تعد قيامة عيسى المسيح (عليه السلام) من أهم المواضيع في المسيحية. يؤكد المسيحيون على أن قيامة عيسى (عليه السلام) كانت قيامة جسدية، وأنه بُعث حياً بعد ثلاثة أيام من موته، وقام بجسده المصلوب من القبر. أما المسلمون فلا يؤمنون بقيامة عيسى (عليه السلام) بما أن عيسى لم يُصلب من الأساس، حيث يعتقدون أنه رُفع إلى السماء في عمر الثالثة والثلاثين ليرجع في آخر الزمان. يستدل المسيحيون على معتقدهم بنصوص من الكتاب المقدس حيث يجد التلاميذ القبر فارغاً، علاوة على ظهور عيسى (عليه السلام) لهم. أما المسلمون فيستدلون بالقرآن الكريم وببعض الأحاديث، لكن هل يؤيد الكتاب المقدس والقرآن حقاً ما يدعيه المسيحيون والمسلمون؟
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «يسألني المسيحيون:
ما هو سبب الصلب؟ هل كان لرفع ذنوب البشر كما يقول المسيحيون؟ ومن خلاله مُحيت ذنوب وخطايا البشرية؟ أم ماذا كان سبب الصلب؟».
أجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«الصلب والمصلوب كان فداء وتضحية، وهو كما يقال لتُغفر ذنوب الناس، لكن ليس كلهم، وليس من أول الخلق لآخره، في زمانهم فقط، المعاصرين المؤمنين، من ندموا، وليس المجرمين».
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«عندما ظهر عيسى (عليه السلام) لحوارييه بعد واقعة الصلب مكتوب أن يديه كانت فيهما علامات من أثر الصلب، ماذا يعني ذلك؟».
أجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «هذا غير صحيح، لم يكن في يديه آثار ولا في جسده».
سألت: «وتضحيتك في كربلاء؟».
قال (منه السلام): «هي هي…ويحيى (عليه السلام) …هي هي» [أي أن الحسين ويحيى بن زكريا (عليهما السلام) ضحيا بأنفسهما من أجل أن تُغفر ذنوب البشر في ذلك الزمان].
سألت الإمام (منه السلام): «هل هذا باختيار الحجة أم إجبار واقع؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «إنه أمر واقع باختيار الحجة».
المراحل العمرية المختلفة: الصبي، الفتى، الشاب، الكهل، الشيخ
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «ما الفرق بين الصبي والفتى والشاب والكهل والشيخ؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «الفرق من أي ناحية؟».
قلت: «أقصد الصبي من أي سن لأي سن وهكذا؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «الصبي من سن العاشرة إلى الخامسة عشر».
قلت: «وماذا عن الفتى؟ لا فتى إلا علي».
قال (منه السلام): «الفتى من سن الخامسة عشر لسن العشرين».
سألت: «والشاب؟».
أجاب (منه السلام): «والشاب من العشرين للأربعين».
قلت: «والكهل؟».
قال (منه السلام): «والكهل من سن الخامسة والستين لسن الخامسة والسبعين».
قلت: «أها! والشيخ؟».
قال (منه السلام): «والشيخ ما بعد الخامسة والسبعين».
قلت: «الله أكبر! إذن أعلنت سراً عظيماً! قال الله سبحانه وتعالى عن عيسى (عليه السلام): ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ مما يعني أن عيسى (عليه السلام) ظل حياً على هذه الأرض حتى الكبر، حتى السبعينات من عمره، أليس كذلك؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «نعم أكمل».
قلت: «لأن الأديان كلها تتفق على أن عيسى (عليه السلام) إما رُفع أو صُلب في عمر الثالثة والثلاثين، إذن أين ذهب أبي؟ وهل كان يلتقي بحوارييه؟ هذا موضوع كبير جداً ومسألة عظيمة، سنوات عيسى المسيح الضائعة بعد واقعة الصلب».
أجاب الإمام (منه السلام): «أصبت بني، أصبت بكل حرف».
حمدت الله وسبحته ثم قلت: «والله هذا موضوع سيذهل المسيحيين والمسلمين».
رد الإمام (منه السلام): «نعم بالضبط».
قلت: «أبي ماذا حدث لعيسى (عليه السلام) بعد ذلك روحي لك الفداء، أين ذهب وماذا فعل؟».
أجابني الإمام (منه السلام): «لما لا تعرف أنت ذلك كما عرفت هذا؟ ليس الآن بل اذهب وتدبر. ستعرف وسترى الأحداث التي حدثت في ذلك الوقت، ستراها بعينك».
سر جثمان عيسى (عليه السلام) ودفنه
قلت للإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم: «ماذا حدث لجسد عيسى (عليه السلام)، وأين دُفن؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «الآن أنت تريد أن تعرف أين دُفن جسد عيسى أو ما حل به».
قلت: «نعم، وهل أُخذ من الأساس إلى القبر الشهير الذي ذهبت إليه مريم المجدلية أم لا؟».
قال (منه السلام): «في البداية لم يذهب إلى هذا القبر، دفن في قبر آخر».
سألته: «ثم نُقل بعدها إلى القبر الشهير؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «نعم»
قلت: «إذن عندما جاءت مريم المجدلية إلى مكان القبر لم يكن مدفوناً هناك بعد؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم هو استؤمِن في أرض ما ثم نُقل إلى ذلك القبر المشهور».
سألت الإمام (منه السلام): «ماذا عن قبر تلفيوت الذي اكتشفوه مؤخراً والذي يحمل اسم «يشوع بَر يوسف؟».
قال الإمام (منه السلام): «بني هذا القبر الذي اكتُشف هو قبر وهمي، صنعوه لتشتيت الأنظار عن الحقيقي خوفاً من إخراج الجسد والعبث به».
سألت الإمام (منه السلام): «إذن سمعان بطرس هو الذي دفن عيسى (عليه السلام)؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «هذا صحيح».
قلت: «لكن باقي الحواريين لم يعلموا ومريم المجدلية لم تعرف كذلك؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم لم يعلموا».
قلت: «يعني كانت حركة مقصودة من عيسى (عليه السلام) كي يوهم الناس أنه خرج من القبر؟».
أجاب الإمام (منه السلام): «نعم لم تكن من عيسى (عليه السلام) بل من أنصاره».
حقيقة القيامة
بعد واقعة الصلب ذهب يوسف الرامي ونيقوديموس، وهما اثنان من حواريي عيسى (عليه السلام) السريين، إلى بيلاطس يطلبان جثمان عيسى (عليه السلام)، فَأَذِنَ بيلاطس لهما به، فقاما بتسليم جثمانه لسمعان بطرس (عليه السلام)، الذي كان وصي عيسى (عليه السلام). أخذ سمعان بطرس جسد المسيح (عليه السلام) ودفنه مؤقتاً في موقع سري حتى لا يعبث به اليهود والرومان. كانت هذه هي اللحظة التي ذهبت فيها مريم المجدلية إلى القبر الذي ظن الجميع أن عيسى (عليه السلام) مدفون فيه، لكنها وجدت القبر فارغاً. سجلت الأناجيل أنه خلال الأربعين يوماً التالية رأت مريم والحواريين عيسى (عليه السلام) عشر مرات. والحقيقة هي أنه ظهر لهم عشرات المرات، وكل مرة كان يظهر لهم فيها، لم يتعرفوا عليه في البداية، بل كانوا يظنون أنه مجرد أحد الغرباء، ليتفاجأوا بعدها بأنه كان عيسى (عليه السلام). إليكم ثلاثة روايات من الكتاب المقدس:
1- عيسى يظهر كبستاني لمريم المجدلية:
«أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ، فَنَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا. فَقَالاَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟». قَالَتْ لَهُمَا: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!» وَلَمَّا قَالَتْ هذَا الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟». فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ». فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هذَا».
2- عيسى يظهر في قرية عمواس كأحد الغرباء:
«وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا «عِمْوَاسُ». وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ. وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟». فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كِلْيُوبَاسُ وَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ؟». فَقَالَ لَهُمَا: «وَمَا هِيَ؟». فَقَالاَ: «الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلِكَ. بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِرًا عِنْدَ الْقَبْرِ، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضًا النِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ». فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟». ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: «امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَارُ». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟». فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: «إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ!» وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ».
3- عيسى يظهر لحوارييه كصياد السمك:
«وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلكِنَّ التَّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟». أَجَابُوهُ: «لاَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا». فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: «هُوَ الرَّبُّ!». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ». فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وَثَلاَثًا وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ. هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ».
بالإضافة إلى هذه النماذج الثلاثة من الكتاب المقدس، أقدم لكم نموذجاً إضافياً من الأناجيل الغنوصية. تكشف لنا مخطوطة من مخطوطات نجع حمادي بعنوان «أعمال بطرس والرسل الاثني عشر» عن حادثة غريبة أخرى يتضح جلياً من خلالها أن عيسى (عليه السلام) كان يظهر للتلاميذ في أجساد جديدة في كل مرة كانوا يلتقون به.
4- عيسى يظهر كـ «ليثرجويل» تاجر اللآلئ الغامض:
«[...] الذي [...] الهدف [... بعد...] نحن [...] رسل [...] أبحرنا [...] المجموعة. الآخرون ما كانوا متلهفين في قلوبهم. وفي قلوبنا، نحن وُحّدنا. وافقنا على تتميم الخدمة التي للسيد مُعيّننا. ونحن جعلنا عهداً بين بعضنا البعض. ونزلنا إلى البحر في اللحظة المناسبة التي أتت إلينا من الرب. ووجدنا سفينة على الشاطئ على إستعداد للابحار. وأخبرنا بحارة السفينة بأن يقبلونا معهم على سطحها. وأظهروا لطفاً عظيماً نحونا، بحسب ترتيب الرب. وبعد أن بدأنا في الإبحار، وقضينا النهار والليل، هبَّت ريح مواتية، وأتت بنا مدينة صغيرة في قلب البحر. وأنا بطرس سألت بعض السكان الواقفين على المرسى عن اسم هذه المدينة. فأجاب أحدهم قائلاً «إن اسم هذه المدينة (الدار)، أي الأساس». وقائدهم ممسكاً بسعوف النخل على حافة المرسى. وبعد أن نزلنا إلى الشاطئ، وأنزلنا أمتعتنا، ذهبت إلى المدينة لأبحث عن مأوى. والتقيت بإنسان يلبس ثوباً قد تمنطق عليه بمنطقة من ذهب. وكان هناك رداء فوق الثوب يغطي كتفيه، كما يغطي رأسه وذراعيه. ورحت أتطلع إلى ذلك الإنسان، فقد كان جميل الصورة في مظهره. ورأيت جوانب أربعة في جسده، وظهرت لي أطراف قدميه وجزء من صدره وراحة يده ووجهه. هذا هو ما رأيته. وفي يده اليسرى، رأيت كتاباً مغلقاً. نظير الكتب التي معي. أما في يمناه، فقد كان يحمل عصاً من أغصان شجرة الميعة الصمغية. وكان صوته يجلجل وهو يهتف في المدينة «لآلئ…لآلئ».
وأنا ظننته بالحقيقة واحداً من أهل المدينة. فقلت له «يا أخي ويا صديقي». فأجابني «حسناً قلت، أخي وصديقي. ما الذي تطلبه مني؟». فقلت له «إنني أسالك مأوى لي، ولمن هم معي، لأننا غرباء هنا»، فقال لي «لأجل هذا السبب قلت لك، أنك حسناً قلت يا أخي ويا صديقي، لأنني أنا غريبٌ نظيرك». وإذ قال هذا، عاد صارخا «لآلئ…لآلئ». فسمع نداءه أثرياء المدينة وأسرعوا خارجين عن مخازنهم الدفينة، والبعض الآخر كان ينظر من النوافذ العليا للمخازن، ولم يروا أنهم يستطيعون أن ينالوا منه شيئاً، لأنه لم يكن له مذود فوق ظهره، أو صرة في داخل ثيابه على صدره، وهكذا احتقروه، ولم يقروا به. وهو من جانبه لم يعلن ذاته لهم. فعادوا إلى مخازنهم قائلين «هذا الرجل يسخر منا».
أما فقراء المدينة، فقد سمعوا صوته. وأتوا إلى الرجل الذي يبيع اللآلئ وقالوا له «إننا نرجوك أن تعرض علينا اللآلئ حتى نراها بعيوننا، لأننا فقراء لا نملك من الثمن ما نقدمه عوضاً لها. ولكن إسمح لنا أن نقول لأصدقائنا، أننا رأينا لؤلؤة بأعيننا»، فأجاب وقال لهم «إن كان ممكناً، تعالوا إلى مدينتي، وأنا ليس فقط أريكم اللآلئ، وأعرضها أمام عيونكم، ولكن أيضاً أعطيكم إياها دون مقابل». وعندئذ، حينما سمع الفقراء قالوا «حيث إننا من الشحاذين فنحن نعلم يقيناً أن الإنسان لا يعطي لؤلؤة لمستعطي ولكنه يعطي خبزاً، وشيئاً من المال. والآن ما نرجو أن نناله، من لطفك، أن نرى بأعيننا لؤلؤة، وسنخبر أصدقائنا مفتخرين أمامهم، بأننا رأينا لؤلؤة بأعيننا، لأنه لا وجود للآلئ بين الفقراء، وعلى الأخص الشحاذون نظيرنا»، فأجاب وقال لهم «إن كان من الممكن، تستطيعون أن تأتوا إلى مدينتي، حتى إني لا أريكم فقط اللآلئ، بل أعطيها لكم مجانا بدون مقابل». ولقد سُرّ الشحاذون بذلك الرجل الذي يعطي دون مقابل.
وسأل أولئك بطرس عن متاعب الرحلة، وكلفتها. أما بطرس فأجابهم بما سمع عن متاعب الطريق لأنهم مفسرو المتاعب في دعوتهم. ثم قال (بطرس) للرجل الذي يبيع اللآلئ، «أريد أن أعرف اسمك، ومتاعب الطريق لمدينتك. لأننا غرباء، وخدام الله، ومن الواجب علينا أن نقدم كلمة الله في كل مدينة بلا استثناء». فأجاب الرجل وقال «إن كنتم تريدون اسمي. فأنا ألقب بإسم ليثرجويل وتفسيره (الحجر الكريم الذي يشبه الغزال)». ثم قال «وأما بخصوص الطريق، إلى المدينة، الذي سألتموني عنه، سأخبركم. لا يستطيع أحد أن يسلك الطريق، إلا الذي نبذ كل ما له من مقتنيات، وصام كل يوم، من الغروب إلى الغروب. لأن اللصوص يكثرون هناك، وكذلك الوحوش الضارية في الطريق. فالذي يحمل الخبز معه في الطريق، تقتله الكلاب السوداء، بسبب الخبز. والذي يحمل ثياب الدنيا الفاخرة يقتله اللصوص، بسبب الثياب الفاخرة. والذي يحمل الماء معه تقتله الذئاب بسبب المياه، حيث أنها ظامئة. والذي يكون شرهاً، في حمل اللحم والخضراوات، تنهشه السباع، بسبب اللحم. وإن تحاشى السباع، فإن الثيران تفترسه، بسبب الخضروات».
وحينما قال لي هذا، تأوهت في أعماقي وأنا أقول «يا لها من متاعب رهيبة في الطريق. لو أن يسوع يعطينا القوة لنقطعها» فنظر إلي إذ رأى وجهي حزيناً وأنا أتنهد، وقال لي «لماذا تئن، إن كنت تعرف حقا اسم يسوع وتثق به. إنه السلطان الأعظم الذي يهب القوة. لأنني أؤمن بالآب الذي أرسله». فسألته «ما هو اسم المكان الذي تذهب إليه؟ ما هي مدينتك؟». فقال لي «هذا اسم مدينتي: البوابات التسع، دعنا نشكر الله أن العاشرة هي الرأس»، وبعد ذلك سرت في طريقي، مفترقاً عنه في سلام.
وبينما كنت على وشك الذهاب لأنادي أصدقائي، رأيت أمواجاً، وأسواراً هائلة تحيط بحدود المدينة. وتعجبت لأجل هذه الأمور التي شاهدتها. ورأيت رجلاً عجوزاً جالساً فسألته، إن كان اسم المدينة حقاً الدار؟ فقال لي «إنك بالحق تنطق. فنحن نسكن هنا، لأننا نتحمل بالصبر». فأجبت وقلت له «بالحق قد أعطي اللقب لهذا المكان. لأنه بتحمُل التجربة، تُعمّر المدن، وتتأسس المملكة منها. لأن سكانها يتحملون، في وسط متاعب العواصف. حتى أن مدينة كل واحد يتحمل ثقل نير الإيمان، تُعمر، وتصبح ضمن ملكوت السموات».
وأسرعت، وذهبت لأدعو أصدقائي لنذهب إلى المدينة التي عينها لنا ليثرجويل. وفي عهد إيمانيّ، تركنا كل شيء كما قال لنا. فتحاشانا اللصوص، لأنهم لم يجدوا ثياباً معنا. ولم تضرنا الذئاب، لأنها لم تجد لدينا الماء الذي يطفئ ظمأها. ولم تهاجمنا السباع، لأنها لم تجد شهوة اللحم معنا. أما الثيران، فلم تضرنا، لأنها لم تجد لدينا الخضروات.
ولقد غمرنا فرح عظيم، وشعور بسلام، وانتفاء الهموم، مثل سلام الرب. وحين وصلنا استرحنا أمام البوابة. ورحنا نتحدث أحدنا مع الآخر عن تلك الأمور التي لا تمتّ لتشويشات أمور العالم، بل هي تأملات الإيمان. وبينما كنا نتحدث عن اللصوص الذين لم يضرونا بشيء، إذ ليثرجويل بنفسه ولكن بصورة متغيرة، أتى إلينا في مظهر طبيب، يحمل صندوق مراهم تحت ذراعه، ويتبعه تلميذ يحمل مذوداً ممتلئاً بالأدوية. ولم نعرفه. وقال له بطرس متجاوباً معه «نريدك أن تؤدي لنا خدمة لأننا غرباء، وتأخذنا إلى دار ليثرجويل قبل حلول المساء» فقال لنا بإستقامة قلب «سوف أريكم إياه. ولكننى في دهشة، كيف عرفتم هذا الرجل الطيب. لأنه لم يُعلن نفسه لكل إنسان. لأنه هو عينه ابن ملك عظيم. استريحوا هنا، حتى أذهب لزيارة مريض وأرجع إليكم». ثم أسرع ذاهباً، ولكنه عاد إلينا قبل أن يمضي وقت طويل.
ولما عاد قال لبطرس «يا بطرس!»... أما بطرس فقد ارتعد خوفاً. لأنه كيف يعرف أن اسمه بطرس. فأجاب بطرس للمخلص «وكيف تعرفني، لأنك تدعونني بإسمي؟». فقال ليثرجويل «أريد أن أسألك من الذي أعطاك لقب بطرس؟». فأجابه «إنه يسوع المسيح، ابن الله الحي، هو الذي أعطاني هذا الاسم». فقال له «هو أنا، ألا تعرفني يا بطرس؟».
ثم حل ثيابه، التي كان يتخفى بها، معلناً لنا أنه هو بالحقيقة. وانطرحنا على الأرض ساجدين له. كان عددنا أحد عشر تلميذاً. فمد يده، وأقامنا، طالباً منا أن نقف. وتحدثنا إليه في تذلل، ووجوهنا إلى الأرض بسبب عدم استحقاقنا، قائلين له «ما تريده منا، نحن على استعداد أن نعمله. فقط أعطنا القوة، حتى نستطيع أن نقوم بما تريده منا. طيلة الأوقات». وأعطى السيد تلاميذه صندوق المرهم، والمذود الذي كان بيد التلميذ الصغير. وقال لهم موصيا إياهم «اذهبوا إلى المدينة التي منها أتيتم. والتي تدعى الدار. ثابروا في جهادكم بالصبر معلمين كل من يؤمنون بإسمي، لأني كم احتملت من ضائقات الجهاد في الإيمان. وسوف أعطيكم مجازاتكم. للفقراء في المدينة، أعطوا ما هم بحاجة إليه حتى يعيشوا إلى أن أعطيهم ما هو أفضل، والتي أخبركم بأني سأعطيه لكم بدون مقابل». وأجاب بطرس، وقال له «يا رب لقد علمتنا بأن ننبذ العالم وكل ما فيه. ولقد نبذنا كل شيء لأجلك. وما يهمنا الآن، هو الطعام ليوم واحد. فأين نستطيع أن نجد الاحتياجات التي سألتنا أن نقدمها للمحتاجين؟». فأجاب الرب وقال «يا بطرس، لقد كان من اللازم أن تدرك المثل، الذي قلته لك. ألا تفهم أن إسمي الذي تبشر به يفوق كل الكنوز؟ وإن حكمة الله، تسمو على الذهب، والفضة، والأحجار الكريمة؟». وأعطاهم مذود الدواء، وقال «إشفوا جميع المرضى في المدينة، الذين يؤمنون بإسمي» أما بطرس، فقد خشى بأن يتحدث إلى الرب مرة ثانية. فأشار إلى من كان بجواره، الذي هو يوحنا قائلا له «أنت تتحدث هذه المرة» وأجاب يوحنا وقال «يارب، أمامك نخشى أن ننطق بأمور كثيرة. ولكنك أنت الذي تسألنا أن نمارس هذا الأمر. إننا لم نتعلم مهنة الأطباء، كيف لنا أن نعرف في شفاء الأجساد، كما طلبت منا ذلك؟». فأجاب وقال له «بالصواب نطقت يا يوحنا، لأني أعلم أن أطباء هذا العالم - يشفون ما ينتسب إلى هذا العالم. أما أطباء النفوس، فبالأحرى، يتجهون إلى علاج القلب وشفائه. اشفوا الأجساد أولاً، حتى أنه عن طريق قوة الشفاء للأجساد بدون أدوية العالم، يؤمنون بأن لكم المقدرة على شفاء ضربة القلب أيضاً. أما أغنياء المدينة، الذين لم يروا من اللائق حتى أن يعترفوا بي، بل امتلئوا انتفاخاً في ثروتهم وغناهم، وكبريائهم، لا تأكلوا مع مثل هؤلاء في بيوتهم. ولا تصادقوا أحدا منهم، لئلا تتأثروا بمحاباتهم، لأن كثيرين في الكنائس قد تحيزوا للأغنياء. ولأنهم أشرار، يمهدون الفرصة للآخرين، ليكونوا أشرارا نظيرهم، ولكن أدينوهم بالاستقامة، حتى تتمجد خدمتكم، وحتى أن اسمي، يتمجد أيضاً بين الكنائس». وحينئذ أجاب التلاميذ «حقاً أن هذا من اللائق أن نقوم به». ثم أنطرحوا على الأرض، وسجدوا له. فأمرهم أن يقوموا، وفارقهم في سلام».
هذه هي ثلاثة نماذج من الكتاب المقدس ونموذج من المصادر الغنوصية لوقائع ظهر فيها عيسى (عليه السلام) لحوارييه الذين كانوا يرافقونه دائماً، ورغم ذلك لم يتعرفوا عليه. كيف يمكن ذلك وقد عاشوا مع عيسى وتعلموا منه وأكلوا معه وشهدوا لحظاته الأخيرة، ورغم ذلك لم يتذكر أي منهم شكله؟! وعلى الرغم من أنهم عرفوه بالأخير من أقواله وأفعاله، إلا أنهم لم يعرفوه من جسده المادي أو صوته، فكيف لم يعرفوا شكله أو صوته؟ ولا يوجد دليل حتى على أنه كان متنكراً.
الجواب ببساطة هو أن عيسى (عليه السلام) ظهر لهم في أبدان مختلفة. كان البستاني والغريب والصياد وليثرجويل أربعة أجساد مختلفة انتقلت إليها روح عيسى (عليه السلام). جاء في كتاب الهفت الشريف للإمام الصادق (منه السلام) تفسير هذه الآية من القرآن الكريم:
﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُوا۟ يَـٰٓأُو۟لِى ٱلْأَبْصَـٰرِ﴾ قال (منه السلام): «فبيوتهم أبدانهم وهي بيوت الأرواح».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«هناك أرواح معينة تصل لدرجة يمكنها أن تختار أي جسد تريد الدخول فيه». مثلما ورد في القرآن الكريم: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا۟ بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَـٰعٌ لَّكُمْ﴾.
يتضح جلياً أن قيامة عيسى المسيح (عليه السلام) هي مسألة متعلقة برجعة الروح أو انتقال الروح من الجسد الذي صُلب إلى أجساد أخرى. وحده حجة الله هو من باستطاعته أن يحل لغز معقد كهذا حير أتباع الديانات لأكثر من ألفي عام.