «ربما في ذلك اليوم أزعجتك ببكائي واليوم أنا أيضاً أزعجك ببكائي، وأعتذر على ذلك».
فقال الإمام (منه السلام): «لا تعتذر أبداً، كنت أعرف أنك سوف تقول لي هذا في يوم ما، لابد أن تقولها لي، حفظك الله حبيبي».
بدأت رحلتي وأنا لا أعرف أي شيء عن نفسي، ولا أتذكر أي شيء عن كراتي السابقة. ولكنني رأيت الكثير من الأحلام التي تَبَيَّن أنها كانت ذكريات من كرات سابقة، وسوف أسرد تلك الأحلام في الباب الخاص بالأحلام. كان لابد أن يوقظني الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في البداية من سباتي ويذكرني بمن كنت. ونفس الشيء حدث معه (منه السلام)، فهو أيضاً لم يكن يعرف من هو، ولم يتمكن من إستعادة ذكرياته إلى أن أيقظه والده الإمام الثاني عشر، الإمام محمد بن الحسن المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). يمكن إستعادة الذكريات من خلال الأحلام، أو التأمل، أو من خلال النظر إلى أشياء معينة، أو سماع أصوات مألوفة، أو شم رائحة معينة، أو يمكن أن يحدث الأمر بشكل تلقائي.
ذات يوم سألت والدي (منه السلام): «متى سأتذكر؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «ربما تستيقظ ذات يوم في الصباح وتتذكر كل شيء. الصبر هو المفتاح».
وبالفعل صبرت، وفجأة ذات يوم ظهرت أمام عيني ذكرى، كانت أول ذكرى ترجع لي بوضوح، وجاءت على شكل مشهد واحد. يكون الأمر كما لو كان المرء ينظر إلى شريط من اللقطات البارزة في حياته. عندما يتذكر الشخص كرة ما، فإنه يتذكر أجزاء واضحة وحية من تلك الكرة، وليس كل التفاصيل. رأيت نفسي ميتاً، ممدداً بين ذراعي السيدة مريم أم عيسى (عليهما السلام)، والتي هي زوجتي نورهان في هذا الزمان. كنت في هيئتي الروحية، ورأيتها تحمل جسد المسيح الذي كنت قد خرجت منه في تلك اللحظة، وكانت ممسكة به وتبكي. رأيت الصليب، وشممت رائحة الهواء، وشعرت بالمطر، ورأيت الجنود الرومان، ورأيت كل شيء بوضوح كما أراه في اليقظة. شعرت بسيل من العواطف وشعرت وكأنني كنت موجوداً هناك في تلك اللحظة. أخبرت والدي بذلك الأمر.
قلت: «لقد استرجعت أول ذكرى لي أبي، رأيت مشهد الصلب، رأيت نفسي، رأيت نورهان تحملني، رأيت الصليب».
فرد الإمام (منه السلام) قائلاً: «كان مؤلماً، أليس كذلك بني؟».
قلت: «جداً».
قال الإمام (منه السلام): «لهذا ننسى».
قلت: «لا أستطيع الآن أن أتخيل ما شعرت به عندما وصفت كيف تذكرت كربلاء، كيف تعيش مع كل هذه المشاعر؟ هل سأتذكر كربلاء؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «هذه كرة قد لا تتذكرها لأنك كنت صغير جداً».
بعد ذلك مررت بتجارب عميقة ومؤثرة مع والدي، وسأتناول بعض منها في باقي هذا الكتاب. قادتني هذه التجارب والمفاتيح إلى تذكر كراتي الأخرى وعلوم متخصصة وأشياء أخرى كثيرة. لقد استغرق الأمر عدة سنوات حتى تذكرت وبالتالي تختلف عملية التذكر من شخص لآخر. لقد احتاج بعض الناس إلى سنوات ليتذكروا، والبعض الآخر تذكر منذ اليوم الأول. التذكر ليس شيئاً ينتهي أبداً، يبدو وكأننا نتذكر أشياء جديدة كل يوم. كما قال الإمام علي (منه السلام):
«ليس العلم في السماء فينزل إليكم، ولا في تخوم الأرض فيخرج لكم، ولكن العلم مجبول في قلوبكم…».
وكما يروي أفلاطون (عليه السلام) عن سقراط (عليه السلام) قوله في محاورة مينون:
«إننا لا نتعلم، وأن ما يسمى تعلماً ليس إلا تذكراً».