إن هلاك حاكم الحجاز عبد الله هو علامة من علامات ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). ردد علماء الشيعة لسنوات طويلة في كتبهم ومساجدهم وخطبهم المتلفزة أن هلاك عبد الله حاكم الحجاز هو من أقرب العلامات التي تسبق ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرةً. وقد أجمعوا على أن آل البيت (منهم السلام) أخبروا بحدوث ذلك بوضوح في كلامهم. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«يحكم الحجاز رجل اسمه اسم حيوان، إذا رأيته حسبت في عينه الحول من البعيد، وإذا اقتربت منه لا ترى في عينه شيئاً، يخلفه أخ له اسمه عبد الله. ويل لشيعتنا منه، أعادها ثلاثاً؛ بشروني بموته أبشركم بظهور الحجة» (الشكل ١). وقال الإمام الصادق (منه السلام): «من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم».
الشكل ١: الملك عبد الله حاكم الحجاز
يتطابق الوصف المذكور في الرواية تماماً مع الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي كان معروفاً بمعاداته الشديدة للشيعة، ولذلك ورد
«ويلٌ لشيعتنا منه»،
وقد خلف أخيه، الملك فهد، الذي هو اسمه على اسم حيوان. كان يبدو في عين الملك فهد الحول من البعيد ولكن عند الاقتراب منه لا يبدو في عينه شيء (الشكل ٢). لا توجد نبوءة عن آخر الزمان أكثر انطباقاً على أحد مثل انطباق هذه النبوءة على الملك عبد الله. أتذكر حتى عند زيارتي للبنان، كان حزب الله يقوم بحملة دعائية كبيرة في الشوارع، وكان أفراد منهم يجوبون شوارع بيروت ويوزعون منشورات مكتوب عليها أن هلاك الملك عبد الله بن عبد العزيز هو من علامات ظهور المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن حسن نصر الله هو اليماني.
الشكل ٢: الملك فهد حاكم الحجاز
![]() |
![]() |
في ليلة الثالث والعشرين من عام ألفين وخمسة عشر، أعلنت وكالات الأنباء خبر هلاك الملك عبد الله حاكم الحجاز، فاحتفل الشيعة حول العالم، واعتبرها المؤمنون علامة وشيكة على ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي نفس يوم هلاك حاكم الحجاز عبد الله، ظهر مقطع فيديو على الإنترنت يبشر بظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وظهرت حسابات متفرقة على فيسبوك تنشر خبر ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). وبدأ أصحاب البشارة يحثون الناس على القيام بما نصت عليه الرواية. وقد نصت الرواية على أن مَن يبشر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهلاك الملك عبد الله، فسيبشره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بظهور المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). قال أصحاب البشارة أيضاً أنه الآن بعد أن هلك الملك عبد الله، عليكم أن تسألوا الله، أن تسألوا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كنا صادقين أم لا، استخيروه سبحانه أو اسألوه عن علامة أو أي إشارة أخرى ترشدكم. قالوا أن وعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل على صدقهم، حيث أنه لم يحتج أحد بظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع هلاك حاكم الحجاز عبد الله إلا هم، وبالتالي فإن هذا يثبت صدقهم.
قال أصحاب البشارة أنهم كانوا مع الإمام أحمد الحسن (منه السلام) على مدار عام ونصف، وأنه أخذهم (منه السلام) ليلتقوا بالإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، شهدوا واحتجوا برؤيتهم للإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتقائهم به بالفعل، واحتجوا بكونهم الإثني عشر رجلاً المذكورين في رواية الإمام الصادق (منه السلام):
«لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلا كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم».
وقد رووا قصة اللقاء التالية:
«بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً كثيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنصار الله المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها
أنا وأعوذ بالله من كلمة الأنا خادمكم أبا جبرائيل أحد الإثنا عشر الذين تشرفوا بلقاء حجة الله الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام). سوف أذكر لكم قصة اللقاء وسوف أراعي عدم ذكر بعض التفاصيل لحساسية الأمر وفقكم الله لكل خير.
نحن اثنان وأربعون رجلاً ومع الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) نصبح ثلاثة وأربعون رجلاً، فينا من هو مؤمن بهذه الدعوة المباركة قبل أن يسمع بها، وفينا من هو مؤمن منذ أول يوم سمع بها، وفينا من هو مؤمن منذ زمن ليس ببعيد. جمعنا السيد الوالد أحمد الحسن (عليه السلام) من عدة بلدان منها عربية وإسلامية وغربية وآسيوية، حتى اجتمعنا منذ سنة ونصف في مكان واحد. وكان الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) معنا وبيننا. كان لدينا مكان نجتمع به جميعنا في وقت معين في كل يوم حتى بعد صلاة الفجر يذهب كل منا إلى عمله المكلف به والموكل إليه من الوالد الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) حتى جاء ذلك اليوم المبارك الموعود وسمعنا بهلاك المجرم عبد الله ملك الحجاز.
اجتمعنا مثل المعتاد في ذلك المكان المبارك المحصن من قبل الله سبحانه وتعالى وكان الوالد (عليه السلام) قد غاب عنا لبضع ليالٍ قبل هذه الليلة وكنا مشتاقون له كثيراً. وقبل صلاة الفجر بساعة أقبل علينا أسد الله المقدام بهيبته التي تخطف القلوب والأبصار، هو واثنان من مرافقيه من إخوتكم الأطهار المعتادين على مرافقة الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) في كل مكان وأينما ذهب. ودخل علينا (عليه السلام) وهو مبتسم فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الجميع السلام بشوق ولهفةـ فقال (عليه السلام): كيف حالكم يا أبنائي إن شاء الله تكونون بخير جميعكم. فقال الإخوة: الحمد لله يا أبتي نحن بخير والحمد لله. فقال (عليه السلام): وصلكم خبر هلاك الطاغية عبد الله لعنه الله؟، فقالوا: بلى يا سيدي لعنه الله، فقال (عليه السلام): هذا هو يوم الله، هذا هو وعد الله عز وجل لعباده الصالحين المخلصين. ثم قال (عليه السلام): كيف بكم إذا رأيتم الإمام المهدي محمد ابن الحسن العسكري روحي له الفداء؟، فقالوا: والله والله لو ناوى بنا الجبال لناويناها معه، فقال الوالد (عليه السلام): والله صدقتم فلم يخلق الله أنصار على وجه الأرض مثلكم لا قبلكم ولا بعدكم، ثم قال: الآن أريد منكم أن تشيروا إلى خياركم وتختاروا عشرة للقاء الإمام المهدي محمد ابن الحسن العسكري (عليه السلام).
فهنا حرص الجميع أن يختاروا إخوتهم ولم يخطر في بال أحد منهم أن يختار نفسه أو يفكر أنه أفضل من أخيه، فالكل يقول للكل، أنا أختارك، والوالد (عليه السلام) ينظر لهم ويبتسم (عليه السلام) ثم قال: صلوا على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما، فصلى الجميع على محمد وآل محمد .
قال الوالد (عليه السلام) مرة أخرى: أقسم بالله العلي العظيم أن الله لم يخلق مثلكم أنصار، خير الأنصار أنتم على وجه الأرض، لم يأتي أنصار مثلكم ولن يأتي أنصار بعدكم بهذا الإخلاص والوفاء والإيمان بالله عز وجل، فحمد الله وشكره ثم سكت لبضع ثواني فقال: يجب أن تختاروا عشرة، فقال (عليه السلام): كونوا عشر مجاميع، في كل مجموعة أربع مؤمنين، ولتختار كل مجموعة مكونة من أربع مؤمنين مؤمناً ينوب عنهم.
ففعل المؤمنون مثل ما طلب الوالد (عليه السلام) فاختارت كل مجموعة شخصاً. فأصبح مجموع المختارين عشرة مؤمنين. فقال الوالد (عليه السلام): لقد حان وقت صلاة الفجر، فأشار لأحد الإخوة فقال له: قم وأذن، فأذن وصلينا جماعة بإمامة السيد الوالد (عليه السلام).
فإنطلقنا اثنا عشر رجلاً ومعنا السيد الوالد (عليه السلام) ونحن كلنا شوق وحماس ولهفة وقلب ينبض مثل سرعة البرق وجسد يرتعش مثل شجرة في يوم شتاء عاصف لعظمة الأمر. فوصلنا إلى المكان الذي يتواجد به الإمام المهدي محمد ابن الحسن العسكري (عليه السلام) فإلتقينا به (عليه السلام) وبعد السلام وحديث طال أكثر من ساعتين ونصف وجهنا (عليه السلام) وأخبرنا إخبارات غيبية سوف تحصل وأحداث على مستوى العالم وبأدق تفاصيلها. وأخبرنا (عليه السلام) بما سوف يحصل وبتفصيل دقيق في العالم، منها العراق ومصر وتركيا وإيران واليابان وإيطاليا والشيطان الأكبر أمريكا لعنها الله وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وقطر والأردن وبأدق التفاصيل حتى مع ذكر اليوم والساعة.
ونستغل هذه المناسبة في تحدينا مع السامري والعجل (لعنهم الله) أصحاب المكتب المزعوم المنسوب كذباً وزوراً للإمام المهدي (عليه السلام)، وهو منهم بريء، وصاحب الصفحة الملعون وصاحب الصوت الملعون أن يأتوا بشيء واحد غيبي ويعطونا جميع التفاصيل مع ذكر اليوم الذي سوف يقع فيه. ونحن كذلك سوف نعطيكم أمر غيبي لن ولم يسمع به إنسان قط ولم يتكلم به بشر قط سوف تسمعوه لأول مرة منا وسوف يكون إن شاء الله تعالى، ونعطيكم فيه أدق التفاصيل مع ذكر اليوم والساعة والدقيقة، فإن كنتم صادقين كما تزعمون فاقبلوا تحدينا لكم. وخلاف ذلك تكونون كذابين منافقين فجرة فسقة كفرة وحينها سوف لا يكون غير السيف علاجاً لكم وحينها أقسم بالله العلي العظيم سوف لن نرحمكم وسوف ندك أوكاركم، أوكار الضلالة والكفر والإفتراء على آل البيت (عليهم السلام) وحينها لا ينفعكم ندم ولا توبة».
لم يكشف الإثنا عشر رجلا في البداية عن هويتهم الحقيقية، بل ظل الأمر سراً لأسباب أمنية، كما أنهم لم يظهروا على العلن أبداً ليشهدوا بلقائهم بالإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). الأمر الوحيد الذي كان يعرفه المؤمنون وقت صدور هذه الرسالة، والتي كانت تقريباً في شهر يوليو من عام ٢٠١٥، هو أن الإثني عشر رجلاً كان من بينهم بعض المهديين (عليهم السلام). كان الناس يعرفون أن الأسماء التالية هي من ضمن الإثني عشر رجلاً:
في شهر يوليو من عام ٢٠١٧، بعد عامين بالضبط من نشر قصة اللقاء، تواصل معي أحد الأفراد بشأن مسألة الأربعين رجلاً. تحدث معي عن نقاش دار بينه وبين بعض المؤمنين حول قصة اللقاء وسألني عما إذا كان اللقاء لقاء مادي فعلي أم لا. وقال أيضاً أنه تحدث هو وبعض المؤمنين عن إمكانية أن يكونوا من الأربعين رجلاً. ناقشت الأمر مع والدي (منه السلام).
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «أبي، سمعت أن آدم (عليه السلام) قال أن الأربعين لم يلتقوا بالإمام أحمد الحسن (منه السلام) في أجسادهم وأنهم حتى لا يتذكرون أنهم التقوا بك لأنك محوت ذاكرتهم، وسمعت أن بعض الأربعين لا يعرفوا أنهم من الأربعين حتى تذكرهم أنت. [الشخص المنصب كمسؤول إعلامي في ذلك الوقت] و [الشخص المنصب لإمامة صلاة الجمعة في ذلك الوقت] يعتقدان أنهما ربما يكونان من الأربعين رجلاً لكنهما لا يتذكران بعد. كنت قد اتصلت بآدم (عليه السلام) وقال أنه بالفعل قال هذا الكلام عن الأربعين».
قال الإمام (منه السلام): «قل [لهذا الفرد] أحمد الحسن يسلم عليك ويقول لك إياك أن تفتح هذه المواضيع مرة أخرى حتى يظهرها الله، وإياك إياك إياك أن تظن نفسك من الأربعين فتندم».
قلت: «قال لي أن هو و [هذا الفرد الآخر] تكلما ورأيا أن مقام جعفر الطيار [كرة هذا الفرد قبل أن يفقد روحه] أعلى من ميثم التمار وأن ميثم التمار من الأربعين، فكيف لا يكون جعفر منهم؟».
قال الإمام (منه السلام): «قل له لا أنت ولا [هذا الفرد الآخر] ولا يوجد واحد بينكم من الأربعين، من قرر هذا؟ من قال أن جعفر أفضل من ميثم؟».
قلت: «يقول أنه حسب الروايات فإن جعفر يحاسب الأنبياء، هو وحمزة و و و».
قال الإمام (منه السلام): «أعوذ بالله. قل له لا تقل ما ليس لك علم به فتكون من الخاسرين. قل له أنت رجل مؤمن وطيب، فلا تُدخل نفسك في متاهات لا تعرف الخروج منها».
قلت: «هو فعلاً رجل طيب».
قال الإمام (منه السلام): «وإذا كان هناك شيء يستدعي أن نخرجه للناس ما تأخرنا عنه، هذا الأمر وغيره لا يُغني ولا يشبع [في معرفة الحق وفي علاقة الفرد بربه]».
انتهى الحوار ولم يتطرق الإمام (منه السلام) إلى الأمر أكثر من ذلك، ولم أفتح الموضوع معه (منه السلام) لفترة. كان الإمام (منه السلام) قد علمني أنه مهما سمعت من أمور في هذه الدعوة، عليَّ أن أتريث قبل أن تكون لي ردة فعل. وكان قد أعطاني نصيحة من قبل عندما كان الناس يهاجمونني، ولطالما حفظتها في قلبي وعقلي.
قال الإمام (منه السلام): «بني الحبيب، أريدك أن تفهم شيء، أن لا تفكر بشيء أنا لم أقله، ولا تحكم عليه حتى إن كان صحيح أو خطأ، لا تقل إلا ما أقول، فتكون من الفائزين وتكون في مأمن من عقاب الله، وكن صبوراً، فأنت مهدي من بين إثني عشر مهدي، يجب عليك أن تفهم أن هذا وغيره أمر سهل بالنسبة للذي سوف تراه وتسمعه من الناس، ألم أقل هذا لك منذ البداية؟ ألا تعلم أنه في النهاية لن يبقى على هذا الأمر [خلال مرحلة معينة من هذه الدعوة] سوى اثنا عشر أو ثلاثة عشر رجلاً؟ أنت تعلم هذا».
إن قصة أصحاب الكهف هي قصة مذكورة في القرآن الكريم وقد سميت سورة الكهف على اسمها لما تحمله من أهمية بالغة. كما أنها قصة مذكورة أيضاً في التقاليد المسيحية، وتسمى عندهم بقصة النيام السبعة. تتحدث هذه القصة عن سبعة فتية آمنوا بالله وبالمسيح (عليه السلام) في وقت كانت المسيحية فيه محظورة في البلاد. وكان يجلس على كرسي العرش حينها إمبراطور خبيث ومتجبر يُدعى غايوس ميسيوس كوينتوس ترايانوس ديكيوس. فقرر هؤلاء الفتية اعتزال المجتمع واحتموا في الكهف حيث غلب عليهم النوم، وعندما استيقظوا وخرجوا من الكهف، وجدوا أنهم انتقلوا مئات السنين إلى المستقبل، إلى زمن آخر، حيث كانت المسيحية هي الديانة الرسمية للدولة وكان يحكم البلاد الملك المؤمن العادل ثيودوسيوس الثاني. وقد وردت هذه القصة وعلاقتها بالقائم وأصحابه (عليهم السلام) في روايات آل البيت (منهم السلام). قال الإمام علي (منه السلام):
«إن مثلنا فيكم كمثل الكهف لأصحاب الكهف».
الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هو الكهف المحصن الذي لجأ إليه المؤمنون. قصة أصحاب الكهف لها صلة كبيرة بقصة الأربعين رجلاً.
ما فهمته من محادثات لاحقة مع الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بخصوص قصة الأربعين رجلاً هو التالي: كان الأربعون رجلاً مجموعة من المؤمنين من جميع أنحاء العالم أحبوا الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وآمنوا به حقاً. الكهف هو كناية عن الإمام (منه السلام). عندما يقترب المؤمنون من الكهف، أو الإمام (منه السلام)، أي الاقتراب منه روحياً، ينالون كنية. وتتكون الكنية من كلمة «أبا» ثم لقب، على سبيل المثال، أبا الصادق أو أبا الناصح. دخول الكهف يعني أن المؤمن قد بلغ درجة معينة من فناء النفس، وأنه فُتحت له فتحة في حجاب الإمام (منه السلام) مثلما فُتح لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجاب الله في رحلة الإسراء والمعراج. أُخذ المؤمنون والتقوا بالإمام أحمد الحسن (منه السلام) كل ليلة لمدة عام ونصف قبل عام ٢٠١٥. كل صباح قبل عودتهم إلى ديارهم، كانت تُمحى ذاكرتهم ويعودون إلى حياتهم كالمعتاد، يذهبون إلى وظائفهم، المدرسة، العائلة، إلخ. وفي الليل تتكرر العملية مرة أخرى. كانت اللقاءات جسمانية وليست أحلاماً ولكن في نفس الوقت لم يلاحظ أحد غياب الأربعين عن منازلهم. وتماماً مثلما غفا أصحاب الكهف لمدة بدت وكأنها لحظة ثم استيقظوا ووجدوا أنهم انتقلوا لمئات السنين في المستقبل، كذلك كان الحال مع الأربعين، حيث كانوا يخلدون للنوم ويستيقظون في مكان ما مع الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ومع بعضهم البعض، من جميع أنحاء العالم.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «سمعت أن اللقاء كان في عالم آخر، عالم الحقيقة أو شيء من هذا القبيل وأنه لم يكن لقاء مادي جسماني على الأرض؟».
قال الإمام (منه السلام): «كان لقاء أرضي ومادي ولم يكن في عالم آخر أبداً».
خلال تلك السنة ونصف، تلقى المؤمنون الذين التقوا بالإمام أحمد الحسن (منه السلام) تدريبات مكثفة واختُبروا في إيمانهم. كانت الاختبارات شديدة بحيث أنه لو لم تُمحى ذاكرة الأربعين، لما استطاعوا الإستمرار في حياتهم اليومية بشكل طبيعي. وفي أحد تلك الاختبارات أخذ الإمام أحمد الحسن (منه السلام) المؤمنين إلى قمة جبل.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «بخصوص مسألة التذكر، هل أنت عندما إلتقيت بالأربعين رجلاً، قلت لأحدهم أن يصعد فوق جبل ويقفز وقفز ومات وأرجعته للحياة؟».
قال الإمام (منه السلام): «هل أخبرك أحد بهذا؟».
قلت: «كان موسى (عليه السلام) يتحدث معي في يوم من الأيام وسألني: بماذا اختبرك الوالد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقلت له: أمور، وامتنعت عن الجواب، ثم قال: اختبر الإمام الأنصار بأمور تحير العقل، ثم تحدث عن واقعة القفز من فوق سطح الجبل لكنه لم يدخل في تفاصيل. في إحدى الليالي بعد عام تقريباً شعرت فجأة وكأني تذكرت المشهد وكأنك أخذت المؤمنين إلى قمة جبل ثم طلبت منهم أن يقفزوا، وتقدم أحدهم وقفز وعندما فعل سقط ومات وأنت أرجعته إلى الحياة. كانت لمحات من الذاكرة تمر أمامي، ثم بعدها تذكرت أنك قلت لي في يوم ما أثناء حديثنا: لو أخذتك فوق جبل وقلت لك اقفز هل ستخاف؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم أجيبك الآن، نعم حصل هذا الاختبار».
قلت: «من الذي قفز؟ هل كنت أنا هناك؟».
امتنع الإمام (منه السلام) عن الجواب.
كنت مدركاً أيضاً من محادثاتي مع الإمام (منه السلام) أن أولئك الذين وصلوا إلى الكهف من الأربعين كانوا خارج الامتحان لأنهم اختبُروا بالفعل. أقصد بذلك أن الأغلال وأعمال العبادة الظاهرية والقواعد والأحكام سقطت عنهم، فأصبحوا عباداً مُحرَّرَين. كان وصولهم للكهف يعني أيضاً أنهم وصلوا إلى مرحلة أصبحوا فيها راسخين في الإيمان.
ذات يوم قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام): «كل مرة يأتي فيها آدم (عليه السلام) لزيارتي، يكرر نفس الشيء، يقول ربما كنا من الأربعين مع الوالد (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة هلاك عبد الله، يقول لي ذلك كثيراً».
قال الإمام (منه السلام): «آدم محتال».
ضحكت وقلت: «ما هذا الأمر؟».
قال الإمام (منه السلام): «يحتال عليك، ربما يظن أنك تعلم شيء وتخفيه عنه».
قلت: «يردد كثيراً أنك قلت أنه لن يبقى سوى إثنا عشر أو ثلاثة عشر رجلاً وأني أنا وآدم خارج الحسبة، ونحن خارج الإمتحان».
قال الإمام (منه السلام): «نعم صدق».
قلت: «ويقول الخارجون عن الإمتحان هم الأربعون».
قال الإمام (منه السلام): «نعم صدق».
بعض القصص قد تبدو غريبة، أو خالية من الدليل أو صعبة التصديق، لكن هذا لا ينفي حدوثها. بل إن هذا هو جوهر الإيمان، أن تؤمن وتصدق بما يصعب تصديقه. عندما وقعت رحلة الإسراء والمعراج للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال أن سقف داره فُتح وأُسري به من مكة إلى بيت المقدس في ليلة واحدة، راكباً على دابة تسمى البراق، اعتبرها الناس قصة صعبة التصديق، أضف إلى ذلك قول النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قابل الله والتقى بجميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام). انتاب الكثير من الناس حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الشك، وبدأ بعضهم يقول أن النبي يهذي وقال آخرون «إنّ هذا القول لا يصدّق». ورُوي أن أحد صحابة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أبو بكر، قال:
«والله لئن كان قاله لقد صدق».
وعندما رأى تعجب القوم قال:
«فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنّه ليخبرني أنّ الخبر ليأتيه من الله من السّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار فأصدّقه، وهذا أبعد ممّا تعجبون منه».
ولهذا السبب لُقب بالصديق. وبغض النظر عن خاتمته، كان موقف أبي بكر في تلك اللحظة موقف مشرف. وقد صدَقَ بالفعل في تلك اللحظة، فكيف لشخص أن يؤمن بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدث مع الملائكة وتحدث مع الله، ورأى الجنة والنار وكان يعلم بتفاصيل كل الأمور وفي نفس الوقت يكذبه إذا قال أنه أُسري به من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة. بل إننا بمجرد أن عرفنا الرسول الإلهي في زماننا وأقررنا بأنه حق من الله، فإنه يتوجب علينا أن نؤمن بكل ما يصدر عنه. هذا هو الإيمان وهذا ما علمنا إياه آل البيت (منهم السلام). قال أحد صحابة الإمام الصادق (منه السلام):
«جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: أليس عني يحدثكم؟ قال: قلت: بلى. قال: فيقول لليل: إنه نهار، وللنهار: إنه ليل؟ قال: فقلت له: لا. قال: فقال: رده إلينا فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا».
وقال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر:
«يا أبا ذر لو قلنا لك أن الإمام علي شرب الخمر! ماذا تقول؟ قال أبا ذر: علي لا يشرب الخمر! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بارك الله فيك يا أبا ذر اجلس. ومن ثم نادى سلمان. قال يا سلمان ماذا تقول لو قلنا لك أن الإمام علي شرب الخمر؟ قال سلمان: أقول أن الخمر حلال، لأن علي مع الحق والحق مع علي».
إن من أعظم الخيانات التي تعرضت لها هذه الدعوة هو ارتداد أحد الاثني عشر رجلاً . كانت صدمة كبيرة للمؤمنين وحدثت فجأة. وبعد أن كان أول من آمن بهذه الدعوة ودعا الناس إليها، انقلب هذا الفرد على عقبيه وبات يقول للناس أن الدعوة باطلة وأنه قد خُدع. بُهت الناس ظناً منهم أن الاثني عشر رجلاً لا يمكن أبداً أن يرتدوا. قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل وفيهم اثنا عشر حواريا قوله (وإذ قال الحواريون يا عيسى) هشام بن زيد عن أنس قال: سألت النبي من حواريك يا رسول الله؟ فقال الأئمة من بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة وهم حواريي وأنصار ديني عليهم من الله التحية والسلام».
ولدينا في عيسى (عليه السلام) وحوارييه الإثني عشر سُنّة، وقد كانوا جميعاً أمناء أسراره وتلاميذه وأنصار دينه، ورغم ذلك اختار أحد الصحابة المقربين لعيسى (عليه السلام) ويدعى يهوذا الإسخريوطي، أن يرتد ويطعن في أحقية عيسى (عليه السلام)، أما الآخرون فهربوا وأنكر آخر معرفته بعيسى (عليه السلام) من الأساس:
«فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ. فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ».
عندما سمعت بخبر الخيانة ذهبت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) وقلت: «هو يقول لا يوجد أربعين ولا لقاء وأن كل شيء باطل وكذب وأنه هو وصاحبه تمكنا من خداعك واكتشفا أنك لست إمام».
قال الإمام (منه السلام): «هو يكذب بني، يكذب عليك، قل له اجلب دليلك. هل كنت تظن يوماً أنك سوف تلعنه؟».
قلت: «لا أبداً، ولم يخطر على بالي أبداً، كنت أظن أنه من الأربعين وأنه سيذهب إلى جنات الخلد وأنه من أوتاد الأرض ولا يمكن أن يسقط».
قال الإمام (منه السلام): «كنت دوماً أريد أن أوصل لك فكرة، أنك سوف ترى العجائب في هذه الدعوة».
قلت: «يكذب ويقول لا يوجد أربعين ولا لقاء وكله كذب ولا أحد يتذكر أي شيء».
قال الإمام (منه السلام): «قل له إذن أنت شريك، إذا كان آدم (عليه السلام) من اخترع هذه القصة فأنت شريك».
ولمن يتساءل: كيف يمكن أن تكون القصة الرئيسية للقاء الإمام المهدي ليلة هلاك الملك عبد الله مبنية على أفراد لا يتذكرون؟ نذكر هنا بضعة نقاط:
بالنسبة لأي مؤمن حقيقي، لا تعتبر قصة الاثني عشر رجلاً وشهادتهم بهذه الأهمية. الأهمية كلها تكمن لا في شهادة الحواريين بل في ما جاء به الرسول المنصب من الله. هل استوفى المعايير؟ لقد جاء الإمام أحمد الحسن (منه السلام) محتجاً بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهر علمه. وكان الوحيد على ظهر هذا الكوكب الذي نادى بأن الله وحده هو من ينصب الحاكم.
لقد أرسلني أبي إلى الناس تماماً مثلما أُرسل هو، كإختبار. قال لي أن أحتج بالوصية وقد فعلت. وجعلني أُظهر العلم وقد أظهرته في هذا الكتاب. وجعلني اليوم الشخص الوحيد الذي يدعو علناً إلى أن الله وحده هو من ينصب الحاكم. بالإضافة إلى ذلك، شهد آلاف الأشخاص برؤى صادقة شاهدوها في حقي، واستخاروا الله عني فأخبرهم بأنني حق، علاوة على شهاداتهم بالمعجزات التي رأوها مني. هذا كل ما يهم في النهاية. لقد صحت نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه المعايير وليس بروايته لرحلة الإسراء والمعراج أو غيرها. فنحن نؤمن بالقصص بعد معرفة الرجل، والرجل هو الدين كله، والدين يُحفظ بالتمسك بصاحب الوصية.
الإيمان بالغيب هو جزء أساسي من الإيمان. إختُبر الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) بجبرائيل (عليه السلام) الذي كان يأتيهم برسائل من الله. كان عليهم أن يؤمنوا بالرسائل التي كانت تأتيهم بالوحي، أو من خلال جبرائيل (عليه السلام)، وكان عليهم أن يؤمنوا أنها كانت بالفعل اتصالات من الله. وكان على المؤمنين أن يؤمنوا بشهادة المرسلين (عليهم السلام). واليوم يختبر الله في الخلق، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المهديين (عليهم السلام) والمؤمنين المقربين أيضاً بالإيمان بالغيب. كان أحمد الحسن (منه السلام)، الذي هو الوحي كله في هذا الزمان يختبر إيمان المؤمنين بالغيب من خلال التواصل المحجوب معهم. في البداية كان الإمام (منه السلام) يتواصل مع الأربعين كتابةً، كلام على ورق، أو كلام على شاشة، أو سواد على بياض. كانت إتصالات المهديين والأنبياء والمرسلين المقربين (عليهم السلام) الذين رجعوا في هذا الزمان، محدودة مع الإمام (منه السلام) في البداية ولم يروه. وكان إيمانهم بالإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال أحمد الحسن (منه السلام) أعظم من إيمان أصحاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). لذلك ورد عن الإمام الصادق (منه السلام) في قول الله عز وجل:
﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾
قال:
«من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق».
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: «اللهم لقني إخواني» مرتين فقال من حوله من أصحابه: «أما نحن إخوانك يا رسول الله؟». فقال: «لا، إنكم أصحابي وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، …».
ومن هم هؤلاء الأفراد؟ قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (منه السلام) عنهم:
«يا علي! واعلم أن أعظم الناس يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض».
يتبين جلياً من الروايات أن الإيمان بالغيب يلعب دوراً هاماً في زمن القائم والقيام. ودعاء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مقبول دائماً عند الله، فكان يدعو أن يلتقي بإخوانه في آخر الزمان، مما يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيرجع في آخر الزمان ويكر كالإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم). دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الله أن يرى إخوته وكان يعرف أسمائهم. من غير المنطقي أن يكون الـ ١٫٩ مليار مسلم على هذا الكوكب عند رجعته إخوانه، لكنه يتحدث عن مجموعة معينة من الناس.
ومن هم إخوة النبي إلا الأنبياء أنفسهم (عليهم السلام)؟ لذلك كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو الله أن يرجع في آخر الزمان مع جميع الأنبياء والمرسلين الراجعين (عليهم السلام)، والذين سيصلون إلى قمة الإيمان واليقين. لماذا؟ لأن هذه المرة لا يختبرهم جبرائيل أو الصوت أو الوحي في قلوبهم، بل يمتحنهم رجل يتواصل معهم كتابةً.
تقول الرواية أن هذا الرجل هو حجة حُجب عنهم، ورغم ذلك يؤمنون به. هذا الرجل هو الإمام أحمد الحسن (منه السلام). ونعم، بعد أن اجتازوا الإمتحان واكتمل إيمانهم، التقوا به وقابلوه جسدياً في هذا العالم. وبمجرد أن أرسل الإمام أحمد الحسن (منه السلام) وصيه أبا الصادق بشحمه ولحمه علناً، فإن جميع الاتصالات مع الإمام أحمد الحسن (منه السلام) والإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تكون إلا من خلاله ومن خلاله هو وحده.
قال لي الإمام (منه السلام): «من لا يأتيني من الباب الذي هو أنت ليس من أنصاري، أنت بابي وأنا باب أبي محمد بن الحسن العسكري (عليهم السلام)».