حدثت أمور كثيرة بين عهدي إبراهيم وموسى (عليهما السلام)، وتحققت كلمات الله في بني إبراهيم:
«فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ».
دخل يعقوب ويوسف (عليهما السلام) مصر ومعهما عوائلهما، وبعد وفاة النبي يوسف (عليه السلام) إستُعبد بنو إسرائيل في مصر أربعمائة عام إلى أن ظهر المخلص الموعود موسى (عليه السلام). كان سبب استعباد بني إسرائيل هو نقضهم للعهد الإبراهيمي. كانوا يعيشون في مصر في رخاء عظيم في زمن يوسف (عليه السلام) خلال عهد إخناتون (عليه السلام)، الملك الموحِد في زمن يوسف. ولكن بعد وفاة الملك إخناتون تولى ابنه الملك توت الحكم في سن مبكرة وهو ابن تسع سنوات. سيطر عليه أقارب زوجته والكهنة في ذلك الوقت وجعلوه يتراجع عن قرارات أبيه ويعيد ديانة المملكة إلى الديانة متعددة الآلهة التي كانوا يدينون بها من قبل. وبعد ذلك قتلوا توت.
ظل بنو إسرائيل في ذلك الوقت صامتين ولم يعترضوا على أي شيء وعبدوا الآلهة الباطلة واعتنقوا الأديان الباطلة التي أعيد إحيائها في مصر، وذلك بسبب قلة إيمانهم وخوفهم من الموت وحبهم للدنيا. وقد تخلى بنو إسرائيل حتى عن دين إبراهيم (عليه السلام) وبدأوا يعبدون الأصنام الباطلة والآلهة المصرية، ناكثين بذلك العهد الإبراهيمي فجلبوا لأنفسهم العقاب والعذاب الإلهي. عندئذ سلم الله بني إسرائيل للمصريين الذين استعبدوهم. كانت عقوبة نقض عهد آدم هي الطرد من جنة عدن، وبعد أن تاب آدم غفر الله له وأقام العهد مرة أخرى. وبعد أن نقض الناس عهد آدم (عليه السلام) مرة أخرى، عاقبهم الله بالطوفان. وعندما نقض النمرود والأجيال التي تلت نوح، عهد نوح، عاقبهم الله ببلبلة لسانهم وتشتيتهم. وعندما نقض أبناء إبراهيم العهد الثالث، عاقبهم الله بالاستعباد لمدة أربعمائة عام، وأقام عهداً جديداً مع موسى (عليه السلام). وقد نص الله على أحكام وشرائع العهد الجديد في سفر الخروج الإصحاح ١٩-٢٤:
الإصحاح ١٩:
«وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ قَائِلًا: «هكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً».
الإصحاح ٢٠:
«ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلًا: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا. اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلًا مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ. لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ». وَكَانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَرَوْنَ الرُّعُودَ وَالْبُرُوقَ وَصَوْتَ الْبُوقِ، وَالْجَبَلَ يُدَخِّنُ. وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ ارْتَعَدُوا وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، وَقَالُوا لِمُوسَى: «تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ». فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ، وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا». فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ أَنَّنِي مِنَ السَّمَاءِ تَكَلَّمْتُ مَعَكُمْ. لاَ تَصْنَعُوا مَعِي آلِهَةَ فِضَّةٍ، وَلاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ آلِهَةَ ذَهَبٍ. مَذْبَحًا مِنْ تُرَابٍ تَصْنَعُ لِي وَتَذْبَحُ عَلَيْهِ مُحْرَقَاتِكَ وَذَبَائِحَ سَلاَمَتِكَ، غَنَمَكَ وَبَقَرَكَ. فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي فِيهَا أَصْنَعُ لاسْمِي ذِكْرًا آتِي إِلَيْكَ وَأُبَارِكُكَ. وَإِنْ صَنَعْتَ لِي مَذْبَحًا مِنْ حِجَارَةٍ فَلاَ تَبْنِهِ مِنْهَا مَنْحُوتَةً. إِذَا رَفَعْتَ عَلَيْهَا إِزْمِيلَكَ تُدَنِّسُهَا. وَلاَ تَصْعَدْ بِدَرَجٍ إِلَى مَذْبَحِي كَيْلاَ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُكَ عَلَيْهِ».
الإصحاح ٢١:
«وَهذِهِ هِيَ الأَحْكَامُ الَّتِي تَضَعُ أَمَامَهُمْ: إِذَا اشْتَرَيْتَ عَبْدًا عِبْرَانِيًّا، فَسِتَّ سِنِينَ يَخْدِمُ، وَفِي السَّابِعَةِ يَخْرُجُ حُرًّا مَجَّانًا. إِنْ دَخَلَ وَحْدَهُ فَوَحْدَهُ يَخْرُجُ. إِنْ كَانَ بَعْلَ امْرَأَةٍ، تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مَعَهُ. إِنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ بَنِينَ أَوْ بَنَاتٍ، فَالْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا يَكُونُونَ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ يَخْرُجُ وَحْدَهُ. وَلكِنْ إِنْ قَالَ الْعَبْدُ: أُحِبُّ سَيِّدِي وَامْرَأَتِي وَأَوْلاَدِي، لاَ أَخْرُجُ حُرًّا، يُقَدِّمُهُ سَيِّدُهُ إلَى القُضَاةِ، وَيُقَرِّبُهُ إِلَى الْبَابِ أَوْ إِلَى الْقَائِمَةِ، وَيَثْقُبُ سَيِّدُهُ أُذْنَهُ بِالْمِثْقَبِ، فَيَخْدِمُهُ إِلَى الأَبَدِ. وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ أَمَةً، لاَ تَخْرُجُ كَمَا يَخْرُجُ الْعَبِيدُ. إِنْ قَبُحَتْ فِي عَيْنَيْ سَيِّدِهَا الَّذِي خَطَبَهَا لِنَفْسِهِ، يَدَعُهَا تُفَكُّ. وَلَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يَبِيعَهَا لِقَوْمٍ أَجَانِبَ لِغَدْرِهِ بِهَا. وَإِنْ خَطَبَهَا لابْنِهِ فَبِحَسَبِ حَقِّ الْبَنَاتِ يَفْعَلُ لَهَا. إِنِ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ أُخْرَى، لاَ يُنَقِّصُ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا وَمُعَاشَرَتَهَا. وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَهَا هذِهِ الثَّلاَثَ تَخْرُجُ مَجَّانًا بِلاَ ثَمَنٍ. مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلًا. وَلكِنَّ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ، بَلْ أَوْقَعَ اللهُ فِي يَدِهِ، فَأَنَا أَجْعَلُ لَكَ مَكَانًا يَهْرُبُ إِلَيْهِ. وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ. وَمَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلًا. وَمَنْ سَرَقَ إِنْسَانًا وَبَاعَهُ، أَوْ وُجِدَ فِي يَدِهِ، يُقْتَلُ قَتْلًا. وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلًا. وَإِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ وَلَمْ يُقْتَلْ بَلْ سَقَطَ فِي الْفِرَاشِ، فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجًا عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ الضَّارِبُ بَرِيئًا. إِلاَّ أَنَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ. وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِالْعَصَا فَمَاتَ تَحْتَ يَدِهِ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. لكِنْ إِنْ بَقِيَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لاَ يُنْتَقَمُ مِنْهُ لأَنَّهُ مَالُهُ. وَإِذَا تَخَاصَمَ رِجَالٌ وَصَدَمُوا امْرَأَةً حُبْلَى فَسَقَطَ وَلَدُهَا وَلَمْ تَحْصُلْ أَذِيَّةٌ، يُغَرَّمُ كَمَا يَضَعُ عَلَيْهِ زَوْجُ الْمَرْأَةِ، وَيَدْفَعُ عَنْ يَدِ الْقُضَاةِ. وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْسًا بِنَفْسٍ، وَعَيْنًا بِعَيْنٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ، وَيَدًا بِيَدٍ، وَرِجْلًا بِرِجْل، وَكَيًّا بِكَيٍّ، وَجُرْحًا بِجُرْحٍ، وَرَضًّا بِرَضٍّ. وَإِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ عَيْنَ عَبْدِهِ، أَوْ عَيْنَ أَمَتِهِ فَأَتْلَفَهَا، يُطْلِقُهُ حُرًّا عِوَضًا عَنْ عَيْنِهِ. وَإِنْ أَسْقَطَ سِنَّ عَبْدِهِ أَوْ سِنَّ أَمَتِهِ يُطْلِقُهُ حُرًّا عِوَضًا عَنْ سِنِّهِ. وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ، يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئًا. وَلكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْرًا نَطَّاحًا مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ، فَقَتَلَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً، فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضًا يُقْتَلُ. إِنْ وُضِعَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، يَدْفَعُ فِدَاءَ نَفْسِهِ كُلُّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ. أَوْ إِذَا نَطَحَ ابْنًا أَوْ نَطَحَ ابْنَةً فَبِحَسَبِ هذَا الْحُكْمِ يُفْعَلُ بِهِ. إِنْ نَطَحَ الثَّوْرُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، يُعْطِي سَيِّدَهُ ثَلاَثِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ، وَالثَّوْرُ يُرْجَمُ. وَإِذَا فَتَحَ إِنْسَانٌ بِئْرًا، أَوْ حَفَرَ إِنْسَانٌ بِئْرًا وَلَمْ يُغَطِّهِ، فَوَقَعَ فِيهِ ثَوْرٌ أَوْ حِمَارٌ، فَصَاحِبُ الْبِئْرِ يُعَوِّضُ وَيَرُدُّ فِضَّةً لِصَاحِبِهِ، وَالْمَيْتُ يَكُونُ لَهُ. وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرُ إِنْسَانٍ ثَوْرَ صَاحِبِهِ فَمَاتَ، يَبِيعَانِ الثَّوْرَ الْحَيَّ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ. وَالْمَيْتُ أَيْضًا يَقْتَسِمَانِهِ. لكِنْ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ ثَوْرٌ نَطَّاحٌ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ صَاحِبُهُ، يُعَوِّضُ عَنِ الثَّوْرِ بِثَوْرٍ، وَالْمَيْتُ يَكُونُ لَهُ».
الإصحاح ٢٢:
«إِذَا سَرَقَ إِنْسَانٌ ثَوْرًا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ، يُعَوِّضُ عَنِ الثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ، وَعَنِ الشَّاةِ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ. إِنْ وُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ. وَلكِنْ إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَلَهُ دَمٌ. إِنَّهُ يُعَوِّضُ. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُبَعْ بِسَرِقَتِهِ. إِنْ وُجِدَتِ السَّرِقَةُ فِي يَدِهِ حَيَّةً، ثَوْرًا كَانَتْ أَمْ حِمَارًا أَمْ شَاةً، يُعَوِّضُ بِاثْنَيْنِ. إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلًا أَوْ كَرْمًا وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ، فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ، وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ. إِذَا خَرَجَتْ نَارٌ وَأَصَابَتْ شَوْكًا فَاحْتَرَقَتْ أَكْدَاسٌ أَوْ زَرْعٌ أَوْ حَقْلٌ، فَالَّذِي أَوْقَدَ الْوَقِيدَ يُعَوِّضُ. إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ فِضَّةً أَوْ أَمْتِعَةً لِلْحِفْظِ، فَسُرِقَتْ مِنْ بَيْتِ الإِنْسَانِ، فَإِنْ وُجِدَ السَّارِقُ، يُعَوِّضُ بِاثْنَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السَّارِقُ يَقِفُ صَاحِبُ البَيْتِ أمَامَ القُضَاةِ لِمَعْرِفَةِ إنْ كَانَ هُوَ قَدْ سَرَقَ جَارَهُ. فِي كُلِّ دَعْوَى جِنَايَةٍ، مِنْ جِهَةِ ثَوْرٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَفْقُودٍ مَا، يُقَالُ: إِنَّ هذَا هُوَ، تُقَدَّمُ دَعْوَاهُمَا إلَى القُضَاةِ، وَالَّذِي يَحْكُمُ القُضَاةُ بِأنَّهُ المُذنِبُ، يُعَوِّضُ جَارَهُ ضِعفَينِ. إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ صَاحِبَهُ حِمَارًا أَوْ ثَوْرًا أَوْ شَاةً أَوْ بَهِيمَةً مَا لِلْحِفْظِ، فَمَاتَ أَوِ انْكَسَرَ أَوْ نُهِبَ وَلَيْسَ نَاظِرٌ، فَيَمِينُ الرَّبِّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا، هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ. فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ. فَلاَ يُعَوِّضُ. وَإِنْ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ يُعَوِّضُ صَاحِبَهُ. إِنِ افْتُرِسَ يُحْضِرُهُ شَهَادَةً. لاَ يُعَوِّضُ عَنِ الْمُفْتَرَسِ. وَإِذَا اسْتَعَارَ إِنْسَانٌ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا فَانْكَسَرَ أَوْ مَاتَ، وَصَاحِبُهُ لَيْسَ مَعَهُ، يُعَوِّضُ. وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مَعَهُ لاَ يُعَوِّضُ. إِنْ كَانَ مُسْتَأْجَرًا أَتَى بِأُجْرَتِهِ. وَإِذَا رَاوَدَ رَجُلٌ عَذْرَاءَ لَمْ تُخْطَبْ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا يَمْهُرُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً. إِنْ أَبَى أَبُوهَا أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا، يَزِنُ لَهُ فِضَّةً كَمَهْرِ الْعَذَارَى. لاَ تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ. كُلُّ مَنِ اضْطَجَعَ مَعَ بَهِيمَةٍ يُقْتَلُ قَتْلًا. مَنْ ذَبَحَ لآلِهَةٍ غَيْرِ الرَّبِّ وَحْدَهُ، يُهْلَكُ. وَلاَ تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلاَ تُضَايِقْهُ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لاَ تُسِيءْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَا وَلاَ يَتِيمٍ. إِنْ أَسَأْتَ إِلَيْهِ فَإِنِّي إِنْ صَرَخَ إِلَيَّ أَسْمَعُ صُرَاخَهُ، فَيَحْمَى غَضَبِي وَأَقْتُلُكُمْ بِالسَّيْفِ، فَتَصِيرُ نِسَاؤُكُمْ أَرَامِلَ، وَأَوْلاَدُكُمْ يَتَامَى. إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي الْفَقِيرِ الَّذِي عِنْدَكَ فَلاَ تَكُنْ لَهُ كَالْمُرَابِي. لاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا. إِنِ ارْتَهَنْتَ ثَوْبَ صَاحِبِكَ فَإِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ تَرُدُّهُ لَهُ، لأَنَّهُ وَحْدَهُ غِطَاؤُهُ، هُوَ ثَوْبُهُ لِجِلْدِهِ، فِي مَاذَا يَنَامُ؟ فَيَكُونُ إِذَا صَرَخَ إِلَيَّ أَنِّي أَسْمَعُ، لأَنِّي رَؤُوفٌ. لاَ تَسُبَّ اللهَ، وَلاَ تَلْعَنْ رَئِيسًا فِي شَعْبِكَ. لاَ تُؤَخِّرْ مِلْءَ بَيْدَرِكَ، وَقَطْرَ مِعْصَرَتِكَ، وَأَبْكَارَ بَنِيكَ تُعْطِينِي. كَذلِكَ تَفْعَلُ بِبَقَرِكَ وَغَنَمِكَ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ مَعَ أُمِّهِ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تُعْطِينِي إِيَّاهُ. وَتَكُونُونَ لِي أُنَاسًا مُقَدَّسِينَ. وَلَحْمَ فَرِيسَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ لاَ تَأْكُلُوا. لِلْكِلاَبِ تَطْرَحُونَهُ».
الإصحاح ٢٣:
«لاَ تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا، وَلاَ تَضَعْ يَدَكَ مَعَ الْمُنَافِقِ لِتَكُونَ شَاهِدَ ظُلْمٍ. لاَ تَتْبَعِ الْكَثِيرِينَ إِلَى فِعْلِ الشَّرِّ، وَلاَ تُجِبْ فِي دَعْوَى مَائِلًا وَرَاءَ الْكَثِيرِينَ لِلتَّحْرِيفِ. وَلاَ تُحَابِ مَعَ الْمِسْكِينِ فِي دَعْوَاهُ. إِذَا صَادَفْتَ ثَوْرَ عَدُوِّكَ أَوْ حِمَارَهُ شَارِدًا، تَرُدُّهُ إِلَيْهِ. إِذَا رَأَيْتَ حِمَارَ مُبْغِضِكَ وَاقِعًا تَحْتَ حِمْلِهِ وَعَدَلْتَ عَنْ حَلِّهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ تَحُلَّ مَعَهُ. لاَ تُحَرِّفْ حَقَّ فَقِيرِكَ فِي دَعْوَاهُ. اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ، وَلاَ تَقْتُلِ الْبَرِيءَ وَالْبَارَّ، لأَنِّي لاَ أُبَرِّرُ الْمُذْنِبَ. وَلاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً، لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي الْمُبْصِرِينَ، وَتُعَوِّجُ كَلاَمَ الأَبْرَارِ. وَلاَ تُضَايِقِ الْغَرِيبَ فَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ نَفْسَ الْغَرِيبِ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. وَسِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ أَرْضَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهَا، وَأَمَّا فِي السَّابِعَةِ فَتُرِيحُهَا وَتَتْرُكُهَا لِيَأْكُلَ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ. وَفَضْلَتُهُمْ تَأْكُلُهَا وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. كَذلِكَ تَفْعَلُ بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ عَمَلَكَ. وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ تَسْتَرِيحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ، وَيَتَنَفَّسَ ابْنُ أَمَتِكَ وَالْغَرِيبُ. وَكُلُّ مَا قُلْتُ لَكُمُ احْتَفِظُوا بِهِ، وَلاَ تَذْكُرُوا اسْمَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلاَ يُسْمَعْ مِنْ فَمِكَ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تُعَيِّدُ لِي فِي السَّنَةِ. تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ. تَأْكُلُ فَطِيرًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّهُ فِيهِ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ. وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ عِنْدَمَا تَجْمَعُ غَلاَّتِكَ مِنَ الْحَقْلِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ. لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي، وَلاَ يَبِتْ شَحْمُ عِيدِي إِلَى الْغَدِ. أَوَّلَ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ. هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكًا أَمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ، وَلِيَجِيءَ بِكَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَعْدَدْتُهُ. اِحْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلاَ تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لاَ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ، لأَنَّ اسْمِي فِيهِ. وَلكِنْ إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ، وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ. فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأُبِيدُهُمْ. لاَ تَسْجُدْ لآلِهَتِهِمْ، وَلاَ تَعْبُدْهَا، وَلاَ تَعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتَكْسِرُ أَنْصَابَهُمْ. وَتَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ الْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ. لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ فِي أَرْضِكَ، وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ. أُرْسِلُ هَيْبَتِي أَمَامَكَ، وَأُزْعِجُ جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَأْتِي عَلَيْهِمْ، وَأُعْطِيكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مُدْبِرِينَ. وَأُرْسِلُ أَمَامَكَ الزَّنَابِيرَ. فَتَطْرُدُ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ مِنْ أَمَامِكَ. لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، لِئَلاَّ تَصِيرَ الأَرْضُ خَرِبَةً، فَتَكْثُرَ عَلَيْكَ وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. قَلِيلًا قَلِيلًا أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ إِلَى أَنْ تُثْمِرَ وَتَمْلِكَ الأَرْضَ. سَأجْعَلُ حُدُودَكَ مِنَ البَحْرِ الأحْمَرِ إلَى بَحْرِ الفِلِسْطِيِّينَ، وَمِنَ الصَّحْرَاءِ إلَى نَهْرِ الفُرَاتِ. فَإِنِّي أَدْفَعُ إِلَى أَيْدِيكُمْ سُكَّانَ الأَرْضِ، فَتَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ. لاَ تَقْطَعْ مَعَهُمْ وَلاَ مَعَ آلِهَتِهِمْ عَهْدًا. لاَ يَسْكُنُوا فِي أَرْضِكَ لِئَلاَّ يَجْعَلُوكَ تُخْطِئُ إِلَيَّ. إِذَا عَبَدْتَ آلِهَتَهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ فَخًّا».
الإصحاح ٢٤:
«وَقَالَ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَاسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. وَيَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ إِلَى الرَّبِّ، وَهُمْ لاَ يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا الشَّعْبُ فَلاَ يَصْعَدْ مَعَهُ». فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الثِّيرَانِ. فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي الطُّسُوسِ. وَنِصْفَ الدَّمِ رَشَّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ».
كان العهد الرابع مع الله أكثر تفصيلاً، واشتمل على أحكام وتشريعات أكثر بكثير، وذلك لأن احتياجات البشر كانت قد تغيرت وبالتالي كانت هناك حاجة لأحكام أكثر تعقيداً. عندما نزل العهد الأول لم يكن هناك سوى آدم وحواء (عليهما السلام)، وعندما أُقيم العهد الثاني لم يكن هناك سوى نوح (عليه السلام) وأهله الذين كانوا معه في السفينة، وعندما أُقيم العهد الثالث لم يشمل سوى إبراهيم وأهله (عليهم السلام) والذين كانوا معه. أما في زمن موسى (عليه السلام) فقد كان معه ستمائة ألف من بني إسرائيل، لذا كان هناك حتماً احتياج لتشريعات وأحكام أكثر تعقيداً. وكل عهد كان مرتبط بأرض ما، ففي عهد آدم وهب الله آدم (عليه السلام) جنة عدن (في العراق حالياً)، وفي العهد الثاني وهب الله نوحاً (عليه السلام) الأرض كلها، وفي العهد الثالث وهب الله إبراهيم (عليه السلام) الأرض الموعودة من النيل للفرات، وفي العهد الرابع وهب الله موسى (عليه السلام) من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط ومن الصحراء إلى الفرات. أمر الله موسى (عليه السلام) أيضاً بأشياء أخرى كثيرة، مثل منع قومه من العمل يوم السبت. وكانت هذه علامة عهد موسى مع الله، حيث لم يحظى قوم آخرون بيوم راحة في الأسبوع بلا عمل قبل ذلك، ومن ناحية أخرى أقر عهد موسى (عليه السلام) أجزاء كثيرة من العهود السابقة وأبقى عليها، من ضمنها الختان.
من النقاط الأخرى المثيرة للاهتمام والتي نود إبرازها هي أنه ورد في القرآن الكريم في سورة البقرة:
﴿وَإِذِ ٱبْتَلَىٰٓ إِبْرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾.
نرى هنا أن عهد الله لا يشمل الظالمين، أو أبناء قابيل، فلا يتمتع أبناء قابيل أو إبليس بحماية إلهية من أي نوع، إلى درجة أن الله سبحانه وتعالى أجاز حتى القضاء عليهم. ورد في الكتاب المقدس في سفر الخروج الإصحاح الثاني:
«وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلًا مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلًا عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ. ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَإِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: «لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟» فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟». فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: «حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ». فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ».
وورد في القرآن الكريم في سورة القصص:
﴿وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِۦ ۖ فَٱسْتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ ۖ إِنَّهُۥ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾.
ورد لفظ «عمل» في القرآن أكثر من مرة للدلالة على إنسان غير صالح. في واقعة المصري الذي قتله موسى، وُصف المصري بأنه «من عمل الشيطان». ونجد هذا الأمر كذلك مع ابن النبي نوح (عليه السلام) والذي وصفه القرآن بأنه «عمل غير صالح». الأعمال الغير صالحة تأتي فقط من إبليس وذريته، ولهذا نرى بوضوح أن لفظي «عمل غير صالح» و«من عمل الشيطان» هما في الحقيقة إشارة إلى ذرية إبليس وقابيل. وفي كلتا الحالتين فإن القضاء عليهم له مبرر أخلاقي لأنه يضمن انتصار الحق والقضاء على الباطل، فنوح يأمره الله بترك أحد ذراري إبليس يغرق في الطوفان وموسى يبرر فعله بقوله أنه كان من أبناء الشيطان. من المهم الوقوف عند هذه النقطة لأنها تفسر سبب إباحة هذه العهود والعهود اللاحقة تعذيب غير المؤمنين وأخذ ما لهم والقضاء عليهم: لأن غير المؤمنين الذين يبقون مصرين على عدم إيمانهم ليسوا جزءاً من العهد وهم من أعمال إبليس وذريته وأولاده.
لهذا السبب نجد العديد من الآيات في الكتاب المقدس والتوراة والقرآن التي تتحدث عن قتل وتدمير من هم ليسوا من بني إسرائيل، على الرغم من وجود نساء وأطفال في بعض الأحيان بينهم. خذوا قصة شاول على سبيل المثال، في صموئيل الأول يقول الله:
«وَقَالَ صَمُوئِيلُ لِشَاوُلَ: «إِيَّايَ أَرْسَلَ الرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكًا عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَالآنَ فَاسْمَعْ صَوْتَ كَلاَمِ الرَّبِّ. هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا».
ما هو الذنب أو الجُرم الذي ارتكبه الأطفال والرضع سوى أنهم كانوا من ذرية إبليس التي من شأنها أن تنشر المزيد من الشر والفوضى والدمار؟ وقد أعطى الله يوشع (عليه السلام) أوامر مماثلة. في سفر يشوع مكتوب:
«وَكَانَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ عِنْدَمَا ضَرَبَ الْكَهَنَةُ بِالأَبْوَاقِ أَنَّ يَشُوعَ قَالَ لِلشَّعْبِ: «اهْتِفُوا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ الْمَدِينَةَ. فَتَكُونُ الْمَدِينَةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مُحَرَّمًا لِلرَّبِّ. رَاحَابُ فَقَطْ تَحْيَا هِيَ وَكُلُّ مَنْ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهَا قَدْ خَبَّأَتِ الْمُرْسَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَرْسَلْنَاهُمَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاحْتَرِزُوا مِنَ الْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا، وَتَأْخُذُوا مِنَ الْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا. وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَآنِيَةِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْسًا لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ». فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ».
والأمثلة على ذلك كثيرة في الكتاب المقدس. وبالمثل نرى في القرآن الكريم قصة العبد الصالح مع موسى (عليه السلام) حيث تروي سورة الكهف قتل العبد الصالح لطفل، لا لذنب ارتكبه بل لأنه غير صالح وسيكبر ويكون غير صالح أو ذرية من ذراري إبليس. تذكروا أن العبد الصالح كان حجة من حجج الله في الأرض وكان يرى ما لم يكن موسى قادراً على رؤيته بعد. جاء في القرآن الكريم:
﴿فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَـٰمًا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةًۢ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـًٔا نُّكْرًا ۞ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ۞ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصَـٰحِبْنِى ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا﴾ إلى قوله: ﴿وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰنًا وَكُفْرًا ۞ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوٰةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾.
من الواضح إذن أن الغلام لم يكن قد ارتكب أي ذنب بعد، لكنه حتماً كان سيفعل لأنه «من عمل الشيطان».
تذكروا أن إراقة دم المؤمن محظورة ومحرمة في جميع الأديان السابقة، لأن دم المؤمن محفوظ بالعهد. فكرة جواز سفك دم غير المؤمن لمجرد كونه غير مؤمن تظهر لأول مرة عندما أمر الله نوح (عليه السلام) بترك ابنه، لكن هذا الحكم لم يطبق في الواقع كحكم أو تشريع سوى في عهد موسى (عليه السلام). وربما تكون هذه إحدى أهم الإضافات التي جاءت مع عهد موسى، إباحة دماء إبليس وأولاده الذين يرغبون دائماً في سفك دماء آدم وأولاده. ومن أجل أن نكون واضحين تماماً: نحن لا نقول بإباحة دماء غير المؤمنين، نحن ببساطة نوضح ما حدث في ظل العهود السابقة بناءاً على القصص الواردة في الكتاب المقدس والقرآن الكريم. من الواضح أن السبب وراء هذه التدخلات الإلهية، أو الإجراءات الوقائية، كان منع انتشار الشر والرذيلة والفساد، وذلك من خلال القضاء على بذور الشيطان التي لا يمكن إصلاحها. بالطبع، يمتلك الله سبحانه وتعالى وحده وخليفته المعرفة اللازمة للتصرف بشكل استباقي للقضاء على جذور الشر والفساد.
من الأمثلة الأخرى التي تبرز مفهوم قضاء الله بشكل استباقي على الأطفال الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم من ذرية إبليس وبالتالي كانوا سيرتكبون الشرور والذنوب عندما يكبرون، هو العقاب الذي نزل على المصريين في زمن موسى (عليه السلام) والمعروف بموت الأبكار. يقول الكتاب المقدس:
«وَقَالَ مُوسَى: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِنِّي نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَخْرُجُ فِي وَسَطِ مِصْرَ، فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ».
فيما يلي بعض الآيات الأخرى التي يجيز فيها الله قتل الأطفال والرضع في الكتاب المقدس:
سفر اشعياء -
«وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ».
سفر هوشع -
«تُجَازَى السَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَالْحَوَامِلُ تُشَقُّ».
سفر الملوك الثاني ١٥ -
«حِينَئِذٍ ضَرَبَ مَنَحِيمُ تَفْصَحَ وَكُلَّ مَا بِهَا وَتُخُومَهَا مِنْ تِرْصَةَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْتَحُوا لَهُ. ضَرَبَهَا وَشَقَّ جَمِيعَ حَوَامِلِهَا».
سفر العدد -
«فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلًا بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ اقْتُلُوهَا».
نود أن نسلط الضوء على بعض النقاط المهمة حتى الآن:
﴿كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَٰٓءِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَىٰةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا۟ بِٱلتَّوْرَىٰةِ فَٱتْلُوهَآ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ﴾.
بعد وفاة النبي موسى (عليه السلام)، غزا يوشع بن نون المدن والشعوب المحيطة وأباد الكثير من أبناء قابيل، وإثر ذلك أُقيمت مملكة عظيمة، مملكة إسرائيل. أصبح شاول أول ملك لإسرائيل وكان منصب إلهياً من خلال النبي صموئيل. وهكذا أصبحت مملكة إسرائيل الأمة الوحيدة التي كان ملوكها منصبين من الله. كان نظام الحكم لديهم هو حاكمية الله وبالتالي كانوا شعب الله المختار. على الرغم من أن العديد من الحكام والملوك الآخرين ادعوا أنهم من نسل الآلهة أو ادعوا أن شرعيتهم مستمدة من الآلهة، إلا أن مملكة إسرائيل كانت المملكة الوحيدة التي كان قائدها حقاً من الله ومنصب من الله، وكان باستطاعته إثبات وجود اسمه في وصية من سبقوه من الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، وكان بإمكانه إظهار امتلاكه للعلم الإلهي وكان يدعو إلى حاكمية الله. أصبح الملك داود ثاني ملوك إسرائيل، وهنا نرى أمراً مثيراً للاهتمام، حيث يبدو وكأن هناك تناقض في الظاهر، فالملك داود الذي هو بمثابة رئيس الدولة، ينتهك أحد أحكام عهد النبي موسى (عليه السلام).
«وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رِبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ. وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ. فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ».
فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ يَنْزِلْ. وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا. وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ». وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. فَخَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. وَأَوْصَى الرَّسُولَ قَائِلًا: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ مَنْ قَتَلَ أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ: قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. فَرَمَى الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: «هكَذَا تَقُولُ لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ قِتَالَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ». فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا. وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ».
ناثان يوبخ داود:
فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ».
فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا، وَقَالَ لِنَاثَانَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذلِكَ، وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذلِكَ قَلِيلًا، كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ.
وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ». فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ. غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهذَا الأَمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ، فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ».
على الرغم من أن الأمر قد أغضب الله، وسخط الله على داود بسبب قتله لأوريا بهذه الطريقة، إلا أن الله غفر لداود رغم ذلك، كما أن الله لم يوبخ أو يلوم بثشبع على الإطلاق. بل نجد أن الله بارك داود وبثشبع، وبعد أن عوقب داود بموت ابنه الأول من بثشبع رزقهما الله بابناً جديداً، وأطلقا عليه اسم «سليمان». ولكي نفهم هذه القصة، يجب أن نشير إلى بعض النقاط المهمة: أولاً، القول بأن هذه القصة مُختَلَقة وغير صحيحة، كما يدعي المسلمون عادة، هو إدعاء يدحضه القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه:
﴿إِذْ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُم بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ ۞ إِنَّ هَـٰذَآ أَخِى لَهُۥ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَٰحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ ۞ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِۦ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۞ فَغَفَرْنَا لَهُۥ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـَٔابٍ ۞ يَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلْأَرْضِ فَٱحْكُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌۢ بِمَا نَسُوا۟ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ﴾.
إذن قصة داود وناثان ومثل الفقير والغني صاحب الغنم الكثير تتكرر مرة أخرى في القرآن الكريم، حتى لا ينكر أحد حقيقة ما حدث مع داود وبثشبع. ما أغضب الله من داود هو قتله لأحد خدامه المخلصين، وأخذه زوجته على الرغم من أنه كانت لديه زوجات كثيرات بينما لم يكن لأوريا إلا زوجة واحدة. أما السبب الأخير لغضب الله من داود (عليه السلام) هو كيله بمكيالين وحكمه على الرجل الغني في قصة الرجلين بحكم مغاير لحكمه على نفسه.
صفح الله عن داود (عليه السلام) على هذا النحو:
«فَنَصَبُوا لأَبْشَالُومَ الْخَيْمَةَ عَلَى السَّطْحِ، وَدَخَلَ أَبْشَالُومُ إِلَى سَرَارِيِّ أَبِيهِ أَمَامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ».
ولكن لا تزال هناك العديد من المسائل التي تمثل إشكالية وهي الأسئلة الفلسفية والعقائدية التالية: ماذا لو كان داود قد حكم بطريقة مختلفة عما حكم به، ولم يكن شديداً إلى هذه الدرجة مع الرجل الغني الذي أخذ من الرجل الفقير، هل كان سيتغير حكم الله حينها؟ لماذا غضب الله فجأة من حادثة الزنا هذه، رغم أنها لم تكن حتى محظورة في أي من العهود الثلاثة السابقة؟ وكيف يمكن لطفل مثل سليمان أن يكون نتاج لمثل هذا الزواج؟ لماذا لم يغضب الله من بثشبع؟
الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في نقطة واحدة: النقطة التي أغضبت الله بشكل أساسي هي حكم داود في مسألة الرجلين. ولأن الله عادل، نص سبحانه وتعالى على أن القاعدة الذهبية في جميع الأديان هي
«كَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا»
ولهذا السبب يقبل الله أي شيء تقبله أنت على نفسك. فقط لا تكن منافقاً وتطبق على نفسك قواعد ومعايير أخلاقية مختلفة عن التي تطبقها على الآخرين. ولو كانت البشرية قد عملت بهذه القاعدة البسيطة، لما كان هناك حاجة لأي قواعد أخرى. بل إنه يبدو وكأن مفهوم «الكارما» نفسه قد جاء خصيصاً لتعزيز تلك القاعدة، افعل بالآخرين كما تحب أن يُفعل بك، وإلا فسيُفعل بك ما تفعله بالآخرين. وبالتالي سيكون الجواب نعم، استند حكم الله في القضية كلياً على حكم داود الذي حكم به على الآخرين: حسبما يحكم على الآخرين يجب أن يحكم على نفسه. إذا سامح الآخرين يمكنه أن يسامح نفسه وإذا حكم على الآخرين فعليه أن يحكم على نفسه. نفس المعايير التي يطبقها على الآخرين يجب أن يطبقها على نفسه. ويبدو أن هذا هو سبب إعتماد الله لكثير من التقاليد والأعراف في تشريعات العهود، كما هو موضح سابقاً، طالما أنها لا تهدد مقاصد العدل والتناغم المجتمعي. ما يريده الله في نهاية المطاف هو السلام والتناغم في المجتمعات، والعدل يتحقق في المجتمع من خلال أن نفعل بالآخرين ما نحب أن يُفعل بنا. ولتوضيح وجهة نظري، لو كان داود (عليه السلام) على سبيل المثال قد نشأ منذ صغره وهو مؤمن بأن زواج المرأة من الكثير من الرجال هو أمر مقبول وجرى تثقيفه على ذلك، وفعل ما فعله مع زوجة أوريا، وعرض عليه ناثان نفس المشكلة من جديد، حينها سيكون حكمه تلقائياً مختلف، وبالتالي سيُحكم عليه طبقاً لحكمه هو ومفاهيمه هو وما يقبله هو على نفسه.
هناك نقطة أخرى نود الإشارة إليها وهي أن داود كان الوصي والملك المنصب إلهياً والذي تمسك بعهد النبي موسى (عليه السلام). ومع ذلك فقد خالف إحدى الوصايا العشر، «وَلاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ»، وارتكب فعلياً نفس الذنب الذي ارتكبه آدم. لكن كلاهما غفر الله لهما ولم يتم استبدالهما لنقضهما الشرائع الإلهية. لا يمكن تفسير هذا إلا بطريقة واحدة وهي أن خليفة الله فوق الشريعة. وهذا يعني أنه كما توجد في معظم البلدان قوانين حصانة تمنع محاكمة رئيس الدولة على جرائم يرتكبها أثناء وجوده في المنصب، كذلك الحال مع خليفة الله فهو فوق المحاكمة التي تكون بسبب نقضه لأحكام العهد. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يتمتع الرئيس الحاكم بالحصانة ولا يمكن توجيه تهمة جنائية له أو محاكمته. في المملكة المتحدة، يتمتع الملك أو الملكة بحصانة سيادية، مما يعني أن الملك أو الملكة كرئيس للدولة «لا يمكنه ارتكاب خطأ قانوني ويتمتع بالحصانة من الدعاوى المدنية أو الملاحقة الجنائية». كذلك لا يمكن لخليفة الله أثناء وجوده في المنصب أن يرتكب خطأ قانونياً، وهو محصن من إقالته من منصبه إلا في حالة واحدة وهي الخيانة.
وبعد أن تبين كون خليفة الله فوق القانون وفوق الشريعة يتبين سبب عدم تبكيت الله لبثشبع أو عدم غضبه عليها. وهذا لأن بثشبع أطاعت خليفة الله الملك داود في ذلك الزمان، وليس لها أن تحكم عليه. لم يقتصر الأمر على عدم تبكيت الله لها فحسب، بل بسبب طاعتها جزاها الله بأن جعلها ملكة وأم لحجة في نفس الوقت وهو نبي الله سليمان (عليه السلام). ونحن بينا سابقاً أن خلفاء الله ممكن أن يخطئوا وهم يخطئون بالفعل لكن البشر غير مكلفين بالحكم عليهم، فلا يحاسب خليفة الله إلا الله. أما بالنسبة للبشر فلو ثبت عندهم أحقية الرسول الإلهي وجب عليهم طاعته.
تم تنصيب الملك سليمان بعد داود (عليهما السلام) وأُعطي مملكة لم يحظى أحد بمثلها من قبل. لم يُمنح العلم والحكمة والفهم والسلطان الذي لم يكن لأحد مثله من قبل فحسب، بل حصل أيضاً على ثروات لا مثيل لها. كان نبي الله سليمان (عليه السلام) يفهم لغة الحيوانات وكان قادراً على التحكم في عناصر الطبيعة مثل الريح، وكان لديه سلطان على الشياطين والجن، وكانت لديه كذلك سبعمائة زوجة وثلاثمائة محظية. جاء في سفر الملوك الأول:
«وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ».
وهذا يعني أنه كان متزوجاً من سبعمائة أميرة. وكان ثرياً للغاية وعاش أسلوب حياة مترف.
ثروة سليمان العظيمة:
«وَكَانَ وَزْنُ الذَّهَبِ الَّذِي جَاءَ سُلَيْمَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، سِتَّ مِئَةٍ وَسِتًّا وَسِتِّينَ وَزْنَةَ ذَهَبٍ، فَضْلًا عَنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ التُّجَّارُ وَالْمُسْتَبْضِعُونَ. وَكُلُّ مُلُوكِ الْعَرَبِ وَوُلاَةُ الأَرْضِ كَانُوا يَأْتُونَ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إِلَى سُلَيْمَانَ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ، وَثَلاَثَ مِئَةِ مِجَنٍّ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ الْمِجَنَّ الْوَاحِدَ ثَلاَثُ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ. وَجَعَلَهَا الْمَلِكُ فِي بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ. وَعَمِلَ الْمَلِكُ كُرْسِيًّا عَظِيمًا مِنْ عَاجٍ وَغَشَّاهُ بِذَهَبٍ خَالِصٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ سِتُّ دَرَجَاتٍ. وَلِلْكُرْسِيِّ مَوْطِئٌ مِنْ ذَهَبٍ كُلُّهَا مُتَّصِلَةٌ، وَيَدَانِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ عَلَى مَكَانِ الْجُلُوسِ، وَأَسَدَانِ وَاقِفَانِ بِجَانِبِ الْيَدَيْنِ. وَاثْنَا عَشَرَ أَسَدًا وَاقِفَةٌ هُنَاكَ عَلَى الدَّرَجَاتِ السِّتِّ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ. لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهُ فِي جَمِيعِ الْمَمَالِكِ. وَجَمِيعُ آنِيَةِ شُرْبِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ مِنْ ذَهَبٍ، وَجَمِيعُ آنِيَةِ بَيْتِ وَعْرِ لُبْنَانَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ. لَمْ تُحْسَبِ الْفِضَّةُ شَيْئًا فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ، لأَنَّ سُفُنَ الْمَلِكِ كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى تَرْشِيشَ مَعَ عَبِيدِ حُورَامَ، وَكَانَتْ سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سِنِينَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ.
فَتَعَظَّمَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ عَلَى كُلِّ مُلُوكِ الأَرْضِ فِي الْغِنَى وَالْحِكْمَةِ. وَكَانَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَرْضِ يَلْتَمِسُونَ وَجْهَ سُلَيْمَانَ لِيَسْمَعُوا حِكْمَتَهُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ فِي قَلْبِهِ.
وَكَانُوا يَأْتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِهَدِيَّتِهِ، بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَحُلَل وَسِلاَحٍ وَأَطْيَابٍ وَخَيْل وَبِغَال سَنَةً فَسَنَةً. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ أَرْبَعَةُ آلاَفِ مِذْوَدِ خَيْل وَمَرْكَبَاتٍ، وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، فَجَعَلَهَا فِي مُدُنِ الْمَرْكَبَاتِ وَمَعَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ. وَكَانَ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. وَجَعَلَ الْمَلِكُ الْفِضَّةَ فِي أُورُشَلِيمَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ، وَجَعَلَ الأَرْزَ مِثْلَ الْجُمَّيْزِ الَّذِي فِي السَّهْلِ فِي الْكَثْرَةِ. وَكَانَ مُخْرَجُ خَيْلِ سُلَيْمَانَ مِنْ مِصْرَ وَمِنْ جَمِيعِ الأَرَاضِي».
أود أن أشير هنا إلى أن أسلوب الحياة المترف لخليفة الله المنصب من الله كما ترون، لا يعد سبباً للكفر به، لأنه في هذه الحالة ينبغي علينا الكفر بسليمان (عليه السلام) أولاً. أدى عدد زوجات سليمان الهائل إلى سقوطه في نهاية المطاف وإلى وقوع الفوضى في مملكة إسرائيل مما أدى إلى إدخال الآلهة الباطلة في مملكة الله وفقدان أبناء سليمان (عليه السلام) السلطة في إسرائيل. وهذا كان أحد الأسباب التي أدت إلى تغيير الأحكام في العهد التالي، عهد النبي عيسى (عليه السلام)، من السماح بتعدد الزوجات إلى حظره وعدم السماح بالزواج سوى من امرأة واحدة فقط.