الخوف. هذا هو ما يعيش عليه معظم الناس، الخوف من النار، الخوف من أن ينخدعوا. الخوف من الشيطان أو الدجال أو الخوف من التغيير. هذا الخوف هو ما يستخدمه العلماء غير العاملين لخداع الناس وحملهم على الطاعة العمياء. فقد كان خوف المصريين من الله هو ما سمح لفرعون باستخدام الكهنة في معبد آمون لاستعباد الناس. الخوف من كسر البرمجة التي نشأنا عليها هو ما وضعنا تحت وطأة العبودية، فقد كان قول الكافرين في القرآن الكريم:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾. الناس مثل القطيع الأعمى يتبعون الحشود وكل ما هو مألوف: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
ستجد دائماً العلماء غير العاملين يقومون بشيطنة وتشويه صورة أي شخص وأي شيء يتحدى سلطتهم أو يهددها، فتجد كهنة آمون يصورون موسى (عليه السلام) على أنه شيطان، والحاخامات يصورون عيسى (عليه السلام) على أنه شيطان، والعلماء اليهود والمسيحيون يصورون محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنه شيطان، لماذا؟ لكي يخاف الناس من اتباعهم. ولماذا كان نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد أولي العزم؟ لأنهم بعزيمة تركوا كتب من قبلهم وطرقهم ونصوصهم المقدسة.
عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «قول الله ﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل﴾ فقال: «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وعلى جميع أنبياء الله ورسله»، قلت: «كيف صاروا أولي العزم؟» قال: «لأن نوحا بُعث بكتاب وشريعة فكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتى جاء إبراهيم (عليه السلام) بالصحف، وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتى جاء موسى بالتوراة وبعزيمة ترك الصحف، فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة وشريعته ومنهاجه حتى جاء المسيح بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه، فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه حتى جاء محمد (صلى الله عليه وآله) فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولو العزم من الرسل».
ونحن الآن في يوم القيامة، أو يوم قيام القائم، وقد كان لأحمد الحسن (منه السلام) ما يكفي من العزيمة ليترك كتب وشريعة من قبله، لا كفراً بها، بل لأنه جاء بالعهد السابع، وهو عهد جديد أكمل وأمثل، بكتابه وشريعته الجديدة وبالمعنى الحقيقي للدين، السجود لآدم أو لخليفة الله، الملك أو الرسول المعين من الله، هذه هي الصلاة الحقيقية وعبادة الله الحقة، ولكي يبرهن أحمد الحسن (منه السلام) على هذه النقطة، طلب مني ذات مرة أن آخذ البيعة من المؤمنين للمهدي آدم (عليه السلام)، فجئت بآدم (عليه السلام) في ذلك اليوم أمام جمع كبير من المؤمنين وتلوت:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
وفوراً سجد المؤمنون جميعاً في ذلك اليوم، وقد صور البعض هذه الحادثة وعندما رجعت للإمام (منه السلام)،
قال الإمام (منه السلام): «بوركت وبورك جميع الأهل المؤمنين وبارك الله جمعكم المبارك وهنيئاً للمؤمنين وهم بين اثنين من أعز ما خلق الله سبحانه على قلبي، يوسف وآدم، حفظكم الله تعالى، ما أجمل هذا وما أجملكم حفظكم الله تعالى، الله أكبر كبيراً وحمداً لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده صدق وعده وهزم الأحزاب وحده، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ها قد تحقق سجود الملائكة لآدم (ع) مرة أخرى، لله الحمد والمنة، إبليس في هذه اللحظة لعنه الله قد مزقتموه تمزيقاً، بوركتم جميعاً بهذا السجود وهذه الطاعة، قد غفر الله تعالى جميع جميع جميع ذنوب المؤمنين، أخبرهم بذلك وقد رفعت عنكم صلاة الجمعة لأربع أسابيع، الله أكبر ولله الحمد، أنتم الصلاة بني، أنت وآدم عليكما السلام فرضان، فما يفعلون بصلاة الجمعة حفظكم الله تعالى، أنت رافع رأسي دوماً بني الحبيب».
قلت: «لا أريد سوى رضاك عني».
قال الإمام (منه السلام): «راضٍ عنك كل الرضا والقبول، بوركت بني الحبيب وزادكم من خيره ونعيمه».
كما رأيتم، يمكن للمؤمن من خلال طاعته، أن يصل إلى درجة تسقط عنه فيها العبادات الظاهرية ولا تعد ضرورية، لأن الله لا يحتاج إلى عبادتنا بل نحن المحتاجون.
قلت لأبي (منه السلام): «علمني الحلال والحرام».
قال الإمام (منه السلام): «بني وهل سوف تتحمل، هل سوف تصبر…؟».
سألته (منه السلام): «يعني هل الشريعة هنا هي شريعة الجنة بالنسبة لنا؟».
فقال (منه السلام): «نعم بني نعم، افهم، افهم بني تحرر».
قلت: «ماذا عن المؤمنين العاديين الذين ليسوا بحجج؟ هل تسقط عنهم شريعة الأرض أيضاً؟».
قال الإمام (منه السلام): «الشريعة تسقط عن المؤمنين الذين يسلمون تماماً لله تماماً، أنت فوق الشريعة إذا عقلك تيقن ذلك، فهل عقلك يتيقن ذلك؟ أريدك أن تثبت لي ذلك، أنا أريدك أن تثبت لي أنك مقتنع بعقلك تمام الإقتناع. بني انزعوا كل إرث قديم تعلمتموه من أدمغتكم، فأنتم فوق الشريعة ولا تمتثلون لها، أنتم من عالم آخر حلاله غير هذا الحلال وحرامه غير هذا الحرام، افهموا أرجوكم، افهموا ما أريد، افهموا وتحرروا، تحرر بني تحرر».
قلت: «إذن هذا الأمر الذي قلت أنه رجس، هو ليس كذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم إنه رجس لأنك تظنه خطأ وهو حلال إن كنت تعتقد هذا، معادلة صعبة تحتاج إدراك واسع، وهو كذلك في كل شيء، الخمر و و و».
قلت: «يعني عقل الإنسان إذا كان عبداً للدنيا ومن الدنيا هو مُغَلَّل بسلاسل الشريعة؟».
قال الإمام (منه السلام): «أحسنت أحسنت أحسنت».
قلت: «كيف يمكن للإنسان أن يعرف أنه وصل إلى درجة الأحرار؟».
قال الإمام (منه السلام): «الإمام فقط هو من يرفع السلاسل عن العبد ويُعرِّفه».
قلت: «ماذا لو رفع هو السلاسل عن نفسه وتوقف عن الصلاة وفعل ما يحلو له؟».
قال الإمام (منه السلام): «هذا يكون عاصِ وغير مؤمن ويحاسب على هذه الأفعال».
فكرت كثيراً في هذه الكلمات وأنا أعلم أن كلام الإمام (منه السلام) يعد هرطقة في أذهان الكثيرين ويجعلهم يضطربون، معتقدين أنه شيطان أو دجال. ذكرني هذا برؤيا رآها تلاميذ عيسى (عليه السلام) واضطربوا منها، وكانت الرؤيا أيضاً متعلقة بالشريعة والصواب والخطأ. وقد وردت في المخطوطة التي عُثر عليها في نجع حمادي، وهي إنجيل يهوذا. سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عن هذه الرؤيا:
قلت: «أبي ورد في إنجيل يهوذا أن الحواريين شاهدوا رؤيا وجاءت كالتالي: «وفى يوم آخر عندما جاءهم يسوع قالوا له: «يا سيد لقد رأيناك فى رؤيا، لأننا رأينا أحلاماً عظيمة ليلاً» وقالوا: «رأينا منزلاً عظيماً فيه مذبح كبير، واثنى عشر رجلاً، وكان علينا أن نقول هم الكهنة واسم، وجموع من الناس كانت تنتظر عند ذلك المذبح ويتسلمون النذور، لكننا ظللنا منتظرين، فقال يسوع : وماذا كان شكل الكهنة؟ قالوا: البعض يصوم لأسبوعين، وآخرون يضحون بأطفالهم، وغيرهم يضحون بزوجاتهم، فى تسبيح واتضاع مع بعضهم البعض، البعض ينامون مع الرجال، بعضهم تورط فى الذبح، والبعض ارتكب خطايا عديدة وأعمال إثم، وكان الواقفون أمام المذبح يتوسلون باسمك، وفى كل أعمال عجزهم فقد وصلت ذبائحهم للكمال، وبعد أن قالوا ذلك، هدأت نفوسهم، لأنهم كانوا مضطربين».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «هؤلاء الإثني عشر رجلاً الذين رأوهم في الرؤيا التي جعلتهم يضطربون، هل هم المهديون أم هم الإثنا عشر الذين يبقون في النهاية أم هم التلاميذ الإثني عشر؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، إنهم المهديون».
اضطرب الحواريون لأن الأعمال التي كان يقوم بها الناس كتضحيات للرب في الرؤيا كانت أعمال يعتبرونها هم مخالفة للشريعة، وما لم ينتبهوا إليه هو النية من وراء هذه الأفعال التي قُدمت كتضحيات، ونتائج هذه الأفعال، كما هو الحال مع أفعال العبد الصالح في قصة موسى (عليه السلام) في سورة الكهف.
سفر الرؤيا هو من أكثر أسفار الكتاب المقدس غموضاً، إنه السفر الأخير في العهد الجديد ولا يوجد إجماع على كاتبه ولا إجماع على معناه، إنها رؤيا غامضة دوَّنَها المؤلف الذي يعرّف نفسه فقط باسم يوحنا. يعتقد البعض أن المؤلف هو نفسه يوحنا الذي كتب إنجيل يوحنا، وهو ما لا يرجحه العلماء المعاصرون. ويختلف العلماء فيما بينهم حول ما إذا كان كاتب إنجيل يوحنا هو يوحنا تلميذ عيسى، أو ما إذا كان تلميذاً للحواريين كان اسمه يوحنا أيضاً. أرجع العلماء المخطوطة إلى القرن الأول بعد الميلاد، وذلك لاعتقادهم بأن السفر يحتوي على إشارات للإمبراطور نيرو الذي عاش في ذلك الوقت.
بإختصار، يعتبر معظم المسيحيين أن سفر الرؤيا هو سفر يسرد أحداث آخر الزمان بالتفصيل، وفيه يظهر عيسى ليوحنا في رؤيا ويأمره بتبليغ رسائل معينة لكنائس عدة، ثم يريه مشاهد مختلفة خاصة برجعة عيسى وظهور الدجال وأحداث هرمجدون، أو نهاية العالم. يُعتبر سفر الرؤيا من أكثر الأسفار التي يتم استخدامها لتشويه صورة الإسلام والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لأن بعض الدعاة ومن يسمون بالعلماء المسيحيين فسروا سفر الرؤيا على أنه يتحدث عن مواجهة أخيرة بين المهدي وعيسى. كما أنهم يؤمنون بأن الإشارات الواردة في سفر الرؤيا والتي تتحدث عن فارس أبيض، كما ورد في سفر الرؤيا ٦: ٢، هي إشارات تتحدث عن المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ».
يسرد سفر الرؤيا تفاصيل خروج ثلاثة شخصيات يعتبرها المسيحيون تجلياً للشر أو الثالوث الغير مقدس، وهم التنين والدابة التي تخرج من البحر والدابة التي تخرج من الأرض. يُفسَّر التنين على أنه الشيطان، وتُفسَّر الدابة التي تخرج من البحر على أنها الدجال، أما الدابة التي تخرج من الأرض فتُفسَّر على أنها نبي كاذب، وهو شخص يدعو إلى الدابة الأولى. قبل أن نسترسل، دعونا نلقي نظرة على الآيات الموجودة في سفر الرؤيا والتي تتناول هذا الموضوع:
«وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ. وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ، وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا قَائِلًا فِي السَّمَاءِ: «الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلهِنَا نَهَارًا وَلَيْلًا. وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ. مِنْ أَجْلِ هذَا، افْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ! عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلًا». وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ الْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِالنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ».
«ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ الْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشًا طَالِعًا مِنَ الْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ اسْمُ تَجْدِيفٍ. وَالْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتُهُ كَانَ شِبْهَ نَمِرٍ، وَقَوَائِمُهُ كَقَوَائِمِ دُبٍّ، وَفَمُهُ كَفَمِ أَسَدٍ. وَأَعْطَاهُ التِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَانًا عَظِيمًا. وَرَأَيْتُ وَاحِدًا مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ الْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ وَرَاءَ الْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ الَّذِي أَعْطَى السُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: «مَنْ هُوَ مِثْلُ الْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟» وَأُعْطِيَ فَمًا يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا أَنْ يَفْعَلَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. فَفَتَحَ فَمَهُ بِالتَّجْدِيفِ عَلَى اللهِ، لِيُجَدِّفَ عَلَى اسْمِهِ، وَعَلَى مَسْكَنِهِ، وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّمَاءِ. وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ. فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الْخَرُوفِ الَّذِي ذُبِحَ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْيًا، فَإِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِالسَّيْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِالسَّيْفِ. هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ».
«ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ، وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ، وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْشِ، قَائِلًا لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ الَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ السَّيْفِ وَعَاشَ. وَأُعْطِيَ أَنْ يُعْطِيَ رُوحًا لِصُورَةِ الْوَحْشِ، حَتَّى تَتَكَلَّمَ صُورَةُ الْوَحْشِ، وَيَجْعَلَ جَمِيعَ الَّذِينَ لاَ يَسْجُدُونَ لِصُورَةِ الْوَحْشِ يُقْتَلُونَ. وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ: الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ، وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ. هُنَا الْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسُبْ عَدَدَ الْوَحْشِ، فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّمِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ».
قلت لأبي (منه السلام): «أبي، لديك في الإنجيل الرقم ٦٦٦ وعلاقته بما يسمى الدابة من الأرض، يفسرها أهل الإنجيل على أنها الدجال وأنه يختم الناس، وفي القرآن لديك دابة الأرض التي تختم الناس بخاتم سليمان. ويتكرر هذا الرقم مرات عديدة في مواضع غريبة. ما معنى هذا الرقم ؟ وهل هذه الدابة هي القائم وهي التي يفسرها الكتاب المقدس على أنها الدجال؟».
قال الإمام (منه السلام): «الدابة هي القائم نعم في هذا الزمان، لكل زمان دابة، رقم ٦٦٦ هو جمع وضرب».
قلت: «جمع وضرب؟».
قال الإمام (منه السلام): «إن ضربت رقمين ثم جمعت الآخر يظهر لك رقم ٦×٦= ٣٦».
قلت: «نعم».
قال الإمام (منه السلام): «٣٦+٦=٤٢».
قلت: «٤٢؟».
قال الإمام (منه السلام): «٤٢، بما يذكرك هذا الرقم؟ ها؟ ٤٢ رجلاً».
قلت: «بالضبط».
قال الإمام (منه السلام): «وإن رجعت وجمعت رقم ٤٢، كم يكون؟»
قلت: «يكون ٦؟».
قال الإمام (منه السلام): «٦، أصحاب الكساء كم؟».
قلت: «أصحاب الكساء ٥، زائد جبرائيل يكونوا ٦».
قال الإمام (منه السلام): «٦، الآن فهمت».
قلت: «سبحان الله، لا إله إلا الله».
قال الإمام (منه السلام): «لن يفسرها غيري حتى نهاية الدهر».
قلت: «قرأت عن الدابة في الكتاب المقدس ووجدت الآتي: «ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشًا آخَرَ طَالِعًا مِنَ الأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ، وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ الْوَحْشِ الأَوَّلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ الأَرْضَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ الأَوَّلِ الَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ الْمُمِيتُ، وَيَصْنَعُ آيَاتٍ عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْعَلُ نَارًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ قُدَّامَ النَّاسِ، وَيُضِلُّ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ بِالآيَاتِ الَّتِي أُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَهَا أَمَامَ الْوَحْشِ، قَائِلًا لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَصْنَعُوا صُورَةً لِلْوَحْشِ الَّذِي كَانَ بِهِ جُرْحُ السَّيْفِ وَعَاشَ».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «الدابة الأولى هي التي يسجد لها الناس والدابة الثانية هي التي تجعل الناس يسجدون للدابة الأولى، هل هذه إشارة لي ولك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
قلت: «أبي، منذ وقت طويل وأنا أعرف أن القرآن يقول أن الدابة من الأرض هي التي تكلم الناس، والآن عرفت منك من هي الدابة في الحقيقة، ولكن الإنجيل يتحدث عن الدابة وكأنها شيطانية، هل يرجع ذلك إلى تحريف في النصوص أم أن هذا مُتعمَّد بقصد تضليل الناس عن الإمام المهدي؟ أم ماذا حدث في سفر الرؤيا؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم بني قطعاً هو تحريف، لكي يضلوا أتباع الديانة، ويُرُوهم الحق باطل».
قلت: «نعم هكذا ظننت، لكن أحببت أن أتأكد».
الآن يتضح لنا أننا أمام مسألة شائكة جداً، فالكتاب المقدس يقول أن الدابة هي جندي من جنود الشيطان وعدو لعيسى ولله، والقرآن يقول أن هناك دابة تخرج وتكلم الناس بكفرهم، وقد قال الإمام (منه السلام) أنه هو الدابة التي تخرج من البحر، والقائم هو الدابة التي تخرج من الأرض، ولكنهم من المفترض أنهم أخيار، فهل يمكن أن يكون الحديث هنا عن دابتين مختلفتين؟ قطعاً لا. كيف لنا أن نعرف؟ في سفر الرؤيا تصنع الدابة سِمَة للناس عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ:
«وَيَجْعَلَ الْجَمِيعَ: الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَالأَغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ، وَالأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ الْيُمْنَى أَوْ عَلَى جَبْهَتِهِمْ، وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ، إِّلاَّ مَنْ لَهُ السِّمَةُ أَوِ اسْمُ الْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ اسْمِهِ».
هل الدابة في القرآن والإسلام تختم الناس أو تضع سمة على الناس أيضاً؟ عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
«تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى، فتجلو وجه المؤمن، وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول: ها ها يا مؤمن. ويقال: ها ها يا كافر. ويقول هذا: يا مؤمن. وهذا: يا كافر».
وهناك رواية أخرى تبين أن الشيعة في زمن الإمام علي (منه السلام) كانوا يعتبرونه دابة الأرض التي تختم الناس. عن ابن نباتة قال:
قال لي معاوية: «يا معشر الشيعة تزعمون أن عليا دابة الأرض؟ قلت: نحن نقول واليهود يقولون، قال: فأرسل إلى رأس الجالوت فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم مكتوبة؟ فقال: نعم، فقال: وما هي أتدري ما اسمها قال: نعم اسمها إيليا، قال: فالتفت إلي فقال ويحك يا أصبغ ما أقرب إيليا من عليا».
تبين هذه الرواية أن اليهود في زمن الإمام علي (منه السلام) كانوا يعتبرون أن دابة الأرض هي إنسان وأنها رجلاً صالحاً، وأنها النبي إيليا (عليه السلام) في رجعته.
سُئل الإمام الرضا (منه السلام) عن هذا الأمر بالتحديد فأجاب: ﴿أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم﴾ «قال: علي».
وفي رواية أخرى قال أمير المؤمنين (منه السلام) نفسه: «أنا دابة الأرض».
كما أكد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الإمام علي (منه السلام) هو دابة الأرض. ورُوي أيضاً:
«انْتَهَى رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ، قَدْ جَمَعَ رَمْلاً وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَيْهِ، فَحَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قالَ له: قُمْ يَا دَابّة اللهِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُسَمِّي بَعْضُنَا بَعْضاً بِهذَا الاسْمِ؟ فَقَالَ: لا وَاللهِ مَا هُوَ إِلّا لَهُ خَاصَّةً، وَهُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي ذكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢] ثُم قالَ: يَا عَلِيُّ، إِذَا كَان آخِرُ الزَّمَانِ أَخْرَجَكَ اللهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَمَعَكَ مَيْسَمٌ تَسِمُ بِهِ أَعْدَاءَكَ».
وإذا كان الإمام علي (منه السلام) هو الدابة التي تخرج من الأرض، فلابد أن يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الدابة التي تخرج من البحر والتي تدعو لها الدابة التي تخرج من الأرض، ولكن هل يؤكد الإمام علي (منه السلام) وجود صلة بين الدابة وبين المهدي الذي يخرج في آخر الزمان؟
عن الإمام علي (منه السلام) أنه قال: «ألا أحدثك ثلاثا قبل أن يدخل علي وعليك داخل؟ قلت: بلى، فقال: أنا عبد الله وأنا دابة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟ قال: قلت: نعم قال: فضرب بيده إلى صدره وقال: أنا».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في كتاب التوحيد: «وقال أبو جعفر: «إنه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق فهذا حين ينزل، وأما ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر». والوسم على الخرطوم المقصود به ما يفعله القائم أو دابة الأرض ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾».
وهكذا يتبين لنا أن الدابة المذكورة في سفر الرؤيا هي آل البيت (منهم السلام) وهي التي تختم أو تَسِمْ المؤمنين والكافرين في زمن خروج القائم، ومن الواضح أيضاً أن الدابة تخرج ومعها آثار ومقتنيات الأنبياء والرسل، عصا موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام)، وبالتالي لا يمكن أن تكون الدابة شخصية سيئة، بل إنها وريث الأنبياء والرسل، حيث أن خاتم سليمان وعصا موسى كانا متشبعين بالقدرة الإلهية وكان يتناقلهما وصي بعد وصي. ونرى في نفس الرؤيا كلمة «الوحش» مستخدمة لوصف الكروبيين الأربعة الذين يحيطون بعرش الله:
«وَكَانَ أمَامَ العَرْشِ مَا يُشْبِهُ بَحْرًا شَفَّافًا مِنَ الزُّجَاجِ. وَأمَامَ العَرْشِ، وَإلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهِ، أرْبَعَةُ وحوش لَهَا عُيُونٌ كَثيرَةٌ مِنْ أمَامٍ وَمِنْ خَلفٍ. كَانَ الوحش الأوَّلُ يُشْبِهُ الأسَدَ، وَالثَّانِي يُشْبِهُ الثَّورَ، وَالثَّالِثَ لَهُ وَجْهُ إنْسَانٍ، وَالرَّابِعُ يُشْبِهُ النَّسرَ الطَّائِرَ. وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا سِتَّةُ أجنِحَةٍ، وَتُغَطِّيهَا العُيُونُ مِنَ الخَارِجِ وَالدَّاخِلِ. كَانَتْ هَذِهِ الوحوش لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ التَّسبِيحِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَهِيَ تَقُولُ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ الرَّبُّ الإلَهُ، القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. الكَائِنُ، وَالَّذِي كَانَ، وَالَّذِي سَيَأْتِي».
كما أن التنين ككناية أو تشبيه ليس بالضرورة تشبيهاً سلبياً وسيئاً أو يرمز حصراً إلى الشيطان، فرمز التنين استُخدم في التوراة كصفة ورمز لله، حيث يصف داود (عليه السلام) الله بكونه تنين ينفث ناراً في ترنيمته في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح ٢٢:
«فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ، وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي دَخَلَ أُذُنَيْهِ. فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَارْتَعَشَتْ. أُسُسُ السَّمَاوَاتِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ، لأَنَّهُ غَضِبَ. صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ اشْتَعَلَتْ مِنْهُ. طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ، وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ. رَكِبَ عَلَى كَرُوبٍ، وَطَارَ وَرُئِيَ عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. جَعَلَ الظُّلْمَةَ حَوْلَهُ مِظَلاَّتٍ، مِيَاهًا حَاشِكَةً وَظَلاَمَ الْغَمَامِ. مِنَ الشُّعَاعِ قُدَّامَهُ اشْتَعَلَتْ جَمْرُ نَارٍ. أَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاوَاتِ، وَالْعَلِيُّ أَعْطَى صَوْتَهُ. أَرْسَلَ سِهَامًا فَشَتَّتَهُمْ، بَرْقًا فَأَزْعَجَهُمْ. فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ الْبَحْرِ، وَانْكَشَفَتْ أُسُسُ الْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِ الرَّبِّ، مِنْ نَسْمَةِ رِيحِ أَنْفِهِ».
هذا ليس المقطع الوحيد الذي يُشبَّه فيه الله بالتنين في العهد القديم، في سفر إشعياء الإصحاح ٣٠، الآيات ٢٧-٣٣ يوصَف الله بكونه تنين طائر ينفث ناراً:
«هُوَذَا اسْمُ الرَّبِّ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ وَالْحَرِيقُ عَظِيمٌ. شَفَتَاهُ مُمْتَلِئَتَانِ سَخَطًا، وَلِسَانُهُ كَنَارٍ آكِلَةٍ، وَنَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ غَامِرٍ يَبْلُغُ إِلَى الرَّقَبَةِ. لِغَرْبَلَةِ الأُمَمِ بِغُرْبَالِ السُّوءِ، وَعَلَى فُكُوكِ الشُّعُوبِ رَسَنٌ مُضِلٌّ. تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَّةٌ كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ، وَفَرَحُ قَلْبٍ كَالسَّائِرِ بِالنَّايِ، لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى صَخْرِ إِسْرَائِيلَ. وَيُسَمِّعُ الرَّبُّ جَلاَلَ صَوْتِهِ، وَيُرِي نُزُولَ ذِرَاعِهِ بِهَيَجَانِ غَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، نَوْءٍ وَسَيْل وَحِجَارَةِ بَرَدٍ. لأَنَّهُ مِنْ صَوْتِ الرَّبِّ يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِالْقَضِيبِ يَضْرِبُ. وَيَكُونُ كُلُّ مُرُورِ عَصَا الْقَضَاءِ الَّتِي يُنْزِلُهَا الرَّبُّ عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ وَالْعِيدَانِ. وَبِحُرُوبٍ ثَائِرَةٍ يُحَارِبُهُ. لأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ الأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضًا لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ. نَفْخَةُ الرَّبِّ كَنَهْرِ كِبْرِيتٍ تُوقِدُهَا».
عندما ننظر في وصف القائم وأصحابه في ضوء روايات آل البيت الكرام، فإننا نجد أن الناس عند ظهورهم يظنون أنهم خبثاء ويلعنونهم ويظنون أنهم شياطين أو أنهم الدجال، إلا أنهم عند الله أخيار وصالحون. وقد ورد في إحدى الروايات التي تتحدث عن ظهور الإمام الحسين (منه السلام) ورجعته في زمن القائم:
«...المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا يشك المؤمنون فيه وإنه ليس بدجال ولا شيطان والحجة القائم بين أظهرهم فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين (عليه السلام) جاء الحجة الموت...».
هنا نرى أن حتى المؤمنون يشكون في أن الإمام الحسين (منه السلام) هو شيطان أو دجال لفترة معينة، لذلك لا عجب في أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف أصحاب القائم بقوله:
«هم عند الناس كفار وعند الله أبرار، وعند الناس كاذبون وعند الله صادقون، وعند الناس أرجاس، وعند الله نظاف، وعند الناس ملاعين وعند الله بارون، وعند الناس ظالمون وعند الله عادلون، فازوا بالإيمان وخسر المنافقون».
يتبين إذن أن الأمر الذي يأتي به القائم هو أمر خطير، لأنه شبيه بالشر ولكنه في الحقيقة خير، والناس يظنونه شراً ويخافونه ويلعنونه هو وأصحابه ورايته، لأنهم يظنون أنه شيطان أو دجال، ولهذا يخرج من هذا الأمر من كان يُظَن أنه من أهله، ويدخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر. إن دابة الأرض، مططرون، يدعو الجميع للسجود إلى صاحب العهد السابع في هذا الزمان، وهو الإمام أحمد الحسن (منه السلام)، الدابة الطالعة من البحر، وروح الحق، والصوت الذي كلم موسى من الشجيرة المشتعلة.