إن القائم هو مخلص البشرية الموعود والمنتظر، ورد في الروايات أنه يدعو الناس إلى عهد جديد أو إسلام جديد، قال الإمام الصادق (منه السلام):
«إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثر وضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحق».
القائم هو من يؤسس دولة فعلية ووطن للمؤمنين، دولة عدل إلهي يُقام فيها حكم الله. والقائم هو من يرجع مع أرواح كل الأنبياء والمرسلين والصالحين ويقيم روابط أسرية جديدة تكون مبنية على الروابط في عالم الأرواح وليس صلة الدم.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أقوم حالياً بكتابة شيء عن الديانة وقد كتبت التالي «لقد جئنا بحقيقة تناسخ الأرواح ورجعة الأرواح إلى العالم أكثر من مرة، ونحن نعلم أن لكل روح أب، والأب في عالم الأرواح لا يكون بالضرورة الأب في العالم الجسماني، كل روح لها أب واحد ونحن نأتي إلى هذه الدنيا عدة مرات وفي كل كرة يكون الأب والأم والإخوة مختلفين، هذه هي العلامة والدليل القاطع الذي يُعرف به القائم، حيث قال الإمام الصادق (منه السلام): «إن الله اختار بين الأرواح في الأظلة ثم أسكنها الأبدان، فإذا خرج قائمنا ورّث الأخ الذي آخى الله بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ من الولادة الجسمانية. اعلمه من ذلك، ومن يعلم لا تبقى عليه بينة»، نحن نحتج الآن بعلم عالم الأرواح وبالتالي فإن قائم آل محمد معنا».
قال الإمام (منه السلام): «نعم ولدي، أحسنت».
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «قال الإمام الصادق (منه السلام): «إن المؤمن إذا كان عنده من ذلك شئ ينفقه على عياله ما شاء، ثم إذا قام القائم فيحمل إليه ما عنده، وما بقي من ذلك يستعين به على أمره، فقد أدى ما يجب عليه». وقال الإمام الصادق (منه السلام) أيضاً: «موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتيه فيستعين به على عدوه، وذلك قول الله ﴿الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم﴾». ما المقصود بهذه الرواية؟ أنه سيكون هناك زمان يحرم فيه القائم على الناس أموالهم؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «صحيح، [معناها] أن القائم هو الوحيد الذي سوف يساوي بين الناس في المعيشة بدون أي فرق، الكل سواسية».
يتضح من روايات آل البيت (منهم السلام) أن على المؤمنين تكليف مالي تجاه القائم (منه السلام). يتضح أيضاً من كلام الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن القيام قد بدأ بالفعل وأننا حالياً في القيام. يتبين كذلك من كلامه (منه السلام) أن أربعين بالمائة من القيام هو جمع الأموال لإقامة دولة العدل الإلهي، ولذلك فإنه واجب على كل الأنصار أن يسلموا كل ممتلكاتهم باستثناء ما يحتاجونه لقضاء احتياجاتهم الأساسية، وذلك من أجل أن يعينوا القائم على إقامة دولته. ويقتضي على الأفراد الذين يعملون ويتقاضون رواتب أن يسلموا شهرياً كامل رواتبهم بعد خصم ما يحتاجونه لمعيشتهم. ومن يملك عقارات وأراضي وغيرها من الممتلكات عليه أن يبيعها من أجل التبرع بها لإقامة دولة العدل الإلهي. إن إعانة القائم واجبة مهما كلف الأمر.
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «سوف أضرب مثالاً غير واقعي وهو مجرد مثال ولكني أود أن أسأل».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «لو سرق أحد من طاغية من أجل إعانة قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)...».
قال الإمام (منه السلام): «هذه ليست سرقة».
قلت: «وماذا عن الشخص الذي يتعامل بالربا من أجل أن يُعطي المال للقائم؟».
قال الإمام (منه السلام): «الربا لا، الربا أبداً غير جائز فهو قبيح جداً».
لا يعد هذا الأمر غريباً على من يؤمن بالأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، فقد ورد في سفر الأعمال أن المؤمنين قد باعوا منازلهم وسلموا أموالهم وكل ممتلكاتهم لرسل المسيح (عليه السلام) من أجل إقامة مجتمع للمؤمنين.
«وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ».
نفس الشيء وقع في مجتمع موسى (عليه السلام):
«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا لِي تَقْدِمَةً. مِنْ كُلِّ مَنْ يَحِثُّهُ قَلْبُهُ تَأْخُذُونَ تَقْدِمَتِي. وَهذِهِ هِيَ التَّقْدِمَةُ الَّتِي تَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَنُحَاسٌ، وَأَسْمَانْجُونِيٌّ وَأُرْجُوَانٌ وَقِرْمِزٌ وَبُوصٌ وَشَعْرُ مِعْزَى، وَجُلُودُ كِبَاشٍ مُحَمَّرَةٌ وَجُلُودُ تُخَسٍ وَخَشَبُ سَنْطٍ، وَزَيْتٌ لِلْمَنَارَةِ وَأَطْيَابٌ لِدُهْنِ الْمَسْحَةِ وَلِلْبَخُورِ الْعَطِرِ، وَحِجَارَةُ جَزْعٍ وَحِجَارَةُ تَرْصِيعٍ لِلرِّدَاءِ وَالصُّدْرَةِ. فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ».
وكثيرة هي الروايات التي تذكر أن أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين الأوائل أتوا بكل ثرواتهم وذهبهم ووضعوه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن يعترض على تسليم أمواله للقائم فهو ليس مؤمناً حقيقياً بدولة العدل الإلهي وبالقائم نفسه وقد أخفق في أداء التكليف الذي أمره الله به، إن إعانة القائم بما يحتاجه لتأسيس دولة العدل الإلهي هو الدين كله. ومن واجبات المؤمن الأخرى في زمن القائم هي أن يهاجر للقائم مهما كلف الأمر، تكثر الروايات بهذا الشأن وتنص على أنه حتى وإن كنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك الصندوق ولتأته ولو حبواً على ركبتيك أو حبواً على الثلج، قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون الخير ولا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا ولا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملؤوها جوراً فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج».
إذن الأمران الأساسيان المكلف بهما المؤمن عند قيام القائم هو أن يسلم له كل أمواله ويهاجر إليه حتى يخدم بين يديه في كل ما يكلفه به. وعلى نفس المنوال هاجر بني إسرائيل مع موسى (عليه السلام) وهاجر المسيحيون الأوائل مع عيسى (عليه السلام) ومع الحواريين من بعده (عليهم السلام) وهاجر المسلمون مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل إقامة مجتمع من المؤمنين.
القائم هو من يقوم ويتخذ خطوات فعلية لتغيير حال الناس. يعتقد المسلمون أن القائم هو الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن الإمام المهدي هو القائم ولكنهما في حقيقة الأمر شخصان مختلفان. عندما نشير إلى الإمام المهدي فإننا نتحدث عن الإمام الثاني عشر (صلى الله عليه وآله وسلم). وعندما نشير إلى قائم آل محمد (منه السلام) فإننا نتحدث عن شخص آخر.
انتظر المسلمون خروج القائم لأكثر من ألف وأربعمائة عام وانتظر كل الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) ظهوره، داعين الله أن يرجعوا معه لكي يعينوه على إقامة دولة العدل الإلهي. إن قدومه هو تتويج لجهود كل الأنبياء والمرسلين والأئمة (عليهم السلام) وبالتالي فإن لهويته أهمية بالغة، فضلاً عن كونها موضع الكثير من الاختلافات والشبهات. يعتقد المسلمون السنة أن القائم يكون من ذرية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه يولد في آخر الزمان وأن اسمه واسم أبيه يواطئان اسم النبي واسم أبيه، ولذلك ينبغي أن يكون اسمه، حسب اعتقادهم، محمد بن عبد الله (رغم أن الروايات لم تصرح بذلك). أما بالنسبة للشيعة، فإن الإعتقاد السائد لديهم هو أن الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القائم. ويعتبر أنصار الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هو قائم آل محمد، إذن من هو القائم في الحقيقة؟
إذا نظرنا إلى أوصاف القائم أو المهدي في الروايات، فسنجد أن الروايات متناقضة في هذا الشأن. فبعضها ينص على أن القائم أو المهدي يحكم سبع سنوات، وبعضها ينص على أنه يحكم ١٩ سنة، والبعض الآخر يذكر فترة حكم أخرى. وإذا نظرنا إلى الروايات التي تذكر الأوصاف الجسدية، فسنجدها أيضاً متناقضة، فبعضها يصفه بكونه طويل القامة وأسمر اللون يشبه موسى (عليه السلام)، والبعض الآخر يصفه بكونه أبيض اللون. تذكر بعض الروايات ظهوره في سن الثانية والثلاثين وتصرح روايات أخرى بظهوره في الأربعينيات من عمره. تصف بعض الروايات القائم أو المهدي بكونه المحارب الذي يخوض العديد من المعارك وتذكر روايات أخرى المهدي الذي تستقيم له الأمور دون أن يريق قطرة دم. وحقيقة الأمر هو أن اختلاف الروايات في وصف القائم أو المهدي يرجع إلى وصف الروايات لأشخاص مختلفين.
عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنبر:
«يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله)، له اسمان: اسم يُخفى، واسم يُعلن فأما الذي يُخفى فأحمد وأما الذي يُعلن فمحمد، فإذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد وأعطاه الله قوة أربعين رجلاً ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وفي قبره وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم (عليه السلام)».
الحقيقة هي أن الاسمين أحمد ومحمد يشيران إلى شخصين وهما الاسمان الواردان في وصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أحمد الحسن (منه السلام) ومحمد بن الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبنفس المنطق والمبدأ، فإن الوصية عندما تقول
«له ثلاثة أسامي ...»
فإنها تشير إلى ثلاثة أشخاص مختلفين، أحمد وعبد الله والمهدي، المهدي الأول والثاني والثالث، وهم الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وعبد الله هاشم والمهدي الثالث المهدي. وتشير الروايات التي تصف القائم أو الإمام المهدي في بعض الأحيان إلى الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي بعض الأحيان إلى الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وفي أحيان أخرى إلى أحد المهديين الآخرين. ولكن من هو قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
في أحد الأيام في شهر نوفمبر من عام ٢٠١٨ قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هل عندك الوصية؟».
قلت: «نعم».
قال الإمام (منه السلام): «اقرأها».
قلت: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة فأملا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهديـاً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إماماً، سمَّاك الله في سمائهِ علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي فمن ثبَّتها لقيتني غداً، ومن طلقتها فأنا بريء منها، لم ترني ولم أرها في عرصات القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فَسلِمها إلى إبني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ مُحَمَّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنه مُحَمَّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنه مُحَمَّد المُستحفظ من آل مُحَمَّد (عليهم السلام). فذلك إثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعدهِ إثنا عشر مهدياً فإذا حضرته الوفاة فليُسلَّمها إلى إبنهِ أول المقربين له ثلاثة أسامي: إسم كإسمي وإسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والإسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «انظر لآخر جملة من الأول».
قلت: «تقصد عبد الله، أحمد، المهدي؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «نعم، هل سألت نفسك لما اسمك الأول؟».
قلت: «سمعت أشخاصاً من قبل يتساءلون عن ذلك وحسبتها أنا خطأ، ربما في الوصية الأصلية مكتوب أحمد، عبد الله، المهدي، لم أفكر بها كثيراً».
قال الإمام (منه السلام): «ليس خطأ».
قلت: «لكن هل هذا معناه أنني أنا أول المهديين وأنت ثاني المهديين؟».
قال الإمام (منه السلام): «من الآن [أنت] في الواجهة المباشرة، هل تذكر حين قلت لي أن آدم (عليه السلام) تكلم معك عن الوصية؟».
قلت: «نعم، ذكر أن فيها مفاجأة، أن واحداً يكون قبل الآخر».
قال الإمام (منه السلام): «هذا ما كان يقصد».
قلت: «لكن ألست أنت وصي الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، وها أنا وصيه».
قلت: «وأنا وصيك لكن أنت بعدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، وقبلك أيضاً».
قلت: «كيف قبلي وبعدي؟».
قال الإمام (منه السلام): «الآن الناس تعرف وسوف تبقى تعرف أن أحمد الوصي لمحمد».
قلت: «نعم».
قال الإمام (منه السلام): «ولكن من الذي يباشر الناس؟ أنت».
قلت: «أها، يعني أحمد وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعبد الله وصي أحمد لكن يموت قبل أحمد مثل موت هارون قبل موسى، ويكون المهدي وصيك مثل ما أصبح يوشع وصي موسى بعد موت هارون. هل الأمر هكذا؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم تقريباً، الفرق الوحيد أن عبد الله يبقى بعد أحمد، لا يموت قبله، أقصد الموت الفيزيائي الجسدي».
قلت: «إذن أنت أول المهديين وتموت وأنا ثاني المهديين وبعدي المهدي؟ ولكن في نفس الوقت أنا قبلك أباشر الناس؟».
قال الإمام (منه السلام): «أحسنت».
قلت: «إذن من الآن حتى موتي الذي هو بعد موتك، أنا الذي يباشر الناس في الواجهة؟».
قال الإمام (منه السلام): «حتى بعد ظهوري لهم لن أبقى معهم دائماً».
قلت: «لماذا أبي؟».
قال الإمام (منه السلام): «[أظهر] لفترة وسوف أختفي عن الأنظار».
قلت: «ما العلة؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا أريد أن يتعود الناس على وجودي، السبب أني أُهيئ الأرض لك».
قلت: «لي؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، ظهوري لفترة يعزز مكانتك، ويبقى الشموخ والعزة والمهابة لك ولدعوتنا».
قلت: «لكن لماذا تُهيئ الأرض لي وليس لك وأنت رب الأرض؟».
قال الإمام (منه السلام): «سوف تفهم فيما بعد، أسكت بني».
قلت: «لا أدري ماذا أقول».
قال الإمام (منه السلام): «لا تقل شيء، سوف تعرف ماذا تعني أنت لوالدك وسيدك».
أجهشت بالبكاء وقلت: «شكراً أبي».
قال الإمام (منه السلام): «بوركت بني، وسلامي للجميع فرداً فرداً، أنا أسامح الجميع وأمسح ذنوبهم قاطبة وأبيضهم وكأنهم وُلدوا اليوم، لا ذنب لهم يُذكر، الكل الكل مغفورة ذنوبهم جميعاً وبريئو الذمة أمامي، بعد أن تخبرهم عرف [فلان] بخطئه وقل له أننا كنا نعرف أنك كنت تحاول أن تضحك علينا وعلى أحمد الحسن لكن هيهات فأنت لا تخدع إلا نفسك وقل له أني مسامح».
قلت: «اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً! أشكرك أيها الرحيم الكريم! اقشعر بدني لكلماتك، حتماً كان لا يخدع سوى نفسه، شكراً أبي».
قال الإمام (منه السلام): «ولا أريدك بني أن تذكر عيباً لأحد مهما كان صغيراً بعد هذا السماح لأي أحد فيهم، اجعلهم يتآخون في الله، النساء تعانق النساء والرجال تعانق الرجال، ويُبرِئ كل منهم الآخر قلباً ولساناً وليعلم الجميع أن الله يسمع ويرى ما في القلوب، أسعدت مساءاً بني الحبيب، وفي رعاية الله وحفظه دوماً وأبداً».
قلت: «في رعاية الله وحفظه أبي العزيز».
ذات يوم قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «من هو قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟».
قلت: «أنت، أحمد الحسن».
قال الإمام (منه السلام): «لا، لم تصب».
قلت: «من هو؟».
قال الإمام (منه السلام): «هو شخص آخر، اسمه الدنيوي يبدأ بحرف العين، أمه رومية وله ولد اسمه هارون الصادق (عليه السلام)».
قلت: «أنا؟».
قال الإمام (منه السلام): «قائم آل محمد هو عبد الله، يوسف بن أحمد الحسن».
انهمرت في البكاء.
قال الإمام (منه السلام): «هذا هو قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنت بني».
قلت: «ألم يكن هو أنت، أبي؟».
قال الإمام (منه السلام): «متى؟ ظاهراً. هذه إحدى الأمور التي سوف أقرأها في الكوفة فيفر الناس منها، هذا جزء بسيط منها، ضئيل جداً. ألم تشعر يوماً بهذا؟».
قلت: «لم يخطر ببالي أبداً أني قائم آل محمد إلا ما أخبرتني به. كنت دائماً أظن أنه أنت».
قال الإمام (منه السلام): «أنت حبيبي ونور عيوني، لكن كان عليك أن تعرف ذلك حين أخبرتك حينها أنك أنت من تحكم قبلي، عبد الله، أحمد، المهدي».
تبين روايات آل البيت بما لا يدع مجالاً للشك أن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ابن أحمد الحسن. قال الإمام الباقر (منه السلام):
«نظر موسى بن عمران في السفر الأول إلى ما يُعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل، فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمد. فقيل له: إن ذاك من ذرية أحمد. ثم نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك، ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله [القائم ابن أحمد]».
كما وردت روايات عديدة تذكر عمر القائم عند ظهوره:
«...ويظهر في صورة شاب موفق ابن اثني وثلاثين سنة».
عندما عينني الإمام أحمد الحسن (منه السلام) لأول مرة واحتججت بالوصية علناً وخرجت بخطاب تعيين من والدي وجعلني هو وصياً له، كان عمري ٣٢ عاماً وكان هذا في عام ٢٠١٥. ولقد ظهرت علانية بعد هلاك الملك عبد الله مثلما ظهر الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتنص الروايات على أن كلاً من الحجة والقائم سيظهران بعد موت الملك عبد الله:
«... بشروني بموته أبشركم بظهور الحجة (الإمام المهدي)»،
وروايات أخرى تقول:
«من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم».
وأنا الذي ادعيت الوصية واحتججت بها على الناس كما فعل والدي قبلي:
«... لا يكون ذلك أبداً حتى يكون هو الذي يحتج عليكم بذلك ويدعوكم إليه».
قد يتساءل أحدٌ ما، لماذا إذن نَوَّه الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في كتبه على أنه هو القائم؟ هناك العديد من الإجابات على هذا السؤال، بعضها لن نذكره الآن، لأن الوقت لم يحن بعد لتوضيح تلك الأسرار، ولكني سوف أذكر أحد الأسباب. منذ زمن آدم (عليه السلام) حتى اليوم، كان هناك دائماً مَلِك منصب من الله على الأرض. ومنذ زمن آدم (عليه السلام)، كان أبناء إبليس، أبناء قابيل (لعنهم الله)، يتآمرون ويخططون دائماً لسم وقتل وسجن الملوك المنصبين من الله. ولطالما كان أبناء آدم (عليه السلام) مستضعفين في الأرض، ولهذا السبب وعدهم الله بقائم يحرر المؤمنين ويقيم دولة عدل إلهي.
وبما أن أبناء قابيل (لعنهم الله) كانوا دائماً على دراية بقدوم المخلص، خطط النمرود، عندما وُلد إبراهيم، لقتل هذا المخلص من آل نوح (عليه السلام). وعندما وُلد موسى، أمر فرعون بقتل كل صبي يولد للعبرانيين في محاولة لقتل القائم أو مخلص بني إسرائيل. وعندما وُلد عيسى في بيت لحم، وشوهد نجمه في الشرق، أمر الملك هيرودس، ملك يهودا، بقتل الصبيان الأبرياء ليمنع قيامه. وأُخفيت ولادة الإمام الثاني عشر عن الخليفة المعتمد العباسي، الذي كان يبحث عنه ويسعى لقتله ومنع قيامه.
من الواضح أن لأبناء إبليس هدف واحد: وهو منع قيام خليفة الله وإقامة دولة العدل الإلهي. وبالتالي، كان تشتيت أعداء الله نوعاً ما وإرباكهم جزءاً من تدبير الله وكان بغرض الحماية وكوسيلة لاختبار المؤمنين في إيمانهم. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
«إن قلنا لكم في الرجل منا قولاً فلم يكن فيه كان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك».
وفي القرآن الكريم وعد الله النبي عمران (عليه السلام) بأنه سيهبه المسيح إبنا له؛ ولكن عندما وهبه أنثى وهي ابنته مريم (عليها السلام)، اعتقد عمران أن الله قد بدل مشيئته وخاب أمله. كان وعد الله حق، لكن الله قضى شيئاً في مولود عمران (عليه السلام) لم يكن في ابنته مريم (عليها السلام) بل كان في ابنها. وتحقق بذلك وعد الله من خلال مريم (عليها السلام) بمولد ابنها المسيح عيسى (عليه السلام). لقد أوهم الله الناس بشئ معين لضمان تحقيق إرادة الله وتنفيذ خطة الله، تماماً كما حدث في واقعة صلب عيسى (عليه السلام) في الظاهر، حيث جعل الله الناس يظنون بأن عيسى (عليه السلام) قد صُلب، وكان هذا من أجل تحقيق غاية معينة.
إن ما قد يبدو في الظاهر وكأنه لبس هو في الواقع مقصود ويؤدي غرضاً أكبر لا يكون بالضرورة واضحاً كلياً في أعين الناس، إلى أن يقضي الله أن يصبح هذا الأمر واضحاً بشكل لا لبس فيه من خلال حجته في الأرض. ولذلك كان يُعتقد، لفترة من الزمن، أن أحمد الحسن (منه السلام) هو القائم وشبيه عيسى، ولكنه ليس كذلك، بل كان الأمر كذلك فقط حتى يختبر الله الراسخين في إيمانهم ويميزهم عن الشاكين، وكذلك لضمان تحقيق إرادة الله وخطته. إن التدبير الإلهي هو حماية من الأعداء واختبار للمؤمنين في نفس الوقت. ورد في سفر إشعياء:
«لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ».
وهناك تفسير آخر وهو أنه يمكن اعتبار أن أحمد وعبد الله كلاهما القائم (منه السلام) لأن روح عبد الله هي نسخة من روح أحمد، لكن الجسد الذي سيحكم فعلياً ويكون القائم هو جسد عبد الله. يدعي معظم المسلمين أن اسم المهدي يواطئ اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واسم أبيه، واسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو محمد واسم أبيه هو عبد الله. هذان اسمان والاسمان شخصان والشخصان هما أحمد الحسن وعبد الله هاشم. أنا أحمد وأحمد هو عبد الله.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «لماذا قال الناس أن شخصية العبد الصالح هي الخضر؟ هل هو الخضر أم العبد الصالح؟».
قال الإمام (منه السلام): «أكيد الاثنين».
قلت: «إذن من كان هناك؟ أنا أم أنت؟ لقد قلت لي سابقاً أنك أنت العبد الصالح والآن قلت أنه الخضر وقلت أيضاً أن الخضر هو النبي إرميا ولكن إرميا كان نبياً من أنبياء بني إسرائيل وقد جاء بعد موسى (عليه السلام) بفترة طويلة؟».
قال الإمام (منه السلام): «سوف أريحك، كثيراً ما قلت أني أنا أنت وأنت أنا، أنت مني وأنت جزء مني، هذا الجزء يشاركني في كل ما يخصني لأنه أنا وهو مني».