لطالما خاطب الله سبحانه وتعالى البشرية من خلال الأحلام، مرسلاً لهم بشارات وتحذيرات ونبوءات عن المستقبل. ولطالما كانت الأحلام محل إهتمام البشرية حيث عكف البشر على فك رموزها ومحاولة تفسير المعاني التي تحملها. قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الرؤيا الصالحة هي الجزء الأخير المتبقي من النبوة، ويروي لنا القرآن والتوراة والإنجيل قصصاً لأنبياء تمحورت نبواتهم حول أحلام معينة مثل إبراهيم ويوسف ويعقوب ودانيال (عليهم السلام). للأحلام أهمية عظيمة ومن علامات الرسول المرسل من الله حقاً القدرة على تفسير الأحلام. ولهذا نسرد في هذا الباب شيئاً من علم الأحلام الذي يمتلكه الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بالإضافة إلى تفسيرات لأحلام كان قد أعطاها.
لطالما حاولت الأبحاث والثقافات الشعبية تصنيف أحلامنا بطرق عديدة مختلفة، من أحلام اليقظة إلى الكوابيس وحتى الأحلام الواعية، الأحلام هي نافذة على أرواحنا وعقلنا الباطن ككل، وفقاً لـ كارل يونج، هناك رموز رئيسية وأنماط مشتركة في الأحلام متعارف عليها مثل الماء وشجرة الحياة، ولكن كيف يمكننا التمييز بين تلك الأنواع بوضوح؟
لقد بيّن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) حقيقة الأحلام حيث قال لي (منه السلام) ذات يوم:
«الرؤيا ليس لها علاقة بالإيمان، ما يراه بني آدم في الرؤيا أو الحلم أو التفكير أو العقل الباطن أو ما تراه في النهار يأتيك في الليل. هي مقسمة إلى هذه الأقسام: الرؤيا الحق إذا كان فيها معصوم أو يراها وصي أو إمام، هذا يكون الحق كله، وهناك النوع الآخر، المنبه، أن هناك ملائكة منبهين ينبهون الأشخاص الذين فيهم بصيص أمل حتى لو كانوا فاسقين أو بعيدين عن الدين والإيمان، تؤنبهم الملائكة عن أعمالهم أو ترشدهم به، والنوع الثالث [ممكن توضيحه من خلال هذا المثال] إذا كان هناك شخص عنده عداء لأحد المؤمنين أو الأئمة في زمانهم أو الأولياء والله يريد أن يضلهم يجعلهم يرون أمور تتحدث عن ما في باطنهم».
إذن يقول الإمام (منه السلام) أن أفكارنا وتخيلاتنا في اليقظة تؤثر على ما نراه في المنام. إذا كنت تفكر في شخص معين طوال اليوم، فمن الأرجح أنك ستراه في المنام. لذا ما تراه في المنام ليس له علاقة بقوة إيمانك، ولكنه على الأرجح يخبرك بما يشغل عقلك. ثم يقسم الإمام (منه السلام) الأحلام إلى ثلاثة أقسام:
فكشف الإمام (منه السلام) عن المعنى الحقيقي للحلم وقال له: «لم أكن أنا الذي يسبح في الماء العكر، بل كنت أنت، لأن الإنسان انعكاس لأخيه».
حَمَلَ الحلم للرجل معنى حقيقي لا يستطيع الحالم تفسيره بسهولة، بل إن الحلم عكس أفكار الرجل. كان الرجل يفكر طوال الليل والنهار أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) إمام باطل وعلمه كله أكاذيب ومُحرف. وبالتالي فإن ما رآه لم يكن حقيقة الإمام، بل انعكاس لأفكاره هو عن الإمام (منه السلام).
هل لأي شخص أن يفسر الأحلام؟ ما هي عواقب تفسير حلم ما بشكل خاطئ؟ ذات يوم في عام ٢٠١٥ سأل بعض المؤمنون أبا ميكائيل (عليه السلام) بعض الأسئلة عن الأحلام وتفسير الأحلام.
سأل سائل: «هل يجوز لنا أن نفسر أحلامنا أو الرؤيا الخاصة بنا أم لا؟».
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «لا يجوز التفسير لكن يجوز أن يقول الإنسان أنا فهمي لهذه الرؤيا كذا وكذا».
قال السائل: «إذا لا يجوز فكيف أقول للناس أنني رأيت رؤيا بأن هذا الدين الحق هو حق؟ لأن قد يقول لي أحدهم لا يمكنك تفسير الرؤيا».
قال أبا ميكائيل (عليه السلام): «إن كان الإنسان قد سأل الله على أمر وأجابه الله برؤيا أو كشف أو نقر فهذا جواب الله له يعطيه الله للسائل على قدر فهمه لها ولا يضله، إن الله أرحم الراحمين ولا يضل عباده المخلصين».
كان يعيش بيننا خلال فترة زمنية معينة أحد الأشخاص الذين كانوا دائماً يتحدثون عن الأحلام التي كان يراها الآخرين عنه. كان يذهب إلى حد تفسيرها وفهمها على أساس أنه مهدي. رفعت هذا الأمر لوالدي (منه السلام).
قلت: «في كثير من المواقف يقطع الحديث ويغير الموضوع في وسط الحديث ويقول مثلاً «استمع إلى هذا» ويشغل تسجيل عن رؤيا رآها به أحدهم، أنه جالس على أريكة بجانبك وبجانب الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله) وباقي المهديين في صف واحد ويلمح إلى أن تفسير هذا الحلم هو أنه مهدي».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هذه الرؤيا معناها أنه قريب إلى قلوب المهديين ويحبونه».
قلت: «ظننت أن معنى الحلم هو أنه في مقام المهديين مثل وقّار».
قال (منه السلام): «ولم لا، هو قريب [لقلوب المهديين] لكن ليس مهدي».
وهكذا يتبين لنا أنه لا يمكن أبداً أن يفسر الأشخاص أحلام من هذا النوع بأنفسهم، فلا يكون التفسير إلا من المعصوم. أصيب الشخص المذكور أعلاه في نهاية المطاف بخيبة أمل كبيرة عند اكتشافه أنه ليس مهدي، وفي النهاية ارتد عن الدعوة وخرج من الدين. وفي مناسبة أخرى أخبرني أحد الأشخاص أنه رأى رؤيا بجبرائيل (عليه السلام) يخبره فيها بأن يقوم ببعض الأمور. سألني هذا الشخص عن هذا الحلم فسألت والدي (منه السلام).
قلت: «رأى هذا الأخ في المنام أن جبرائيل (عليه السلام) كان يخبره بأن يقوم بأشياء معينة».
قال الإمام (منه السلام): «أريد أن أخبرك بشيء مهم جداً يمكنك أن تنقله للناس حتى يفهم الجميع. أنت ممثل الله وإمامهم. لن يرسل الله أي أمر لأي من المؤمنين إلا بمعرفتك به أولاً ولا يأتي إلا من خلالك. كلام المعصوم فوق أي رؤيا أو استخارة أو علامة».
هذا يعني أن الله لن يرسل رؤيا لأحد يخبره فيها بمقام معين دون علم الرسول الإلهي أو دون تأكيد منه. على سبيل المثال لو كنا في زمن عيسى (عليه السلام)، لن يذهب أي من الحواريين ويذبح ابنه لأنه رأى رؤيا بذلك، كما حدث مع إبراهيم (عليه السلام)، دون الرجوع لعيسى (عليه السلام) وحصوله على تأكيد منه أولاً حول معنى الرؤيا، وما إذا كان هذا معناها أم لا. وفي زمن موسى (عليه السلام) لا يمكن أن يشاهد أحد رؤيا بأنه نبي من الله أو يعلن ذلك دون أن يتأكد من معنى ذلك من موسى (عليه السلام) أولاً.
ذات يوم قلت لأبي: «بعض المؤمنون الذين يدّعون الإيمان يقولون أنه بعد إيمانهم جاءتهم رؤى في الملكوت تعارض الدعوة، وقد أتوا إلي يسألوني عن معناها. قال لي أحدهم أنه رأى رؤيا سمع فيها صوت يقول له أن أحمد مراد كاذب. وقال شخص آخر أنه سمع في الرؤيا صوت يقول له إنه يتم النصب عليك، ويقول هذا الشخص أنه يريد فقط معرفة معنى ما رآه وأنه لا يؤمن بأن أحمد مراد كاذب. وهناك من تقول أنها تشعر بالضيق لأنها رأت أكثر من رؤيا سيئة عن الدعوة، ومنها رؤيا رأت فيها أن الأنصار يعملون لصالح جماعة كاذبة ويتم جرهم أو سحبهم من بلد لآخر. وفي رؤيا أخرى رأت أنصاري يقول لها، إمام الرايات السود الذي لديه مربعات في رأسه هو إمام مزيف. وهي تقول أن هذه الرؤى تجعلها تشك وطلبت مني أن أرسل هاتين الرؤيتين إليكم سيدي. أنا قلت لها، لو كنت رأيت هذه الرؤى فعلاً، فإنها ليست رؤى من الله ولكن من نفسك الشاكة ومن الشيطان».
قال الإمام (منه السلام): «جوابك كان شافياً ووافياً، هذا يأتي من الشك وحين يشك الإنسان بدينه يفتح ثغرة للشيطان يجعل الشيطان (لعنه الله) يلعب به يميناً ويساراً. من يشك في هذا الدين عليه أن يراجع عقيدته في الرسول محمد (ص) وآل البيت الأطهار، فإنه حتما لديه شك بهم وفي كلامهم وبالتالي فهو يشك في الله عز وجل».
قلت: «لا مجال للشك في هذا الدين».
قال الإمام (منه السلام): «الحمد لله رب العالمين، وماذا سيفعلون إذا جاء وقت الامتحان الأكبر؟».
قلت: «كنت أود أن أطرح عليك هذا السؤال أبي، أحياناً نسمع ناس يدّعون أنهم يرون أحلام ضد هذا الدين أو ضدك أو تخرج لهم استخارة ضد الدين أو أو أو، هل هي من الله يضلهم بها أم ماذا؟».
قال الإمام (منه السلام): «أنظر بني، هذه لها فرعان، الأول هو الكذب (أي أن الناس أحياناً عندما يدعون أنهم رأوا هذه الأشياء فهم لم يروها بالفعل ويكذبون). الفرع الثاني هو أنه عندما يتمنى إنسان أن يكون هذا الأمر باطل أو أن يكون الدين باطل يعطيه الله ما يتمناه، لذا تقول الآية ﴿فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾».
تقع تلك الأحلام التي تسبب شكوك بالطبع في الفئة الثالثة من الأحلام، حيث يكون الفرد خائفاً وشاكاً ومتردداً ويبحث عن أي عذر ليترك الدين ويفكر بإستمرار في تلك الشكوك. وفي النهاية رأت هذه المرأة هذه الأمور في أحلامها، وهي أحلام ليست من الله، بل من نفسها ومن الشيطان. السبب في رد الإمام (منه السلام) بأن من يشك في هذا الدين يشك في الله وفي آل البيت (منهم السلام)، هو أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وهذا الدين جاء بنفس الأدلة التي جاء بها الأنبياء والرسل، الوصية والعلم والدعوة إلى حاكمية الله، فمن يشك فينا، فليشك في محمد وعيسى وبوذا (عليهم السلام) وكل الأنبياء الآخرين الذين بعثوا. وهناك نقطة أخرى وهي أنه قبل أن يدخل المرء في هذا الدين، عليه أن يسأل الله عن أحقية هذا الدين، حيث قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أنه لا يريد أن يؤمن أحد بشكل أعمى، بل على الفرد أن يقرأ ويبحث ويدقق أولاً قبل أن يؤمن، ثم بعد ذلك يسأل الله عنا ويطلب منه سبحانه أن يثبته على الصراط المستقيم ويبعده عن الضلال. إذا كان يؤمن أن الله لا يضل عباده المخلصين، فعندما يؤمن بالفعل، يجب أن يكون مطمئناً من أنه قد طرق كل الأبواب للوصول إلى الله والسير على الحق وبالتالي يضع ثقته في الله. فلا يوجد رب يضل شخصاً يطلبه بحق وصدق، وبالتالي فإذا كانت النية خالصة، فالنتيجة مضمونة بالتأكيد، ويهتدي المرء إلى الحق ولا شيء سوى الحق، لأن الله سميع عليم. ذات يوم في عام ٢٠١٥، أوضح لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هذا الأمر.
قال الإمام (منه السلام): «سوف أسألك بعض الأسئلة وأجبني عليها. هل أنت مؤمن بالله سبحانه وتعالى؟ هل أنت مؤمن بأن الله لا يضل عبادة المخلصين؟ هل أنت مخلص لله؟».
قلت: «نعم، لا أعتبر أن الشخص الذي يفعل ما أحاول فعله أو ما أفعله غير مخلص».
فقال الإمام (منه السلام): «إذن أنت مخلص صحيح؟ وأنا أشهد بذلك عند الله شهادة حق والله يعلم بذلك حتى من دون شهادتي، ولدي ما تعرفت عليه وما سوف تتعرف عليه وما حصل لك وما سوف يحصل لك قد حصل للمؤمنين الصالحين المخلصين، وقد حصل لي من قبل مع سيدي ومولاي الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع)، فهل أنت صابر؟ هل تتحمل حتى تنال الخير والنور، هل تعتقد بني أن الإمامة تأتي بسهولة وقيادة الأمة تأتي من فراغ؟ ما مشكلتك إذاً ولدي؟».
فقلت: «إذا كانت المسألة مسألة صبر، فلا أقلق من ذلك، لن يستطيع دهر بأكمله أن يجعلني أكفر بك أو أتركك».
فقال الإمام (منه السلام): «ولن تستطيع تركي ولدي، ولن تستطيع، ولدي أنت سوف تكون بعدي، لابد أن تكتمل حتى تصبح معصوماً. عصمك الله من الكبائر وسوف يعصمك من الصغائر، فاصبر إن الله مع الصابرين، سوف يأتي يوم وينفذ العمر وسوف ينتهي هذا الجسد بحلوه ومره والأيام تجري والله سوف يمكن لخليفته رغماً عن أنوف الكافرين، بنا أو بغيرنا سوف يبسط الله سلطانه على هذه الأرض ويكفي للمؤمن أنه يمهد لدولة العدل الإلهي ولله سلطانه».
فقلت: «ولن يكون إلا بك أبي، هذا وعد الله».
فقال (منه السلام): «وأنا أصدقك ولدي، لن يكون غير هذا».
ذات يوم سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن كرة ابنتي مليكة:
قلت: «أبي، بخصوص أهل بيتي أنا أحبهم جداً، زوجتي وابنتي، هل ممكن أن أعرف من هي ابنتي مليكة؟».
قال الإمام (منه السلام): «تحب أن تعرف من هي؟».
قلت: «أي والله أكثر من أي شيء».
قال الإمام (منه السلام): «طيب، أطلب منك شيء أولاً، اذهب وافتح كتاب الله أولاً بشكل عشوائي واقرأ من اليمين».
فعلت مثلما قال (منه السلام) ثم قرأت له: «بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَقَالُوا۟ سَلَـٰمًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ۞ قَالُوا۟ لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ عَلِيمٍ﴾».
قال الإمام (منه السلام): «أكمل».
قلت: ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِىَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ۞ قَالُوا۟ بَشَّرْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ ٱلْقَـٰنِطِينَ﴾.
قال الإمام (منه السلام): «اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. إنها مليكة (عليها السلام). نرجس (عليها السلام)».
قلت: «يا الله، نرجس؟!».
قال الإمام (منه السلام): «نرجس الرومية».
قلت: «سبحانك يا رب».
قال الإمام (منه السلام): «هل تظن أنك سميتها مليكة بإرادتكم؟ لا والله».
قلت للإمام (منه السلام): «لا والله سبحان الله، أبي كنا سوف نسميها اسم آخر، ثم رأت نورهان رؤيا أنها تسميها مليكة».
قال الإمام (منه السلام): «ماذا كنتم ستسمونها؟».
قلت: «كنا سوف نسميها خديجة على اسم زوجة الرسول الأعظم (ص)».
قال الإمام (منه السلام): «لا يوجد فرق».
قلت: «لا يوجد فرق؟! يعني نرجس هي خديجة؟».
قال الإمام (منه السلام): «نرجس (ع) هي خديجة (ع) والعكس هو الصحيح».
قلت: «سبحانك يا الله يا رحمن. أكاد أموت من الفرح».
قال الإمام (منه السلام): «اعتني بها جيداً».
قلت: «والله سوف أعتني بها بكل ما لدي، يا للرحمة».
هذا مثال لإنسانة رأت في المنام أنها تسمي ابنتها باسم معين، وعلى الرغم من أنها رأت ذلك في المنام، إلا أنه لم يخطر ببالها أبداً أن معنى الحلم هو أن هذه هي كرة ابنتها، بل إنها كانت من أكثر الأمور التي تفاجأنا بها في ذلك الوقت، لأننا لم نكن نرى أنفسنا مستحقين لذلك. يمكن للأحلام أن تكشف عن كرات أو ذكريات من كرات سابقة، وقد تكون حقيقية، ولكن الطريقة الوحيدة للتأكد من معناها تكون من خلال تفسير خليفة الله المعصوم.
أحيانًا تكون الأحلام رمزية ويكون لها معاني باطنية. غالباً ما يصعب على الشخص فهم هذه الأحلام دون أن يكون لديه علم تفسير الأحلام. إنها لغة متخصصة جداً في حد ذاتها. أحد الأمثلة على هذه النوعية من الأحلام هو حلم إخناتون في قصة يوسف أو أحلام السجينين اللذين رأى أحدهما طيراً يأكل من رأسه ورأى الآخر نفسه يعصر الخمر لسيده.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «رأيت رؤيا غريبة بالأمس».
أجاب الإمام (منه السلام): «الحمد لله، يا الله خير إن شاء الله».
قلت: «رأيت أنني أنظر إلى أسناني وكأن يوجد لي أسنان جديدة تبرز وتطلع لكنها كانت تحت اللثة ولم تكن قد برزت بعد لكنني رأيتها تطلع».
قال الإمام (منه السلام): «اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً. إنها المعرفة ولدي والقوة والخير والجاه، وربما يولد لك مولود جديد إن شاء الله».
قلت: «الحمد لله رب العالمين».
وقد تحقق كلام الإمام (منه السلام) ورُزقت بالفعل بطفلة بعد ذلك بعام، وقد سماها الإمام (منه السلام) صوفيا. هذا مثال على رؤيا صادقة كانت تحمل إخباراً بشيء سيحدث في المستقبل، وقد حدث بالفعل كما فسره الإمام (منه السلام).
قلت للإمام (منه السلام) ذات ليلة: «أبي، أردت أن أسألك عن الواقع…حينما قلت أنه مثل الرؤيا. في كثير من الأحيان أجد نفسي أتمنى شيء ويتحقق، أو أفكر في شيء وفجأة ينفتح الموضوع، وإذا توقفت عن التفكير فيه يختفي الموضوع. ونفس الأمر يحدث مع آخرين كذلك. هل ما يحدث في حياتنا اليومية من أمور، نحن الذين جذبناها إلينا بسبب التفكير فيها؟ كانت نورهان قد أجرت تجربة حيث ظلت تفكر في كلمتين وهما «بطة وطبلة»، وبعد عدة أيام وجدت فجأة أمامها طبلة وبجانبها بطة».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «مثلما نفكر في شيء فنراه في المنام».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني، مفهوم وواضح، هل أجيب؟».
قلت: «يا ريت، لو تفضلت علي، روحي لك الفداء».
قال الإمام (منه السلام): «بوركت بني، نعم كل شيء تقريباً موجود في هذا العالم، كل فكرة وكل أمر وكل ما يسمى بالخيال وغيره، وكل الأفكار التي ممكن للبشر تخيلها، سواء كانت تُقبل من قبل المنطق أو لا تُقبل، هي موجودة، ما يفعله الناس هو جلب ما يفكرون به إليهم، تفاءلوا بالخير تجدوه وتفاءلوا بالشر تجدوه دائماً».
قلت للإمام (منه السلام): «سبحان الله».
قال (منه السلام): «لابد للمؤمن أن يكون متفائلاً بالخير، سوف يرى الخير، هذا هو الأمر بكل بساطة».
قلت: «لكن أبي، هل ممكن توضيح هذه الجزئية التي تقول فيها أن أي شيء يتخيله الإنسان موجود حتى لو غير منطقي؟ مثلا لو تخيل شخص تنين مثلاً…».
قال الإمام (منه السلام): «ما دام وصلت هذه الفكرة في عقل الإنسان فهي موجودة هنا أو هناك، في هذه الأرض أو على كوكب آخر».
قلت: «الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! إذن أبي على سبيل المثال، كنت قد شاهدت وثائقي بريطاني عن قطعة كبيرة من القماش في متحف هناك، وعلى قطعة القماش هذه خريطة ترجع للقرن الرابع عشر مرسوم عليها مخلوقات عجيبة، أو مخلوقات كان قد كتب عنها المؤرخ الروماني الشهير بليني، مثل مخلوق الساينوسيفالي (بشر برؤوس كلاب) ورجال بلا رؤوس ووجوههم على صدورهم وغيرهم من الأقوام الغريبة التي لها أذن ضخمة وتَنَانِين».
قال الإمام (منه السلام): «نعم كلها موجودة هنا أو هناك، لكنهم ليسوا من هذا العالم. يوجد مخلوقات رؤوسها في مكان عورتهم وعورتهم في صدورهم».
قلت: «الله أكبر، عجيب».
قال الإمام (منه السلام): «يوجد غير ذلك، يوجد مخلوقات بطول الانسان الاعتيادي وأجسامهم برفع الخيط وأثقل من الفيل البالغ».
قلت: «سبحان الله الخالق العظيم المبدع المصور».
قال الإمام (منه السلام): «يوجد أيضاً في أحد الكواكب، اسم هذا الكوكب العروس، مخلوقات تشبه البشر تماماً لكنهم يُعتبرون في ذلك الكوكب حيوانات».
قلت: «وعندهم عقول مثل البشر ولغة؟ أم هم مثل الحيوانات هنا من حيث المنطق؟».
قال الإمام (منه السلام): «المخلوق الذكي فيها هو مخلوق اسمه روب يشبه الأرنب تماماً لكنه ذكي ويمشي على اثنين. الإنسان هناك أرنب والحيوان إنسان إذا قلبت الأمر».
قلت للإمام (منه السلام): «وهل حجم الأرنب هناك مثل حجمه هنا؟ أم هو نفس حجم الإنسان؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا هو بحجم الدب».
قلت: «يا للعجب! والناس هناك حجمها مثل حجم البشر هنا؟ أم صغار؟».
قال الإمام (منه السلام): «بحجمنا هنا».
قلت: «لكن هل عقولهم مثل عقول الحيوانات الموجودة هنا؟».
قال الإمام (منه السلام): «مثل الحيوانات».
ما يكشفه الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هنا هو شيء مدهش للغاية، فهو ببساطة يبين أنه لا يوجد شيء اسمه فكرة أصلية، لأن كل الأشياء قد فكر الله فيها بالفعل، وأفكار الله كلها حقيقية، وبما أنها كلها حقيقية، فإنها موجودة، وإلا لما كان فِكر الله حقيقة، وهذا مستحيل. وبالفعل فإن كل الأفكار والاحتمالات موجودة بالفعل في مكان ما. وهذا يعني أن الإمام (منه السلام) يؤكد نظرية تفسير العوالم المتعددة في ميكانيكا الكم والتي تنص على أن جميع النتائج المحتملة متحققة مادياً في كون ما أو عالم ما. إنها واحدة من بين العديد من نظريات الأكوان المتعددة في الفيزياء والفلسفة.
ذات يوم سألت الإمام (منه السلام) عن رؤيا كنت قد رأيتها: «أبي، عندما جاء آدم (عليه السلام) وأحمد أبو إبراهيم لزيارتي، هداني أبو ابراهيم خاتم، وفي ليلتها رأيت رؤيا بك وأنت تقول لي، أنا الذي جلبت لك الخاتم وها هو».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هذا صحيح، هذا الخاتم كان لي في يومٍ ما وهو الآن لك».
قلت: «الله أكبر! أبي وكأن الخاتم فيه دم، هل هذا دمك؟ الذي في الحجر؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا بني، ليس دمي، هذا دمك».
قلت: «دمي؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «من كربلاء؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
هناك أمثلة كثيرة على مرات كان يأتيني فيها الإمام (منه السلام) ويحدثني في منامي، وبالفعل كان حديثه في المنام تماماً كحديثه في اليقظة. على سبيل المثال كانت هناك مرات كنت أرى فيها الإمام (منه السلام) في المنام يخبرني بأنه سيتحدث معي الليلة، فيكلمني في نفس الوقت بالضبط الذي قال أنه سيكلمني فيه. ومرات أخرى، كان يأتيني (منه السلام) في منامي ويخبرني بأحداث مستقبلية وكانت تتحقق جميعها كما قال. ومرات أخرى كان يعلمني أشياء في المنام وعندما كنت أسأله عنها في اليقظة، كان يؤكد نفس التفاصيل التي شهدتها في المنام بالضبط. هذه الأحلام تحدث في بُعد هو عبارة عن حقيقة أعلى أو واقع أسمى، الوجود الحقيقي، أو ما أطلق عليه أرسطو «عالم الجوهر». وقد أطلق عليه سقراط وأفلاطون (عليهما السلام) عالم الأشكال أو الأفكار. عالم الأشكال أو الأفكار هو الوجود أو الواقع المثالي الذي يعد كل شيء في العوالم الأدنى انعكاساً جزئياً وغير كاملاً له. وضح أفلاطون (عليه السلام) هذا الأمر في أمثولة الكهف المعروفة، حيث يتحدث أفلاطون (عليه السلام) عن سجناء مقيدين في كهف، وخلفهم نار، وبينهم وبين النار أناس يحملون دمى أو أشكال أخرى. الظلال المتراقصة على الحائط هي أشكال وهمية، وهي إنعكاسات لحقيقة أعلى. هذا هو المستوى الحقيقي للوجود الذي يتواجد فيه كل شيء في شكله الحقيقي والمطلق والخالد والغير متغير. كل الأحلام الواعية تحدث هنا.
رأى الكثير من المؤمنين الذين آمنوا بهذا الدين أحلاماً ثبتت إيمانهم، وطلب غيرهم قبل إيمانهم علامة من الله فأعطاهم رؤى صادقة. وعلى مدار العقدين الماضيين، تلقى الإمام أحمد الحسن (منه السلام) المئات والآلاف من الرؤى من جميع أنحاء العالم مثل العراق وإيران ومصر والأردن وألمانيا والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتركيا وأذربيجان وباكستان وتايلاند وأوروغواي والسودان وإسبانيا وماليزيا وفلسطين وتونس والإمارات والمغرب وموريتانيا على سبيل المثال لا الحصر. هناك عدد كبير جداً يفوق إمكانية إدراجه هنا، لكننا نرجو من القارئ أن يتأمل في هذه الحقيقة ويسأل نفسه: ما هي إحتمالية حدوث ذلك؟ من المؤكد أنه لا يمكن وصف حجم هذه الظاهرة وإمتدادها بكونها مجرد «ظاهرة عشوائية» أو «أوهام». فيما يلي بعض من الأمثلة على أحلام كثيرة رآها المؤمنون وأكدت لهم صدق هذا الدين.
كانت سوسن بتول تعيش في المملكة المتحدة في عام ٢٠١٥ وهي تروي لنا التالي:
«رأيت هذا الحلم وأنا في الحادية عشر من عمري وكنت قد سمعت للتو بهذه الدعوة. في المنام رأيت أنني كنت في مسجد ونظرت إلى شخصين لم ألتقِ بهما من قبل، أحدهما كان أبا الصادق (منه السلام) والشخص الآخر كان الإمام أحمد الحسن (منه السلام)، ولسبب ما لم أكن قد رأيتهما أو سمعت عنهما من قبل، لكنني كنت أعرفهما وأعرف أسماءهما. كان أبا الصادق (منه السلام) قد أعطاني قلماً وورقة، وعلى هذه الورقة أراني وصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). نظرت إلى الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وكان خلفه صورة للإمام الحسين (منه السلام)، وعلى الفور أدركت أن أحمد الحسن هو الإمام الحسين (منه السلام)، ومن هنا آمنت بهذه الدعوة. وبعد أن رأيت هذا الحلم ذهبت إلى منزل عمي في أحد الأيام، وهناك رأيت صورة لأبا الصادق (منه السلام)، عرفته على الفور وأتذكر أنني كنت أحاول أن أتذكر اسمه إلى أن قالوا لي «أبا الصادق»، قلت «نعم هذا هو الاسم».
في عام ٢٠١٥، أثناء إقامته في مصر، روى حميد رضا سغاري، الذي نشأ في المملكة المتحدة، مشاهدته لأحلام تتعلق بوصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«رأيت أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءني وجلس بجواري، ثم أشار إلى جانبه الأيمن، فقال لي في الحلم: «هذا هو عبد الله المذكور في الوصية (أي وصيته)». وعندما نظرت إلى جانبه الأيمن كنت أنت، عبد الله هاشم أبا الصادق، جالساً». وقد رأى حميد رضا أيضاً حلم عن واقعة الصلب حيث قال: «رأيت حادثة صلب عيسى (عليه السلام)، وكان يُصلب على الصليب، وكان الكثير من الناس يبكون عليه، ثم ظهرت صورة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في السماء وصورة لي وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرح لي أن المصلوب على الصليب لم يكن عيسى نفسه، بل كان أبا الصادق عبد الله هاشم».
في ٢٠١٦ روت كارولاين من ألمانيا - وقد كانت سابقاً من اللاأدريين - التالي:
«كنت قد آمنت بالإمام أحمد الحسن (منه السلام) قبل دعوة الرايات السود المشرقية في عام ٢٠١٥، وكنت أسأل الله بإستمرار أن يريني وجه الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في رؤيا ولكن كلما كنت أراه كان هناك دائماً حجاباً من نور على وجهه يمنعني من رؤيته. ولكن بعد فترة قصيرة من دخولي دعوة الرايات السود المشرقية رأيت في رؤيا أنني كنت واقفة فى مبنى ووصلتني رسالة على الهاتف من أبا الصادق. أخبرني أن أخرج إلى الشرفة وسوف يريني الإمام أحمد الحسن أخيراً. خرجت إلى الشرفة ورأيت أبا الصادق واقفاً مبتسماً ويشير إلى الأمام أحمد الحسن. وكانت أول مرة أرى فيها وجهه الحقيقي. ركضت نحوه وعانقته وأنا أقول «بابا». كان هذا دليل كبير على أن أبا الصادق هو باب الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ولا يمكننا أن نلتقي بأحمد الحسن ونراه ونعرفه إلا من خلال أبا الصادق».
في ٢٣ مارس ٢٠٢٢ روت فيرونيكا والتي هي في الأصل من أوروغواي وتعيش في إنجلترا التالي:
«كان أبا الصادق (منه السلام) على جانبي الأيمن، وكانت هناك أرقام تطفو من حوله. وكان يقول لي أحمد الحسن (منه السلام): «انظري كيف نصف الكون كله بـعشرة أرقام فقط وتركيباتها من صفر إلى ٩. تخيلي كيف سيكون الأمر عندما يتم الكشف عن الـ ٢٧ حرف». كنت أعلم أنك أنت، عبد الله هاشم أبا الصادق، من سيكشف الـ ٢٧ حرف (تقصد حروف العلم الـ ٢٧). كان الإمام (منه السلام) واقفاً على يساري ويشير إلى أبا الصادق. في هذا الحلم لم تكن هناك أشكال أو كلمات، ولكني رغم ذلك رأيت وعرفت الإمام وأبا الصادق (منهما السلام) وكنت أعرف أين هما ورأيت الأرقام تطفو حول أبا الصادق (منه السلام) وفهمت الرسالة. بعد ذلك استيقظت، ثم غفوت مرة أخرى، وظهر وجهي وكُتب بأحرف من ذهب: «بارك الله بك»، وما أن انتهت الكتابة استيقظت مرة أخرى».
هذه الأمثلة هي بعض من آلاف الأحلام التي وثقناها وهي تُبين تنوع وتعدد الرؤى الصادقة التي تزيد من يقين الإنسان في هذا الدين، وتكون مصدراً للطمأنينة للمؤمنين، وتسديداً لمن اختار أن يُلبي هذه الدعوة الإلهية.