مفهوم العصمة هو أساس التعاليم الدينية، حيث لدينا في الكاثوليكية على سبيل المثال العصمة البابوية ولدينا في الإسلام عصمة الأنبياء والأئمة. تُقّر جميع الأديان بوجود درجة معينة من العصمة للأنبياء والمرسلين، لكنهم اختلفوا في مفهوم عصمتهم، فهل هم معصومون أم لا؟ هل يقترفون أخطاء أم لا؟ هل يمكن أن يرتكبوا ذنوباً أم لا؟ هذه المسألة في حد ذاتها دفعت المسلمون إلى التسرع في رفض أي آية من الكتاب المقدس والتوراة تنص على ما يعتبرونه ذنباً أو خطأ بدر من نبي، حتى رفضوا الكتاب المقدس ككل. عمد رواة الأحاديث وعلماء الديانات الإبراهيمية الثلاثة إلى فبركة روايات وقصص للتستر على أخطاء وذنوب الأنبياء والمرسلين، ولكن هل كان الأنبياء والرسل كاملين؟ هل كانوا معصومين منذ الولادة وحتى الموت؟ هل ارتكبوا أخطاء؟ ولماذا ارتكبوا أخطاء؟ وما هو سبب ومصدر هذا النقص؟ وإذا ارتكبوا أخطاء، كيف نثق بهم؟ وهل هناك أنبياء أو رسل لم يخطئوا؟ هل ارتكبوا ذنوب؟ وما هو نوع الذنوب التي ارتكبوها؟
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «إذا كنت ترى في ذلك فائدة، كنت أود أن أطلب الإذن لكتابة وتسجيل محاضرة حول العصمة وكيف أنها ليست كما يعتقد الناس، وأود أن أذكر الفروق بين العصمة الذاتية والعصمة المكتسبة، أود أن أشير أيضاً إلى أن الأنبياء قد ارتكبوا أخطاء قبل إرسالهم كأنبياء وحتى أثناء مسيرتهم كأنبياء، فبدون هذا المفهوم سوف يعتقد الناس أن النبي معصوم من الولادة وحتى الموت ولا يخطئ أبداً، بينما العكس هو الصحيح».
أجاب الإمام (منه السلام): «هذا هو الخطأ، هذا المعتقد الباطل، إنه شيء مفيد [أن تقدم على ذلك]، وفقك الله لكل خير».
لفهم هذه الفكرة، لابد أن نقف عند التعريف الصحيح للعصمة، المعصوم هو من لا يُخرج إنسان من هدى ولا يدخله في ضلال. سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن هذا الأمر وأوضح لي أن هناك نوعان من العصمة:
ذات يوم أعطاني الإمام أحمد الحسن (منه السلام) نصيحة للمؤمنين:
«أرسِل سلامي لكل المؤمنين والمؤمنات وأخبرهم أن أبيهم يقول لهم (استفيدوا من المؤمنين الذين جاءوا قبلكم ونصروا الأنبياء والأولياء وأهل البيت (عليهم السلام) واستفيدوا كذلك من أخطائهم، والله هو الموفق)».
لقد حفظ التاريخ أخطاء المؤمنين والأنبياء والمرسلين لكي نتعلم منها.
إن آدم (عليه السلام) في اليهودية والمسيحية والإسلام هو أول نبي يُعيّنه الله، وعلى الرغم من أنه كان معصوماً، إلا أنه ارتكب خطأً عظيماً لأنه لم يكن معصوماً عصمة ذاتية. وتمثل هذا الخطأ في عصيانه لأمر مباشر من الله سبحانه وتعالى حينما نهاه عن الأكل من الشجرة، ورغم ذلك أكل آدم من الشجرة واتبع وسوسة إبليس:
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَـٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾.
إذن من الواضح أننا لدينا هنا نبياً ورسولاً - بل أول نبي ورسول - يعصي الله تعالى الذي أرسله، ويطيع الشيطان ويأتمر بأمره.
كان نوح نبياً ورسولاً مبعوثاً من الله، وقد وعده الله بنجاة جميع الصالحين وأنهم سيرثون الأرض معه. كان هذا وعد الله لنوح (عليه السلام)، وقد آمن به نوح وبشر به على مدار تسعمائة وخمسين عاماً كاملة، وعلى الرغم من أن نوح كان نبياً من أولي العزم، إلا أنه شكك في حكم الله واتهم الله بعدم الوفاء بوعده له، ورد في القرآن الكريم:
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّارًا ۞ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓا۟ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾.
وفي سورة هود:
﴿وَقِيلَ يَـٰٓأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءَكِ وَيَـٰسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ۞ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ ۞ قَالَ يَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ إِنِّىٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ﴾.
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«أخطأ نوح (عليه السلام) حين قال الله تعالى دع أهلك يصعدون إلى السفينة ولم يصعد ابنه، كان يظن أن ابنه من أهله فسأل الله عن هذا وهو كان يظن أن الله وعده أن ينجي أهله فهلك ابنه».
إذن، شكك نوح (عليه السلام) في وعد الله له، والتشكيك في الله هو شكل من أشكال الإيمان غير الكامل. نعلم أيضاً أن نوح (عليه السلام) لم يكن صبوراً مع قومه وطلب من الله أن ينزل عليهم الطوفان. لقد تناولنا هذا في الباب الثاني من هذا الكتاب وقد وبخه الله على ذلك بينما فرح إبليس بدعاء نوح (عليه السلام) على قومه. المعنى الضمني هنا هو أن إبليس أوحى لنوح (عليه السلام) بأن يدعو بنزول العذاب على قومه بينما أراده الله أن ينتظر ويصبر لأنه سبحانه كان يريد أن يمنح الناس المزيد من الوقت لكي يتوبوا.
يبدو أن هذا هو السبب الذي جعل الإمام أحمد الحسن (منه السلام) يقول في خطابه:
«وأنا وأعوذ بالله من الأنا لن أدعو بتعجيل العذاب ونزوله بكم وإن كنت أراه قد أظلكم، وسأصبر ولو شاء الله ألف عام حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولن أشكوكم إلى الله».
وهكذا وبخ الله نوحاً وأمره ألا يكون من الجاهلين.
طلب موسى (عليه السلام) أيضاً المغفرة من الله وأقر بوضوح في القرآن الكريم بالخطأ الجسيم الذي ارتكبه ألا وهو قتل المصري.
﴿وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِۦ ۖ فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۖ إِنَّهُۥ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ۞ قَالَ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَٱغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُۥٓ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾.
ينص القرآن الكريم على خطأ جسيم آخر ارتكبه موسى (عليه السلام) ثم تاب منه:
﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
قلت: «أبي، بعض الأنبياء كروا مرات عديدة كأنبياء أو مرسلين، هل كانت لموسى أي كرة أخرى؟».
قال الإمام (منه السلام): «من الأنبياء، موسى (عليه السلام) [كر فقط] كموسى (عليه السلام)».
قلت مندهشاً: «كر فقط كموسى؟ لأن هابيل كر كهارون ويوسف كر كإرميا وإيليا كر كيحيى بن زكريا وهناك أنبياء آخرون كروا كأنبياء آخرين، وموسى نبي عظيم».
قال الإمام (منه السلام): «هذا أمر الله».
قلت: «سبحان الله وما العلة في ذلك أبي؟».
قال (منه السلام): «لأن موسى (عليه السلام) أخطأ كثيراً وكان فضولياً جداً».
قلت: «لكنه كان أفضل من يوسف وهارون».
قال الإمام (منه السلام): «نعم في زمانه كان أفضل لكن قبلها [قبل كرته كموسى] ليس أفضل. بسبب خطأ ما أصبح كذلك ولم يكن في كراته بعد موسى (عليه السلام) نبي أو وصي».
قلت: «سبحان الله، أرجوك أبي، إن كنت فضولي وأسأل كثيراً أو أفعل شيئاً سوف يهلكني كن شديداً معي وأوقفني».
قال الإمام (منه السلام): «كنت أعرف أنك سوف تقول هذا وكنت أنتظرك تقول هذا، فضول موسى كان يتعلق بالذات الإلهية، كيف ولماذا ولماذا هكذا ولماذا لم يكن هكذا وأنت تعرف الباقي، حتى تجرأ على الله وطلب أن يراه جهراً».
فكر يوسف (عليه السلام) في امرأة متزوجة تدعى زليخة وفكرت هي فيه، وكان هذا خطأ أقر به يوسف (عليه السلام) نفسه، وقد سُجلت هذه الخطيئة التي كانت شبيهة بالزنا، في القرآن الكريم:
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِۦ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَآ أَن رَّءَا بُرْهَـٰنَ رَبِّهِۦ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ﴾. وورد كذلك: ﴿وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
لم يكن التفكير في امرأة متزوجة هو الذنب الوحيد الذي اقترفه يوسف (عليه السلام)، بل كانت خطيئته أخطر من ذلك، ولكن القرآن الكريم أخفاها، ليكشف عنها الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في هذا الزمان. ذات يوم كنت أتحدث معه (منه السلام) وسألته عن هذا الأمر:
قلت: «أبي، ماذا كان خطأ يوسف؟».
قال الإمام (منه السلام): «ما فعله مع زليخة».
قلت: «ماذا فعل مع زليخة؟».
قال الإمام (منه السلام): «فعل كل شيء معها إلا أنه لم يجامعها».
سألته (منه السلام): «لكن أبي لماذا حُسبت أخطاء؟ الزنا في حالة يوسف أو القتل في حالة موسى، في حين أنها لم تكن ذنوب، حيث نعرف أن الملك المنصب إلهياً فوق القانون والشريعة».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، لكنهما لم يعرفا ذلك في وقتها، عرفا ذلك لاحقاً».
قلت: «بالنسبة لموسى (عليه السلام) نعرف أن قتل المصري كان مقبولاً لأنه كان من أبناء قابيل، أي من ذرية إبليس، لكن ماذا عن يوسف وداود، كيف كان مسموحاً لهما أن تكون لهما علاقة مع نساء متزوجات؟ هل فقط لأنهما فوق القانون؟».
قال الإمام (منه السلام): ﴿وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾.
قلت: «فهمت، الآية لا تحدد ما إذا كانت المرأة التي تريد أن تهب نفسها متزوجة أم لا. وكذلك في القرآن الكريم: ﴿ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾، وفي الروايات أن الإمام «يرث الأرض وما عليها».
قال الإمام (منه السلام): «بالضبط».
وقد ارتكب يوسف (عليه السلام) خطأً آخر وهو أنه طلب العون من الخلق بدلاً من الخالق. ﴿وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾.
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن الله كان قد قدر ليوسف ثلاث سنوات من السجن، لكن بسبب هذا الذنب أضاف إليها أربع سنوات أخرى.
لقد ارتكب يوشع بن نون (عليه السلام) خطأً كان سببه الشيطان حيث نسي الموضع الذي ترك فيه الحوت. ورد في القرآن الكريم:
﴿قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥ ۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا﴾.
ورد ذكر يونس (عليه السلام) والأخطاء التي اقترفها في القرآن الكريم والتوراة، حيث حاول أن يتخلى عن تكليفه بالكامل وأن يهرب من الله عندما لم ينزل الله العذاب على نينوى كما كان قد وعد. كما أنه غضب من الله:
﴿وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾.
وقال تعالى أيضاً:
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ۞ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ۞ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ ۞ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ۞ فَلَوْلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ۞ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۞ فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ۞ وَأَنۢبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ۞ وَأَرْسَلْنَـٰهُ إِلَىٰ مِا۟ئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ۞ فَـَٔامَنُوا۟ فَمَتَّعْنَـٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍ﴾.
سأل علي الغريفي الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل أنا إيليا المذكور في التوراة؟ لأن اسم إلياس وقصة إلياس في بعض روايات المسلمين هي نفسها قصة إيليا».
قال الإمام (منه السلام): «إلياس (عليه السلام) غير إيليا (عليه السلام). التاريخ لم يتمكن من ذكر إلياس وتشابه الأمر على الناس فظن الناس أن إلياس هو إيليا (عليهما السلام)، مثل عاميد (عليه السلام) لم يذكره التاريخ وغيره الكثير من الأنبياء (عليهم السلام) لم يذكرهم التاريخ والبعض منهم ذُكر لكن على مستوى ضعيف وبمرور الزمن وبالحروب والغزوات سُحقت هذه الكتب التي ذكرتهم».
سأل علي الغريفي: «هل لإسم إلياس علاقة بآل ياسين كما يقول بعض رجال الدين؟».
قال الإمام (منه السلام): «إلياس (عليه السلام) كان السيد علي بخلقه ومنطقه وخلقته وكان رجل طاهر القلب وطيب وخدوم لكن قبل أن يكون نبي أو يُكلّف بالرسالة كان رجل كثير الهرولة خلف النساء والملذات. إلياس (عليه السلام) كان كثير الأخطاء وكان دائماً سريع الحكم على الأمور. إن كان هناك شخص يريد أن يعرف إلياس (عليه السلام) فلينظر إلى ولدي علي (عليه السلام)».
قال علي الغريفي: «سبحان الله، لمن بُعث ومن هم قومه سيدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «إلياس (عليه السلام) هو أحد أنبياء بني إسرائيل».
قال علي الغريفي: «لأي منطقة بُعث وأين عاش سيدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «إلياس بعث إلى فلسطين (أورشليم)».
قال علي الغريفي: «هل كانت لي كرات بعد زمن إلياس وقبل هذه الكرة، وهل كانت لي كرة مع آل البيت (عليهم السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم كان لك كرة مع الحسين وكان لك دور مشرف».
قال علي الغريفي: «من كنت سيدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «وهب النصراني».
قال علي الغريفي: «أي قُتلت مع الحسين (عليه السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «وهب أفضل من إلياس لأنه نصر الحق في زمن الحسين (عليه السلام)، في زمن عز فيه الناصر».
قال علي الغريفي: «سيدي هل كانت لي كرة بعد وهب النصراني وهل كانت مع آل البيت (عليهم السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «الكرة قبل الأخيرة كنت فيها رجل غني لكن معاق. إنسان مُكلَّف وكنت سخياً جداً ولم تنجب أولاد وأعطيت كل أموالك إلى اليتامى قبل موتك».
قال علي الغريفي: «كيف سيدي وهل هذا كان في زمن أحد الأئمة (عليهم السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «كان قبل حوالي ٥٠٠ سنة».
قال علي الغريفي: «هل هذا الرجل السخي كان أفضل من وهب النصراني؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا إطلاقاً».
قال علي الغريفي: «هل هذا معناه أنني ضيعت حظي في الكرة السابقة ولم أرتقي فأكون بمقام وهب أو أفضل منه؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا ولدي ليس هكذا تحسب الأمور، الكرة السابقة كانت لك بمثابة امتحان عظيم واختبار لك حتى توصلك إلى خاتمتك هذه».
قال علي الغريفي: «سيدي إذا تسمح لي بالسؤال، هل نجحت في ذلك الامتحان؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم ولدي نجحت، ولو كنت لم تنجح ما كنت الآن أحدثك ولا كنت قد سمعت بهذه الدعوة المباركة. إلياس (عليه السلام) اليوم هو قائد».
قال علي الغريفي: «في كل كرة نجتهد بدرجة معينة وعلى أساس تلك الدرجة يكون لنا دور في خدمة آل بيت محمد (عليهم السلام) وكلما اجتهدنا، كلما كان لنا دور أفضل في خدمتكم آل البيت (عليكم السلام)، يعني لو كانت عيوب إلياس وأخطاؤه أقل لكان له دور أكبر لأني وكما فهمت أنه لو قارنا إلياس بعيسى (عليه السلام) أو بنبي أفضل منه لوجدنا أن إلياس قد ضيع حظه».
قال الإمام (منه السلام): «نعم أحسنت ولدي».
قال علي الغريفي: «لذلك سيدي أطمع أن أصل إلى أعلى مراتب خدمتكم آل البيت ولكن الدرب طويل والزاد قليل والحال لا يحسد عليه لكن أريد أن أسرع المسير فالوقت قصير».
قال الإمام (منه السلام): «أحسنت، أتمنى لك الخير والتوفيق ولدي في خدمة دين الله الحنيف، دين الإسلام، بيقينكم وتسليمكم يسير المركب. ولدي أنت بذّرت كثيراً في وقتك، إن شاء الله سوف تستطيع تعويضه إن بادرت في ذلك بكل قوتك وقلبك وإخلاصك».
نتعلم من هذا الحوار العديد من النقاط الهامة، نتعلم أن الأنبياء والرسل قد ارتكبوا أخطاءاً وذنوباً في حياتهم قبل وبعد أن يكونوا أنبياء. لم يكونوا معصومين منذ الولادة وحتى الموت بل اكتسبوا العصمة بعد أن أصبحوا أنبياءاً، وبالتالي لم يكونوا معصومين عصمة ذاتية. نتعلم أيضاً أنه كلما قل عدد الأخطاء التي يقترفها النبي، كلما عظم مقامه، وكلما زادت أخطاؤه، كلما قل مقامه، وكل هذا يلعب دوراً في كراته المستقبلية. ولولا اجتياز الناس لكرات معينة، لما سمعوا بهذا الدين أو آمنوا به.
دعا إدريس (عليه السلام) على قومه بأن يذيقهم الله الجوع، وداود (عليه السلام) دبر لقتل أحد جنوده لأنه رغب في زوجته بثشبع، وشمشون (عليه السلام) أغوته دليلة، ولوط (عليه السلام) غادر سدوم وعمورة على مضض ويعقوب (عليه السلام) أعرض عن استقبال الرجل الفقير. أخطاء الأنبياء والمرسلين أكثر مما يمكن حصره. لقد أدرجنا هنا بعض منها والباقي نتركه للقارئ. وتضج الكتب المقدسة والروايات بمثل هذه الوقائع، تذكرةً بالجانب الإنساني للأنبياء والمرسلين. هذه الوقائع تجعلنا جميعاً نتساءل: لماذا اختار الله أشخاصاً غير كاملين وجعلهم رسلاً؟ هل أرسل الله رسلاً غير كاملين لأنه غير كامل وحاشاه أم أن البشرية نفسها يشوبها النقص بطبيعتها، بحيث يكون إرسال رسول كامل أمراً مستحيلاً؟
لماذا عصى آدم (عليه السلام) ربه عندما وسوس له إبليس؟ هل لأنه شك في الله؟ هل لأنه لم يستطع التمييز بين وحي الله ووسوسة الشيطان؟ أم أن إبليس نجح في أن يخدع الأنبياء متظاهراً بكونه ملاك من نور أو بكونه الله نفسه؟ هل لعب إبليس دوراً فعالاً في إرسال الأنبياء والمرسلين؟ في سفر التكوين نجد مواجهة غريبة بين النبي يعقوب (عليه السلام) وشخص غريب اعتقد يعقوب أنه الله.
«ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَصَحِبَ مَعَهُ زَوْجَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلادَهُ الأَحَدَ عَشَرَ، وَعَبَرَ بِهِمْ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ، وَلَمَّا أَجَازَهُمْ وَكُلَّ مَالَهُ عَبْرَ الْوَادِي، وَبَقِيَ وَحْدَهُ، صَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. وَعِنْدَمَا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَتَغَلَّبْ عَلَى يَعْقُوبَ، ضَرَبَهُ عَلَى حُقِّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ مَفْصِلُ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ لَهُ: «أَطْلِقْنِي، فَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «لا أُطْلِقُكَ حَتَّى تُبَارِكَنِي». فَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟». فَأَجَابَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لا يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ إِسْرَائِيلَ (وَمَعْنَاهُ: يُجَاهِدُ مَعَ اللهِ)، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». فَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: «أَخْبِرْنِي مَا اسْمُكَ؟». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟». وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ فَنِيئِيلَ (وَمَعْنَاهُ: وَجْهُ اللهِ) إِذْ قَالَ: «لأَنِّي شَاهَدْتُ اللهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ وَبَقِيتُ حَيًّا». وَمَا إِنْ عَبَرَ فَنِيئِيلَ حَتَّى أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَسَارَ وَهُوَ عَارِجٌ مِنْ فَخْذِهِ لِذَلِكَ يَمْتَنِعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْ أَكْلِ عِرْقِ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخْذِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، لأَنَّ الرَّجُلَ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا».
هل كان هذا الذي صارعه يعقوب (عليه السلام) هو الله حقاً؟ ولماذا صارعه يعقوب (عليه السلام) إذا كان هو الله؟ لماذا كان يعقوب يسأل عن اسمه ويطلب منه أن يباركه؟ إن أحد معاني اسم إسرائيل بالعبرية هو «الذي صارع الله» ولكنه باللغة العربية يعني «عبد الله». من المؤكد أن الشخص الذي كان يصارع يعقوب (عليه السلام) لم يكن الله بل كان الملاك الهابط، إبليس. ويبدو أن يعقوب (عليه السلام) وجد صعوبة في التمييز بين الاثنين، الله وإبليس. كان للاسم الذي أُطلق على يعقوب، «إسرائيل»، معنى مزدوج، لأن يعقوب (عليه السلام) تصارع بالفعل مع إبليس وكان عبداً لله أيضاً. وكما نرى فإن الأنبياء والمرسلين كانوا غير كاملين وغير قادرين في بعض الأحيان على التمييز بين الله وإبليس، وبالتالي تلقوا الوحي من كليهما وأُرسلا من كليهما. فكل مرة كان يرسل الله فيها نبياً، كان إبليس دائماً يحاول أن يغويه ويتظاهر بأنه الله ويوحي له بالقيام بأشياء تجلب له العناء لاحقاً أو تجعله ينحرف عن طريق الله ورسالته الأصلية.
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل أرسل إبليس من مضى من الأنبياء؟». ثم سكتُّ.
بدأ الإمام (منه السلام) يضحك ثم قال: «بني أعلم ذلك لكن هذه الكلمات ليست تامات، أضحكتني بني».
قلت: «لماذا أبي؟».
قال الإمام (منه السلام): «لأنك سكت وما زلت أضحك». بدأت أضحك على ضحكه (منه السلام) لكني لم أفهم سبب ضحكه.
قلت: «أرجوك أبي، بحق ضحكتك، أخبرني هل أرسل إبليس كل الأنبياء قبل عيسى المسيح (عليه السلام) والآن جعلهم الله يكروا جميعاً بفضلك؟ أم كيف حدث الأمر؟».
قال الإمام (منه السلام): «فداك الكون، نعم وحقك».
قلت: «سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله…حصلوا على فرصة ثانية لأنهم جميعاً ظنوا حقاً أن إبليس هو الله؟؟».
بدأ الإمام (منه السلام) يضحك مجدداً وقال: «بوركت لأنك جعلتني أضحك، إلى الآن أضحك، وأبا جعفر (عليه السلام) جالس أمامي يضحك ولا يدري على ماذا أضحك».
قلت: «إذن أبي، هل تقصد أن الكلمات الغير تامات كانوا هم الأنبياء؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «وفي ذلك الوقت لم تكن أرواحهم بنفس القوة وكانت مشوبة بالظلمة؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «إذن كانوا يأخذون أوامراً من الله ومن إبليس في نفس الوقت؟».
قال الإمام (منه السلام): «أعطيك مثال، روح يوسف (عليه السلام)، متى أفضل؟ الآن أم قبل بضع آلاف من السنين؟».
قلت: «حسب ما تعلمته منك يجب أن يكون الكل أفضل اليوم مما كان سابقاً».
قال الإمام (منه السلام): «أحسنت، وهذا لأنك اليوم قائم، يا قائم آل محمد (ص)».
قلت: «يعني في وقتها كنت ائتمر في بعض الأمور بأمر إبليس؟».
قال (منه السلام): «بالضبط».
قلت: «إذن قصة مصارعة يعقوب للملاك، والتي مكتوب فيها أنه صارع الله، هذا كان إبليس أليس كذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم صحيح، وانظر ما حل به اليوم، انظر واستوعب خطورة الأمر، لو تمعنت النظر به بعمق لرأيت كم هو خطير وخطير جداً».
قلت: «أبي، قبل عيسى المسيح (عليه السلام)، هل كانت الكتب والشرائع مزيج من وحي الله ووحي إبليس؟».
قال الإمام (منه السلام): «بالضبط بني، فالأنبياء لم يكونوا يستطيعوا بث الدين التام في الناس، كان صعباً بل في بعض الأحيان مستحيلاً، إن كنت ترى وفي هذا الوقت والمفروض معنا أفضل أنصار على وجه الأرض، ونحن نغطي ونداري الكثير من الأمور الحق خوفاً على الناس، لا نستطيع البوح بها، فكيف في تلك الأزمنة؟».
قلت: «صحيح، لكن هل كان إبليس (لعنه الله) يوحي للأنبياء في وقتها بآيات مثلاً في الكتب السماوية فيختلط عليهم الأمر ظناً منهم أنها من الله؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم يفعل، والدليل على ذلك خطأهم والمشاكل التي حصلت في بعض مراحل دعواتهم».
قلت: «وبعدك هل سيتكرر هذا الأمر؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا، لن يعود، اطمأن نور عيني».
تدبرت في سبب ضحك الإمام (منه السلام)، وذكرني ذلك بالنص الغنوصي «الرسالة الثانية لشيث العظيم» من مخطوطات نجع حمادي، حيث قال عيسى (عليه السلام):
«كان آدم أضحوكة، لأن الشيطان جعله نوعاً مزيفاً من الرجال، كما لو كان أقوى مني ومن إخواني. نحن أبرياء منه لأننا لم نذنب. وكان إبراهيم وإسحاق ويعقوب أضحوكة، لأنهم، وهم الآباء المزيفون، مُنحوا إسماً من قبل الشيطان، كما لو كان أقوى مني ومن إخواني. نحن أبرياء منه لأننا لم نذنب. كان داود أضحوكة لأن ابنه سُمي ابن الإنسان بعد أن تأثر بالشيطان، كما لو أنه أصبح أقوى مني ومن أبناء جنسي، لكننا أبرياء منه. نحن لم نذنب. كان سليمان أضحوكة، لأنه كان يعتقد أنه المسيح، بعد أن أصبح مغروراً بسبب الشيطان، وكأنه أصبح أقوى مني ومن إخواني. لكننا أبرياء منه. أنا لم أذنب. كان الأنبياء الاثنا عشر أضحوكة، لأنهم جاءوا تقليداً للأنبياء الحقيقيين. لقد خرجوا إلى الوجود وكانوا مزيفين من خلال الشيطان، كما لو أنه أصبح أقوى مني ومن إخواني. لكننا أبرياء منه لأننا لم نذنب. موسى، الخادم الأمين، كان أضحوكة، وقد سُمي «الرفيق»، لأنهم شهدوا شهادة منحرفة لمن لم يعرفني قط. لا هو ولا من قبله، من آدم إلى موسى ويوحنا المعمدان، لم يعرفني أحد ولا إخواني. لأنهم كانت لديهم عقيدة الملائكة باتباع شرائع الطعام والعبودية المُرة، لأنهم لم يعرفوا الحقيقة قط، ولن يعرفوها. لأن هناك خديعة كبيرة على نفوسهم، تحيل بينهم وبين العثور على الحرية لكي يعرفوه، إلى أن يعرفوا ابن الإنسان. أما بالنسبة لأبي، فأنا هو الذي لم يعرفه العالم، ولهذا قام (العالم) عليّ وعلى إخواني. لكننا أبرياء منه. نحن لم نذنب».
هنا أدركت أن جميع الأنبياء والمرسلين الذين جاءوا قبل عيسى المسيح (عليه السلام) كانوا غير كاملين. كانوا مثل أبيهم آدم (عليه السلام). عَيّن الله آدم (عليه السلام) وتلقى آدم وحياً منه، قال الله تعالى:
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
وكان آدم (عليه السلام) أيضاً يسمع وسوسة إبليس، لذلك ورد قوله تعالى:
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ﴾.
كانت لآدم (عليه السلام) أيضاً إرادة حرة فاختار أن يطيع الله في بعض الأحيان ولكنه اختار أيضاً أن يطيع إبليس ولذلك جاء في القرآن الكريم:
﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ۞ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
لم يتوقف إبليس عند آدم (عليه السلام)، بل تدخل في رسالات جميع الأنبياء والمرسلين بعد آدم (عليه السلام) وحاول إغواءهم، وقد نجح في هذا التدخل إلى حد ما معهم جميعاً، والدليل على تدخله واضح في أخطائهم. قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
ومن هنا كانت الحاجة إلى مجيء رسل يستطيعون مقاومة إبليس وغوايته، وكانت الحاجة إلى مجيء أنبياء ومرسلين يستطيعون التمييز بين كلام الله وكلام الشيطان بشكل قاطع، ويكون بمقدورهم ألا يقعوا في فخ غواية إبليس ويعرفوا الكلمات الحق ويطيعوا الله طاعة تامة. وكان عيسى (عليه السلام) أول المرسلين الذين كانت لديهم تلك القدرة.
كان عيسى (عليه السلام) بمثابة بداية جديدة في سلسلة الأنبياء والمرسلين وهناك أدلة كثيرة على ذلك. يقول الإمام الصادق (منه السلام) في دعاء طويل له:
«...وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء فكلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران وبطلعتك في ساعير وظهورك في جبل فاران…».
وورد أيضاً في سفر التثنية:
«فَقَالَ: «جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، وَأَتَى مِنْ رِبْوَاتِ الْقُدْسِ، وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ».
وبالتالي، فبينما ذُكر موسى (عليه السلام) بالاسم، وُصِف عيسى (عليه السلام) بكونه طلعة الله في ساعير، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونه ظهور الله في فاران. وكما نعلم فإن شروق الشمس أو فجرها هو أول حركة تقوم بها الشمس قبل ظهورها، وقبل ذلك يكون ظلام. لذلك كان عيسى (عليه السلام) أكثر الأنبياء والمرسلين كمالاً وكان المترجم الأكثر كمالاً لكلمات الله والصورة الأكثر كمالاً لله في الخلق عندما ظهر. فمن آدم إلى يحيى بن زكريا (عليهم السلام) كان عيسى المسيح (عليه السلام) أعظمهم جميعاً وأكملهم. صرح عيسى (عليه السلام) بهذه الحقيقة وصرح بحقيقة أن جميع الأنبياء الذين كانوا قبله كانوا غير كاملين. يقول عيسى في إنجيل يوحنا:
«جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«لا فرق بين عيسى (عليه السلام) والحسين بن علي (عليه السلام) في المقام».
ونحن نعلم أن عيسى (عليه السلام) كان جبرائيل (عليه السلام) وكان السادس تحت الكساء. ولمن لا يعلم بتلك الرواية، إليكم مقتطف منها عن السيدة فاطمة الزهراء (منها السلام):
«...فَقالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يا مَلائِكَتِي وَيا سُكَّانَ سَماواتِي، إنِّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذِينَ هُم تَحتَ الكِساءِ. فَقالَ الأمِينُ جبرائِيلَ: يا رَبِّ وَمَن تَحتَ الكِساءِ، فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: هُم أهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ، هُم فاطِمَةُ وَأبُوها وَبَعلُها وَبَنُوها. فَقالَ جَبرائِيلُ: يا رَبِّ أتَأذَنُ لِي أن أهبِطَ إلى الأرضِ لأَكُوَنَ مَعَهُم سادِساً، فَقالَ اللهُ: نَعَم، قَد أذِنتُ لَكَ، فَهَبَطَ الأمِينُ جَبرائِيلُ وَقالَ: السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسُولَ اللهِ، العَلِيُّ الأعلى يُقرِئِكَ السَّلامُ وَيَخُصُّكَ بِالتَّحِيَّةِ وَالإكرامِ وَيَقُولَ لَكَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي إنِّي ما خَلَقتُ سَّماءً مَبنِيَّةً وَلا أرضاً مَدحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجرِي وَلا فُلكاً يَسرِي إلاّ لأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم. وَقَد أذِنَ لِي أن أدخُلَ مَعَكُم فَهَل تَأذَنَ لِي يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ: عَلَيكَ السَّلامُ يا أمِينَ وَحيِ اللهِ، إنَّهُ نَعَم قَد أذِنتُ لَكَ فَدَخَلَ جَبرائِيلَ مَعَنا تَحتَ الكِساءِ. فَقالَ لأبِي: إنَّ اللهَ قَد أوحى إلَيكُم يَقُولُ: إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً…».
وبما أنه تبين أن جبرائيل هو عيسى (عليه السلام)، فإننا أصبحنا نعرف الآن أن عيسى (عليه السلام) هو من أهل الكساء الذين كرمهم الله وطهّرهم تطهيراً من الرجس أو من وساوس الشيطان. كما أننا نعلم أن الله عز وجل قال في القرآن الكريم عن آخر نبي قبل عيسى (عليه السلام) وهو يحيى بن زكريا (عليه السلام):
﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾.
بينما ورد قول عيسى (عليه السلام) في القرآن الكريم:
﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
إذن عيسى (عليه السلام) يرسل السلام على نفسه، بينما يحتاج يحيى ومن قبله من الرسل إلى من يرسل السلام عليهم.
وقد قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة».
ومن بين جميع الأنبياء والمرسلين من آدم (عليه السلام) وحتى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان أفضلهم هما محمد وعيسى بن مريم (عليهما السلام).
قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«مريم أم المسيح (عليه السلام) كرت مرة ثانية كآمنة أم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)».
إذن، باختصار، نجد أن عيسى (عليه السلام) يمثل الرسول الكامل ويمثل طلعة الله وأن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الرسول الأكثر كمالاً وخليفة الله الأكثر كمالاً في الخلق، وكلاهما مطهّر من إغواءات الشيطان التي تأثر بها الأنبياء والمرسلين السابقين، فاختلطت رسالاتهم بالحق من الله وبشيء من الباطل الذي جاءهم من الشيطان. لم يطع عيسى ومحمد (عليهما السلام) الشيطان أو يشتبه عليهما الأمر. كما أن رفض عيسى (عليه السلام) لإغواءات الشيطان واضحاً وجلياً في الكتاب المقدس ومشار إليه لغرض معين. يغوي الشيطان عيسى (عليه السلام) ثلاث مرات ويرفض عيسى طاعته ثلاث مرات، مرة يغويه ليحول الحجر إلى خبز، ومرة يعرض عليه ممالك الأرض مقابل أن يطيعه، وفي المرة الثالثة أراد من عيسى (عليه السلام) أن يطرح نفسه من فوق سطح الهيكل.
ورد في إنجيل لوقا: «أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ. أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلًا: «مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ». ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». فَأَجَابَهُ يَسُوعُ وَقَالَ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ». وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ».
على عكس آدم (عليه السلام) الذي أطاع الشيطان عندما أغواه ووسوس له أن يأكل من الشجرة، رفض عيسى (عليه السلام) طاعة الشيطان ولم يطع إلا الله. ولهذا السبب مُنح الكثير من القدرات التي لا يمتلكها إلا الله، لأنه كان الرسول الأكمل وخليفة الله الأكمل وكان قادراً على عكس كل الصفات الإلهية. كان عيسى (عليه السلام) قادراً على التمييز بين الله وإبليس، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان صورة أكمل لله. وكان أوصياء عيسى (عليه السلام) وصولاً إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أفضل من كل الأنبياء الذين سبقوا عيسى (عليه السلام). وكان أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل وأكثر كمالًا من جميع الأنبياء والرسل والأوصياء السابقين الذين أتوا قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). (لاحظ أن عيسى يرجع كأحد أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)).
والسؤال الآن هو، هل أخطأ عيسى ومحمد (عليهما السلام)؟ كل مخلوق يحمل ولو شائبة من الظلمة لأن جميع الخلق هو نور مختلط بظلمة. ولا يوجد نور مطلق وخالص وكامل بلا ظلمة سوى الله. لذلك عندما دُعي عيسى (عليه السلام) صالحاً، أجاب:
«لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».
وطالما كان لدى الإنسان القليل من الظلمة، فإنه غير كامل لأن الكمال لله وحده. إذن، عيسى ومحمد (عليهما السلام) أخطأوا، لكن أخطاءهم لا تُعّد أخطاء مثل باقي أخطاء الأنبياء والمرسلين، حيث كانت أخطاء بسيطة وطفيفة. فبينما كان خطأ آدم هو المعصية، وخطأ نوح التشكيك في وعد الله، وخطأ موسى طلبه رؤية الله، كان خطأ عيسى (عليه السلام) ببساطة هو طلبه أن يبدل الله قدره، وكان خطأ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مجرد شعوره بالحرج تجاه أمر ما.
قلت: «أبي، هل كان لعيسى خطأ؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، بني».
قلت: «ماذا كان خطأه؟».
قال الإمام (منه السلام): «طلب أن يُصرف عنه الصلب».
قلت: «لماذا أبي؟ هل كان خائفاً من الموت بعد أن أحيا الموتى وصنع كل تلك المعجزات وكان يعلم أن الله موجود؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني، لم يرد أن يُقتل على يد هؤلاء، ولكن لا تبرز هذا الأمر كثيراً».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هناك أنبياء محا الله أسماءهم من ديوان النبوة وهناك أنبياء كاد الله أن يمحو أسماءهم من ديوان النبوة مثل موسى ويوسف (عليهما السلام)».
قلت: «سبحان الله، هل كان يوسف سيُمحا بسبب ما فعله مع زليخة؟».
قال الإمام (منه السلام): «لعدة أسباب، السبب الأول بسبب زليخة والسبب الثاني طلب العون من الحكام قبل طلبه من الله عز وجل. والسبب الثالث أعجب في يوم ما وغر بنفسه بسبب ملاحقة النساء له وحبهن له».
قلت: «أستغفر الله العلي العظيم».
قال الإمام (منه السلام): «أما بالنسبة لموسى (عليه السلام)، كان كثير الأسئلة والتحقيق وعديم الصبر. أنت تعلم كم هم الأنبياء والرسل الذين كادوا أن يخرجوا من ديوان النبوة؟».
قلت: «ثلاثمائة وثلاثة عشر؟».
قال الإمام (منه السلام): «موسى (عليه السلام) واحد منهم، يوسف ويعقوب ومحمد أيضاً».
قلت: «محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، في أواخر عمره».
قلت: «بسبب عدم رغبته في تبليغ أمر علي (عليه السلام)؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «لماذا لم يرد أن يبلغ؟».
قال الإمام (منه السلام): «كان يخاف ألسنة الناس ويستحي لأنه ابن عمه وزوج ابنته».
إن حادثة غدير خم مشار إليها في الآية التالية:
﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾.
على الرغم من أن هذه كانت أخطاء، إلا أنه لم يكن فيها طاعة لإبليس أو معصية لله، لم ينطق عيسى ولا محمد (عليهما السلام) بكلام إبليس ولم يطيعا أوامره ولم يقعا في غوايته، كانت رسالات عيسى ومحمد (عليهما السلام) في حياتهما محصنة تماماً من تأثير إبليس وكان كلامهما كله من الله، وكانت أقوال ورسالات أوصياء محمد، الأئمة والمهديين، مصونة بنفس الطريقة من تأثير إبليس ولذلك فإن الوصية وأصحابها عاصمة من الضلال.
قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة وفاته:
«ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً».
ومع ذلك، وكما تُظهر الروايات والتاريخ، لم تكن الخلافة الإلهية لعيسى ومحمد (عليهما السلام) وانتقالها من وصي لوصي انتقالاً سلساً.
ورغم الخلاف والنزاع، كتب النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصية بالفعل اتباعاً للسنة الإلهية، وذكر فيها بالتحديد أسماء خلفائه من بعده بدءاً من الإمام علي (منه السلام) وانتهاءاً بعبد الله وأحمد والمهدي. هؤلاء هم المحصنون من وحي إبليس ووساوسه، وهم من يعصموننا من الضلال كما وعد الله.
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي عليه السلام:
«يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصيته حتى إنتهى إلى هذا الموضع فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهديـاً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إماما، سمَّاك الله في سمائهِ علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي فمن ثبَّتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا بريء منها، لم ترني ولم أرها في عرصات القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فَسلِمها إلى إبني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ مُحَمَّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنه مُحَمَّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنه مُحَمَّد المُستحفظ من آل مُحَمَّد (عليهم السلام). فذلك إثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعدهِ إثنا عشر مهدياً (فإذا حضرته الوفاة) فليُسلَّمها إلى إبنهِ أول المهديين له ثلاثة أسامي: إسم كإسمي وإسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والإسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين».