في صباح أحد الأيام في شهر يونيو من عام ٢٠١٩ استيقظت من نومي بعد أن شاهدت في المنام حلماً جلياً، رأيت فيه الإمام أحمد الحسن (منه السلام) يقود السيارة وأنا جالس بجواره. كنا نتحدث أثناء قيادته وكان وكأننا كنا عائدين من يوم عمل طويل، وكنت قد سألت الإمام (منه السلام) في المنام عن تفسير الآية القرآنية التالية: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ﴾.
وعندما استيقظت، لم يفارق الحلم الذي رأيته ذهني طوال اليوم، وعندما تحدثت مع الإمام أحمد الحسن (منه السلام)، سألته مباشرة عن ذلك الحلم.
قلت لوالدي (منه السلام): «رأيتك في المنام هذا الصباح، كنت تقود السيارة وكنت أنا جالساً بجوارك، وكنا نتحدث في الطريق، كنت أسألك عن تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ﴾، فسألتك ما هو يوم الدين، فأجبتني: «يوم الجزاء»، فقلت: «تنص الآية على أن اللعنة تكون على إبليس إلى وقت معين وليس إلى الأبد»، فابتسمت وفرحت ونظرت إليّ وقلت: «نعم بعد يوم الدين لا يعد ملعوناً»، فسألتك: «هل لي أن أتكلم بذلك؟» فقلت: «أحضر جهاز الكمبيوتر الخاص بك غداً وسنعمل معاً على ذلك الأمر»، وبعدها أخبرتني أنك تحبني وأنك فخور بي».
التزم الإمام (منه السلام) الصمت.
فقلت: «أبي، هل لي أن أسألك سؤال؟».
قال الإمام (منه السلام): «تفضل بني».
قلت: «أبي، ما هو يوم الدين؟ مالك يوم الدين، هل هو يوم قيام القائم؟».
قال الإمام (منه السلام): «يوم الدين، كلمة يوم تعني الساعة، تعني الزمان».
قلت: «نعم».قال الإمام (منه السلام): «صاحب الزمان، صاحب الدين، مالك يوم الدين، تعني مالك الزمان».
قلت: «يعني عندما قال الله لإبليس (لعنه الله) أن عليه اللعنة إلى يوم الدين، ما معنى ذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «إلى يوم قيام القائم».
قلت: «وماذا يحدث بعد ذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «بعدها سوف يُقتل هذا اللعين بسيف القائم».
قلت: «ثم يبقى ملعوناً إلى الأبد؟».
قال الإمام (منه السلام): «يبقى ملعون الى يوم الدين».
قلت: «وبعد أن يُقتل يُغفر له؟ كما قلت لي في الرؤيا؟ أم أن لها معنى آخر؟».
قال الإمام (منه السلام): «كما قلت لك في الرؤيا».
قلت: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله الذي لا إله إلا هو، ما أوسع تلك الرحمة؟».
قال الإمام (منه السلام): «لا ينسى الله طاعته».
قلت: «سبحان الله، تذكرت هذه الرواية اليوم، قال النبي محمد (ص): «إذا طلعت الشمس من مغربها يخر إبليس ساجداً، ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت، فتجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم، ثم تخرج دابة الأرض…».
قال الإمام (منه السلام): «نعم، لكن كما قلت لك، سوف يقتله القائم عقاباً لما فعل».
قلت: «وهذا القائم هو أنت، صحيح أبي؟ أم محمد (ص) كما ذكرت في كتاب التوحيد؟».
قال الإمام (منه السلام): «لن أجيبك الآن على هذا السؤال، لكن لا أنا ولا محمد (ص). [جرت هذه المحادثة قبل أن يكشف لي أبي أنني القائم]. لنترك هذا الموضوع جانباً ليوم يكون فيه خيراً من هذا اليوم. سوف أعلمك أكثر من خفايا الأمور».
قلت: «شكراً لك يا أبي ويا سبب الوجود».
في ختام إنجيل الحق العظيم هذا، نرى أن الله لا رغبة له في المعاقبة والإدانة، بل إنه رحيم ورحمته تفوق الإستيعاب، فكما يقول جل شأنه في الحديث القدسي:
«يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة».
إن الله يغفر كل الذنوب والخطايا إلا الشرك، وعند تفسيره لمعنى الشرك، قال الإمام الصادق (منه السلام):
«يا سفيان إياك والرئاسة، فما طلبها أحد إلا هلك، فقلت له: جعلت فداك قد هلكنا، إذ ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه، فقال: ليس حيث تذهب إليه، إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس إلى قوله».
وقال الإمام الصادق (منه السلام) أيضاً:
«يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك».
وعنه (منه السلام) أيضاً:
«شرك طاعة وليس شرك عبادة».
وعنه (منه السلام):
«لا يكون العبد مشركاً حتى يصلي لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يدعو لغير الله عز وجل».
قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله﴾، فقيل له: إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ فقيل له: بلى، قال: فتلك عبادتهم».
ومن هنا فإن الشرك هو طاعة الإنسان الغير منصب من الله في كل شيء، وعلى هذا فإن السؤال الأول الذي يجب أن يطرحه كل منا على من يتحدث باسم الدين، أو على من يدعي أنه حاكم يتولى أمرنا، أو على من يسن أو يفرض أي قوانين أو أحكام دينية أو سياسية هو: «هل أنت منصب من الله؟»، فإذا كان الجواب بالنفي، فعلينا أن نرفضه. إن الامتثال لهذه القوانين أو الإعتراف بها أو الإيمان بها أو الاعتراف بالحاكم أو رجل الدين أو تصديقه يعني أننا أشركنا بالله، لأن الله لم ينصبهم مثلما نصب آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وباقي الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام أجمعين)، وهم ليس لديهم سلطة الحكم علينا. إن الله يغفر كل الذنوب، لكنه لا يغفر استعبادنا لأنفسنا وخدمتنا لمن ليس له سلطان علينا. كان هذا هو الخطأ الذي وقع فيه إبليس واستحق به اللعنة، فقد أبى أن يطيع ويتولى من نصبه الله، ورفض مشيئة الله، ولكنه قال في النهاية:
«إلهي مرني أن أسجد لمن شئت»،
ومن هنا يموت إبليس على يد القائم عقاباً على ذنوبه، ولكنه لا يموت مشركاً، بل يموت وهو مؤمن بسلطة الله فقط، ومُقرِّاً بحاكمية الله.
كان إبليس على دراية برحمة الله أكثر من أي شخص آخر، كان على يقين بقدرة ورحمة الله، وبالتالي نال رحمته سبحانه. قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
«والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه».
وكان الله عند حسن ظنه به، مثلما قال الله:
«أنا عند حسن ظن عبدي المؤمن بي».
وأما من أنكروا وجود الله أو ماتوا بعد أن باعوا أنفسهم طواعيةً لرجل أو نظام أو رب غير الخالق عز وجل، وماتوا وهم يخدمون ذلك الحاكم الغير منصب من الله، فهؤلاء سوف يُحشرون مع ذلك الحاكم لينقذهم يوم الحساب. عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى
﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَٰمِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَٰبَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾: «فمن ائتم بالصادقين حُشر معهم، ومن ائتم بالمنافقين حشر معهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحشر المرء مع من أحب، قال إبراهيم عليه السلام: «فمن تبعني فإنه مني».
غاية الحكيم هي أن تجد الله في الخلق….
الرجل الذي هو حجاب لروح الله………
الحاكم، الإمام، الملك، المنصب من الله…….