أحمد الحسن (منه السلام) هو صاحب العهد الأعظم والأخير. ويأتي هذا العهد تتويجاً لجهود كل الأنبياء والمرسلين والصالحين منذ عهد آدم (عليه السلام) وحتى اليوم. يظهر صاحب العهد الأخير ويقر كل العهود السابقة والأنبياء والمرسلين السابقين، ويوحد العالم على الحق ويعيده إلى حالته الشبيهة بجنة عدن التي يَعُم فيها العدل الإلهي، والتي لا يوجد فيها فقر ولا حروب ولا أمراض ولا موت ولا حكم لأبناء إبليس. وهذه المهمة أبعد ما تكون عن السهولة، بل إنها أصعب مهمة سعى جميع الأنبياء والمرسلين إلى تحقيقها، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك في حياتهم.
كما أوضحنا في العهود الستة الماضية في الكتاب، خلق الله البشر على صورته، وعَيَّن أبانا آدم (عليه السلام) ملِكاً على الخلق. كان بنو آدم وبناته ورثة الأرض وكل ما عليها، ولكن خطأ واحد ومعصية واحدة وتجاوز واحد من آدم ضد السيدة فاطمة الزهراء (منها السلام) جعل آدم يتحمل تبعات أفعاله، وهي العيش على الأرض مع عدوه، وبقاءه محصوراً مع نسل عدوه إبليس على الأرض في صراع مستمر على العرش.
كان وجود نسل قابيل في حد ذاته من شأنه أن يسبب قدراً غير متناهِ من المعاناة، بدءاً من قتل قابيل لهابيل إلى ارتكاب قابيل وأولاده جميع أنواع الجرائم والخطايا. تسببت هذه الخطايا والجرائم في تطبيق أحكام جديدة زادت من تقييد الحريات التي كان آدم وحواء (عليهما السلام) يتمتعان بها ذات يوم في جنة عدن. أصبح العالم داراً للمعاناة وبات هدف أبناء آدم هو إرجاع البشرية إلى جنة عدن، بل إرجاع الأرض بأكملها إلى الحالة الشبيهة بجنة عدن التي عاشت فيها البشرية في يوم من الأيام. ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك إلا إذا تولت ذرية آدم سدة الحكم.
لقد أثبتنا في الأبواب الستة السابقة أن أبناء قابيل كانوا بطبيعتهم همج ومجرمين وظالمين، يفسدون في الأرض دون انقطاع. وقد منحهم الله سبحانه وتعالى الكثير من الفرص واضطر مراراً وتكراراً إلى القضاء عليهم من خلال إنزال العذاب عليهم بعد أن قتلوا كل ابن من أبناء النور الذين أُرسلوا إليهم. أثبتنا أيضاً أن المَلِك الحقيقي الذي يعينه الله يكون ابناً لآدم لأن أبناء آدم هم الذين نفخ الله فيهم من روحه. أثبتنا أن آدم كان مَلِكاً، وأُعطي سلطة مطلقة على كل شيء. وأثبتنا من خلال داود (عليه السلام) أن الحاكم المعين من الله يتمتع بحصانة ويكون فوق القانون ولا يمكن محاكمته. ومثبت في الكتب المقدسة أن الحاكم المعين من الله يُعرف من خلال قانون معرفة حجة الله: ١) بالوصية؛ ٢) بالعلم؛ ٣) وبالدعوة إلى حاكمية الله.
الوصية تعني أن الحاكم معين إلهياً وأن اسمه مذكور بوضوح في وصية من يعيّنه، أي سلفه. آدم (عليه السلام) مثلاً عينه الله كما هو واضح في القرآن الكريم: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. ونرى أن آدم (عليه السلام) عين هابيل وشيث، ونرى أن نوح (عليه السلام) عين سام، ونرى أن موسى (عليه السلام) عين هارون ويوشع بن نون. نرى العديد من الأمثلة على التنصيب الإلهي في الكتب المقدسة، حيث يعين الأنبياء خلفاءهم.
أما العلم فيعني أن لدى الرسول والحاكم المعين من الله معرفة إلهية تسمح له بمعرفة الغيب والإجابة على أسئلة الناس، وتحديداً في الأمور العظيمة التي لا يكشف عنها إلا رسول إلهي، وهي الأمور التي يشار إليها بعظائم الأمور. وقد ورد معيار العلم هذا في القرآن الكريم في الآية التالية فيما يخص تعيين آدم (عليه السلام) خليفةً لله. ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
الدعوة إلى الحاكمية لله، يدعو الرسول الإلهي دائماً إلى حاكمية الله ولا يدعو إلى حاكمية الناس. وهذا يعني أن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحكم الناس يجب أن يكون شخصاً معيناً من الله ويدعو الناس إلى الله. إنه المَلِك الفيلسوف أو الحاكم الإلهي. وتعيين آدم (عليه السلام) يعني أنه هو الحاكم وهو المَلِك وهو رئيس الوزراء وهو الرئيس، فهو الذي أوكل الله له تنفيذ إرادة الله على الأرض، ومن ثم فإن حاكمية الله تعني أن الشخص الذي يتولى شؤون البشر يجب أن يكون شخصاً مختاراً ومعيناً ومنصباً من الله، ولا يكون من اختيار الناس أو بانتخابهم له، حيث يكون هذا الإنتخاب مبنياً حتماً على مصالح البشر الذاتية والشخصية، أو على مصالح حزب سياسي أو تحيزات جماعة معينة. أما إختيار الله فهو اختيار مبني على ما فيه صلاح البشرية جمعاء من الناحية الروحية والعقلية والمادية. قال عيسى (عليه السلام): «لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي».
إذن كيف يجعل الله تنصيبه للخليفة بيّناً وجلياً؟ تماماً كما عُرف آدم بتعيينه من الله، وبمعرفته بالأسماء كلها (العلم) وبالدعوة إلى حاكمية الله (بكونه خليفة الله المنصب في الأرض)، فلا يمكن للإنسان أن يعرف الحاكم المنصب من الله من خلال المعايير الدنيوية، مثل الخصائص الجسدية أو الوضع الإجتماعي والأُسري أو الشهرة أو الثروة أو ما شابه، لأن الله أرسل حكاماً مثل سليمان (عليه السلام) الذي كان ثرياً للغاية وكانت له مئات الزوجات، وأرسل أيضاً حكاماً ليس لديهم سوى القليل من الثروات المادية مثل عيسى (عليه السلام). وقد أثبتنا أيضاً أن الأحكام تتغير مع تغير الزمان وأن أفعال الحكام المنصبين من الله قد لا تكون دائماً مفهومة أو عادية في نظر المجتمع الذي يعيشون فيه. وتماماً كما اتضح من أفعال داود ولوط وعيسى (عليهم السلام)، لا يمكن للمرء أبداً أن يعترض على الحاكم الإلهي أو المَلِك المعين من الله، فالطاعة المطلقة والتامة ضرورية في كل الأحوال والأوضاع. كذلك أثبتنا من خلال علي (منه السلام) وأبنائه، الأئمة والمهديين، أن الطريقة التي يمكننا من خلالها تمييز ابن آدم عن ابن قابيل هي من خلال محبته وولائه للحاكم المعين من الله في زمانه. من يقبل المَلِك المعين من الله ويحبه ويكون من شيعته فهو ابن آدم ومن يرفض ويعادي فهو ابن الشيطان.
عندما ننظر إلى كل هذا، إلى قصة الإنسانية منذ آدم (عليه السلام) وحتى اليوم، ندرك أن ديننا الحقيقي هو عبارة عن شيء واحد، طاعة المَلِك المنصب من الله. قصتنا هي قصة عرش وحكم وأرض اغتصبها أبناء إبليس، ذلك المَلِك القديم الذي رفض اختيار الله للمَلِك. قصتنا هي قصة مَلِك أطيح به (آدم ونسله) وصراع لإعادته إلى عرشه وتمكين أبنائه في الأرض. هذا هو الدين كله وهذه هي غايته، السماح بحكم الله في الأرض، حكم يملأ الأرض عدلاً وقسطاً. تم تحريف الدين وإفساده على يد أبناء قابيل. لقد صوروا الدين على أنه منفصل عن حكم الدولة، وهو ما يُعرف بفصل الدين عن الدولة. فكرة أننا نقبل المسيح، ومحمد، وبوذا، وكريشنا…إلخ طالما أنهم ليسوا في موضع حكم علينا، نقبلهم فقط كدعاة أو واعظين.
لم يكن هذا هو مراد الله، فالدين لم يكن أبداً اتباع لمجموعة من الطقوس مثل طقوس الطهارة أو طقوس معينة للصلاة، بل إنه الطاعة والولاء للمَلِك المنصب إلهياً. وذلك المَلِك يمثل حكم الله في الأرض. لم تكن رغبة الله أبداً أن يكون غائباً عن حياة الناس أو شؤون الدنيا، بل إنه أراد أن يضمن إقامة العدل والمساواة على الأرض من خلال تعيين رسله حكاماً إلهيين، الرسل الذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب والقتل على مدار التاريخ لا لشيء سوى لأنهم دافعوا عن عدل الله ودافعوا عن حكم الله في الأرض، حاكمية الله.
لذلك نؤمن أن كل المشاكل الموجودة على الأرض يرجع أصلها إلى أن الحكام الذين يحكمون الأرض ليسوا منصبين من الله ومعظمهم ليسوا حتى من أبناء آدم. عن أبي خالد الكابلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن الله عز وجل جعل الدين دولتين: دولة آدم، وهي دولة الله، ودولة إبليس، فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم، وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس، والمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين».
إذن يمكننا أن نرى بوضوح أن الدين مرتبط بالحكم الإلهي، فالدين كله عبارة عن حكم. ﴿إِنّي جاعل فِي الأَرْضِ خليفة﴾. وبالتالي نفهم الآن أن المهديين ليسوا في الواقع قادة روحيين فحسب بل هم ملوك أصحاب سلطة سياسية وروحية على الأرض. تعتقد ما تسمى بدولة إسرائيل اليوم أن لهم حق إلهي في أن تكون لهم دولة لليهود، وتعريفهم للهوية اليهودية لا يكون على أساس الدين فحسب بل أيضاً على أساس النسب البيولوجي من خلال الأم. على نفس المنوال نؤمن نحن، المؤمنون بالمهديين المذكورين في وصية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أننا لا يوحدنا الدين فحسب ولكننا نؤمن أيضاً أننا متحدون من خلال النسب، لأننا نؤمن بأننا جميعاً مرتبطون ببعضنا البعض ومن عرق واحد، أبناء آدم. ولكن على عكس النسب البيولوجي فإن نسبنا هو نسب روحي. يمكن لأي إنسان أن يختار أن يصبح جزءاً من هذا النسب - هذه العائلة الروحية - من خلال تطهير نفسه وتمكين النور الذي بداخله وهزيمة الظلام والتسليم للحاكم المنصب إلهياً.
يشكل أبناء آدم (عليه السلام) في عالم الأرواح اليوم عائلة آل المهدي الروحية. وكما أوضحنا في الأبواب السابقة، فإن أولئك الذين هم من نسل آدم (عليه السلام) يميلون بطبيعتهم إلى ولي الله وإلى المحبة والعدل والخير، إنهم أبناء النور. أما نسل الشيطان فهو نجس بطبيعته ويميل إلى الظلم والخبث. إن هدف الله وخطته الأساسية هي تطهير الأرض من بقايا الشيطان الذي تسبب في الفوضى والاضطهاد والظلم من خلال غصبه للسلطة من الورثة الشرعيين - أبناء آدم (عليه السلام). وبعد آلاف السنين من الاختلاط الجيني بين أبناء آدم (عليه السلام) وأبناء الشيطان، وما نتج عنه من طفرات جينية وتغييرات في آلية عملها، يؤسس العهد السابع روابطنا وهويتنا وقوانيننا الجديدة على أساس «العرق الروحي» أو النسب الروحي، وأما فرض الحكم أو السلطة الدينية أو الغير دينية الذي يكون مبنياً على أساس العرق البيولوجي أو الجيني أو التحكم في السلالات البشرية (اليوجينيا)، فكل ذلك سيتم القضاء عليه كلياً. كل هذه المعايير خاطئة وهي السبب الأصلي وراء الاستبداد والقمع والظلم المتفشي في الأرض. يأتي العهد السابع بعلم الروح من أجل القضاء على كل الهويات الزائفة التي تسببت في هذا الكم من المعاناة.
كما ذكرنا سابقاً، يرتبط الدين في جوهره بالحكم الإلهي والسيادة الإلهية (الولاية). إنه مفهوم مترسخ في الكنيسة الكاثوليكية. الكنيسة الكاثوليكية هي واحدة من أقدم وأغنى المؤسسات في العالم وهي تبني سلطتها وسيادتها على أساس هذا المبدأ المستمد من الآية التالية:
«وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ».
ومثلما يعتقد الكاثوليك أنه من المهم أن يتم تمكين قائدهم الروحي، البابا، كي يكون رئيساً لدولة خاصة به ذات سيادة وقوانين خاصة بها (الفاتيكان)، كذلك نؤمن نحن أيضاً أنه من المهم أن يكون المهديون رؤساء لدولة خاصة بهم ولها قوانينها الخاصة التي يتم تطبيقها، ونؤمن أننا لدينا وعد من الله أنه في يوم من الأيام في حياتنا هذه سنُمنح أرضاً تكون لنا ونحكمها. ودولة العدل الإلهي هي وعد الله وسيرثها أبناء آدم (عليه السلام). وسيكون نوع الحكم في دولة العدل الإلهي هو حكم قائم على العدل والمساواة للجميع. وسيُسمح لمعتنقي جميع الأديان والطوائف بممارسة عقيدتهم بحرية في دولتنا تحت راية حاكمية الله. ولكي نوضح أكثر نقطة أن الكاثوليك يؤمنون بأن أوصياء عيسى (أي البابا بالنسبة لهم) يتمتعون بسلطة وحكم سماوي وأرضي، إليكم علم وشعار وختم الدولة الكاثوليكية، دولة مدينة الفاتيكان (الشكل ١) حيث ترون مفتاحين. يرمز المفتاح الذهبي إلى السلطة السماوية، أما المفتاح الفضي فيرمز إلى السلطة الأرضية، والتاج الذي يظهر على العلم فهو يُبين بوضوح اعتقاد الكاثوليك بأن البابا هو مَلِك صاحب سلطة إلهية:
وبالمثل نجد هذا المفهوم في الديانة البوذية حيث يكون الدالاي لاما (تينزن غياتسو) هو رئيس الدولة والزعيم الروحي لشعب التبت. في الإسلام يدعي الشيعة اليوم وجود سلطة وحكم شبيهين يتمثلان في «حكم الفقيه» (أو ما يسمى بولاية الفقيه)، ويمنحون مرجعياتهم نفس المكانة إلى حد ما، وعند أهل السنة نرى إحتجاج ملك الأردن بسلطة مستمدة من نسبه الهاشمي المزعوم للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يعلن نفسه خادماً للمسجد الأقصى في القدس، أما الحكام الوهابيون في السعودية فهم يدعون أيضاً أنهم يتمتعون بسلطة نبوية فضلاً عن تنصيبهم لأنفسهم خداماً للحرمين الشريفين في مكة والمدينة.
في العهد السابع، بما أن النسب يكون مبنياً على الأرواح، لن ينحدر المهديون بالضرورة من نسل مادي واحد، بل قد يكونوا من أصول وخلفيات متعددة أو مختلطة من الناحية المادية. لم يشهد العالم من قبل مملكة يأتي خلفاؤها من سلالات أو جنسيات أو أعراق أو لغات أو مجموعات دينية مختلفة، لم تكن لدينا من قبل مملكة يكون ورثتها من جنسيات مختلفة يخلفون بعضهم البعض.
عن عمرو بن شمر عن جابر، قال: «دخل رجل إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، فقال له: «عافاك الله اقبض مني هذه الخمسمائة درهم، فإنها زكاة مالي»، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المسلمين»، ثم قال: «إذا قام قائم أهل البيت قسم بالسوية، وعدل في الرعية، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، وإنما سمي المهدي مهدياً لأنه يهدي إلى أمر خفي، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بأنطاكية، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عزَّ وجل، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وشراً».
نرى بوضوح أنه حتى في دولة العدل الإلهي ستتمتع الشعوب التي تدين بديانات أخرى بحرية ممارسة دينها، وسيُحكمون بكتابهم وليس بشريعة الإسلام أو أحكامه، وستكون حرية الدين محفوظة في دولة العدل الإلهي، بل إن جميع الأديان في الحقيقة واحد وتعتبر جميعها أجزاء من عقيدة واحدة كبرى.
لقد أقام الإمام أحمد الحسن (منه السلام) عهداً جديداً مبنياً على هويتنا الروحية، وذلك من خلال كشفه عن العهد السابع، كما أنه أقر بذلك العهود السابقة وأنبياء تلك العهود، سواء كانوا أنبياء أصحاب عهود أو أنبياء اتبعوا تلك العهود في الأجيال اللاحقة. إقرار الشيء يعني الإعلان عن صحته وشرعيته، لذلك تذكر الروايات أن القائم سيعيد العمل بشرائع العهود السابقة، وسيحكم أحياناً بمنهج الأنبياء والمرسلين السابقين، ولهذا السبب بدأ الإمام أحمد الحسن (منه السلام) هذه العملية من خلال تأكيده وإقراره العلني بأنبياء ورسل الأديان المختلفة حول العالم، مؤكداً أنهم أنبياء حقيقيون ورسل من الله. وكشف كذلك أن العديد من أعظم مفكري العالم والفلاسفة والعلماء وعلماء الرياضيات كانوا في الحقيقة أنبياء ورسل ونحن نؤمن بهم مثلماً نؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«ينص دستور ديننا على أننا لا نفرق بين الأنبياء والأوصياء والرسل».
روي عن أبا ذر أنه قال: «قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟» قال:
«مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً» قلت: «كم الرُسل من ذلك؟» قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً».
لا يزيد عدد الأنبياء المذكورين بأسمائهم في القرآن الكريم عن ثلاثين اسماً، أما المذكورين بأسمائهم في التوراة والإنجيل فهم لا يتعدون المائة وأغلبهم نفس الأسماء. إليكم قائمة ببعض الأنبياء والمرسلين المذكورين في القرآن والتوراة والأناجيل:
هؤلاء الأنبياء اليهود والمسيحيون والمسلمون المذكورون أعلاه هم جميعاً من المائة وأربعة وعشرين ألف نبي ورسول الذين بُعثوا إلى الأرض، ولكن لا يزال هناك أكثر من مائة ألف نبي ورسول غير معروفين. وقد بدأ الإمام أحمد الحسن (منه السلام) في الكشف عن هؤلاء الأنبياء الغير معروف سابقاً أنهم أنبياء عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، وهذه مجرد بعض الأمثلة:
هذه أسماء بعض الأنبياء فقط من المائة وأربعة وعشرين ألف نبي المبعوثين إلى الأرض والذين أكد الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أنهم أنبياء حقيقيون من الله. تأسست معظم الأديان في العالم في الأصل على يد نبي أو رسول من الله، فقد بعث الله الأنبياء والمرسلين إلى كل ركن من أركان الأرض. ورد في القرآن الكريم:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
ولطالما أشار النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن هناك أنبياء ورسل لم يعرفهم الناس. في القرآن الكريم مكتوب:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِىَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ﴾.
حتى أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر أسماء بعضهم حينما قال:
«أنا أرسطو طاليس هذه الأمة» وفي كتاب محبوب القلوب للديلمي جاء: «لما جاء عمرو بن العاص من الإسكندرية، قدم على رسول الله، فسأله النبي: «ماذا رأيت هناك؟» فقال: «رأيت قوما يطلسون (أي يؤمنون بنظريات أرسطو طاليس) ويجتمعون حلقاً، ويذكرون رجلاً يسمى أرسطو طاليس، لعنه الله». فقال رسول الله: «مه يا عمرو، إن أرسطو طاليس نبي، فجهله قومه».
هذا يعني أن الأديان كلها، من الديانات المصرية القديمة الباطنية إلى الديانات اليونانية القديمة إلى البوذية والهندوسية والمانوية كلها مبنية على وحي حقيقي من الله، ولكن نالها كلها التحريف ودخل فيها الباطل من خلال العلماء غير العاملين وأعداء الدين، مثلما حدث مع اليهودية والمسيحية والإسلام. قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن تسعة وتسعين بالمائة من الدين محرف، ليس تسعة وتسعين بالمائة من جميع الأديان، لكن تسعة وتسعين بالمائة من كل دين، بما فيها الإسلام. يسعى الإمام أحمد الحسن (منه السلام) إلى توحيد جميع الأديان وكشف الباطل وإظهار الحق في كل منها، موحِداً بذلك كل عهود الأنبياء ورسالاتهم تحت عهد إلهي ورسالة إلهية واحدة، العهد السابع.
مع الأسف اتخذ أولاد إبليس الذين هم في الأرض الدين كوسيلة للسيطرة على الناس وقمعهم، فضلاً عن استخدامه كوسيلة للتفرقة بين الناس وشن الحروب والنزاعات بإسم الله والدين، وبسبب تحريف تعاليم الأنبياء والمرسلين وكلماتهم، سيحارب أولاد إبليس القائم بقيادة العلماء غير العاملين في مهمته لتوحيد الإنسانية. قال الأئمة الإثنا عشر (منهم السلام):
«وإذا خرج الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة، هو والسيف أخوان، ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء في قتله، ولكن الله يظهره بالسيف والكرم، فيطيعون ويخافون، فيقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه». وفي رواية أخرى قال الإمام الصادق (منه السلام): «إذا خرج القائم (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب والفرس إلا السيف».
تخبرنا هاتان الروايتان أن العدو الأول للإمام أحمد الحسن (منه السلام) هم رجال الدين من كل الأديان، لكن بالأخص رجال الدين في الإسلام، سنة وشيعة، ليس لأن القائم يرغب في فرض الدين عليهم، بل لأنهم هم الذين سيفتون بقتل القائم أولاً وسيُحلّون دمه ويقولون أنه كافر ويحاولون القضاء عليه هو وأصحابه أولاً.
العهد السابع صعب وثقيل على العرب بالأخص، لذلك ورد في روايات آل البيت (منهم السلام):
«يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد»،
وفي رواية أخرى:
«سيأتي بدين جديد على العرب شديد»،
بل تشتد معارضة توحيد الأديان إلى الحد الذي يُجبَر فيه القائم في بعض الأحيان على أن يدافع عن نفسه حتى من أتباعه، وذلك عندما يبدأ في إحياء كل أحكام وممارسات العهود السابقة وتوحيد كل أديان العالم تحت دين واحد.
عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء آدم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء داود (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلى الله عليه وآله) فلا ينكرها أحد عليه».
حتى أن القائم في روايات آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يبدأ دعوته ويجمع أصحابه متحدثاً بالعبرية: عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
«إذا أذن الإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر، قزع كقزع الخريف، فهم أصحاب الألوية، منهم من يُفقد من فراشه ليلاً فيُصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه» قلت: «جُعلت فداك؛ أيهم أعظم إيماناً؟» قال: «الذي يسير في السحاب نهاراً وهم المفقودون، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا۟ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ ﴾».
بدأ الإمام أحمد الحسن (منه السلام) العهد السابع باتخاذه نجمة داود وفيها اسم أحمد كختم ورمز لدعوته. كان رد فعل العالم العربي والإسلامي على استخدام هذا الرمز مُحزن ومفجع، فعلى الرغم من أن المسلمين يؤمنون بأن التوراة من الله ويؤمنون بأنبياء ورسل اليهودية مثل داود وسليمان، إلا أن المسلمين اتهموا مهديهم ومخلصهم بأنه عميل إسرائيلي، عميل للموساد، عميل أمريكي. يرجع هذا إلى جهلهم بالروايات النبوية الشريفة التي تخص ظهور الإمام المهدي، حيث جاء الإمام أحمد الحسن (منه السلام) بنجمة داود مصداقاً للنبوءات والإخبارات وهو وارث الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام). إن عنصرية معظم العرب والفرس وجهلهم وكرههم لليهود يدفعهم لمعاداة القائم وعدم قبول أي شيء يعتبرونه ذا أصل أو إرث أو طبيعة يهودية، وعنصرية وجهل بعض المسلمين الباكستانيين وبغضهم للهندوس والهنود يدفعهم إلى معاداة القائم عندما يسمعون أن كريشنا وأرجونا وبوذا وغيرهم كانوا أنبياء ومرسلين.
لم يكن هناك عهداً من قبل يسعى إلى توحيد أديان العالم كلها على الحق مثل العهد السابع. سعى رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى توحيد أهل الكتاب تحت راية التسليم لله الواحد الأحد (الإسلام)، لكن الأديان التي حاول أن يوحدها كانت كلها سامية وفي الأغلب ذات أصل يهودي حيث يذكر القرآن الكريم اليهود والمسيحيين والمندائيين ويذكر كتبهم وأنبيائهم، أما العهد السابع فهو العهد الوحيد الذي يسعى لإحياء وتوحيد كل دين كان أصله نبي، من زمن آدم (عليه السلام) وحتى اليوم، ومن كل أنحاء العالم.
علامة العهد السابع هي النجمة السداسية أو نجمة داود (الشكل ٢)، وهي رمز للكون - العوالم المادية والغير مادية. وهكذا يمكننا أن نرى أن هذا العهد الأخير والأكمل هو العهد الأبدي الذي يكون للكون بأسره. إنه عهد الله مع كل الخليقة. ومن الأمور التي تجعل هذا العهد مميزاً وفريداً مقارنةً بالعهود السابقة هو أنه عهد مع الأرواح.
الشكل٢: رمز العهد الأحمدي
إذا نظرنا إلى العهد الأول، نرى أن عهد آدم كان بين الله وآدم (عليه السلام)، والعهد الثاني كان بين الله ونوح (عليه السلام) وأهله، والعهد الثالث كان بين الله وإبراهيم (عليه السلام) وأهله، والعهد الرابع كان بين الله وموسى ونسل إبراهيم، بني إسرائيل، وكان العهد الخامس بين الله وبين عيسى (عليه السلام) وبني إسماعيل (العرب) الذين كانوا أيضا أبناء إبراهيم، وكان العهد السادس بين الله ومحمد وآل محمد (منهم السلام)، وكان عهداً لكل العالمين. أما العهد السابع الآن، فلم يعد قائماً على النسب المادي وهو ليس عهد مع الأجساد ولكنه عهد بين الله وبين الأرواح، الأرواح الصالحة.
ومثلما تغيرت الأحكام من عهد لعهد لتواكب متغيرات الزمان وحال البشر، كذلك جاء العهد السابع بأحكامه وشرائعه الخاصة الملائِمة لروح العصر والزمان وأحوال الناس، وما كان ملائماً من العهود السابقة يبقيه الله في هذا العهد، وما عدا ذلك يصبح ملغياً ومُبطَلاً وتضاف أحكام جديدة. أخبرنا محمد وآل محمد (منهم السلام جميعاً) أن القائم عندما يأتي سيغير الدين تغييراً جذرياً. قال الإمام الباقر (منه السلام):
«يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويستأنف الإسلام جديداً».
إسلام جديد معناه أن الإسلام الذي يأتي به القائم يكون تقريباً مختلفاً كلياً عن الإسلام الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الإسلام المعروف بين الناس اليوم. إنه في الحقيقة دين جديد. عن الحسن بن هارون قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله المعلى بن خنيس:
«أيسير القائم إذا قام بخلاف سيرة علي (عليه السلام)؟» فقال: «نعم». قال أبو عبد الله (منه السلام): «ولا يخرج القائم (عليه السلام) حتى يقرأ كتابان، كتاب بالبصرة، وكتاب بالكوفة، بالبراءة من علي (عليه السلام)». وفي رواية أخرى من الأئمة (منهم السلام جميعاً): «ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
في الجزء المتبقي من هذا الباب سنقدم أمثلة على هياكل دينية سيتم اقتلاعها من جذورها وهدمها تماماً لأنها أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالباطل والانحراف عن جادة الحق وبعبادة الأصنام بشكل صريح. ومن بين هذه الهياكل المساجد والأضرحة والتقويم القمري والحجاب للنساء كفريضة دينية، من بين أمور أخرى. عند إطلاعكم على النقاط التالية، من المهم التفكير بشكل نقدي في كيفية نشأة وظهور كل من هذه الممارسات ولماذا يحتاج القائم إلى أن يرفع عليها الفأس مثلما فعل إبراهيم (عليه السلام).
هدم المساجد والأضرحة
ولا تتوقف قائمة الأعمال التي يعتبرها المسلمون ضلالية عند هذا، حيث يأمر القائم (منه السلام) بهدم المساجد والأضرحة. عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال:
«إذا قام القائم سار إلى الكوفة فهدم أربعة مساجد ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شُرَفٌ إلّا هدمها». وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لا يخرج مع القائم منهم واحد».
سيبدو للناس وكأن القائم يحاول محو دين الإسلام. قال أبو عبد الله (منه السلام): «إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة». لا يهدم القائم الكعبة نفسها والمسجد الحرام في مكة فحسب، لكنه يتجه أيضاً إلى المدينة لهدم مسجد ومقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
«إذا قدم القائم (عليه السلام) وثب أن يكسر الحائط الذي على القبر فيبعث الله تعالى ريحا شديدة وصواعق ورعودا حتى يقول الناس: إنما ذا لذا، فيتفرق أصحابه عنه حتى لا يبقى معه أحد، فيأخذ المعول بيده، فيكون أول من يضرب بالمعول ثم يرجع إليه أصحابه إذا رأوه يضرب المعول بيده، فيكون ذلك اليوم فضل بعضهم على بعض بقدر سبقهم إليه».
حقيقة الكعبة
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«بيت الكعبة هذا الذي يعرفه الناس ليس الكعبة الحقيقية، الكعبة دُمرت بالكامل. كان هناك في مكة ٢٢ كعبة، وفي الأردن والعراق والسودان ومصر. لكل قبيلة كبيرة كعبة يصنعونها ليحج الناس إليها».
سألت الإمام (منه السلام): «ما هي الكعبة الحالية إذن؟».أجاب (منه السلام): «لقريش، لكن هذا ليس مكانها الحقيقي، كعبة قريش القديمة قد دُمرت، وهذه الكعبة حديثة وبنوها في وقت مبكر».
سألته (منه السلام): «وأين مكان كعبة الله؟».
قال (منه السلام): «تقصد التي بناها إبراهيم (عليه السلام) الحقيقية؟».
قلت: «نعم والتي كان يطوف حولها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».
قال (منه السلام): «إنه لم يبنيها هو رممها، لم يعد لها أثر، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطوف على كعبة أخرى تعود لقبيلته، قبيلة بني هاشم، وهذه أيضاً دُمرت بالكامل».
سألته (منه السلام): «هل كانت الكعبة التي تعود لبني هاشم في نفس مكان كعبة قريش الحالية؟».
قال (منه السلام): «لا الكعبة الحقيقية مكانها في الشام وليس الحجاز وتحديداً في الأردن. تاريخنا مزور بني معظمه».
وقد أوضح الإمام (منه السلام) كذلك أن موقع الكعبة الحقيقية الأصلي هو تحديداً في البتراء بالأردن.
إلغاء التقويم القمري
ذات يوم سأل أحدهم الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«هل يجوز للأنصاري أن يذهب للحج تحت حكم آل سعود؟».
فأجاب (منه السلام): «بدل أن تذهب للحج إذهب وأعطي أموال الحج للفقراء والمساكين الذين يتضوّرون جوعاً، قسماً بالله هذا يساوي عند الله مائة ألف حجة عند الله».
أكمل السائل سؤاله: «الله يأمرني بالحج والإمام يأمرني بالتصدق، أُصدق من؟».
فأكمل الإمام (منه السلام): «أنت سألتني وأنا أجبتك وأنت حُر بُني، السائل عن الحج، أُحب أن أزيدك معلومة ربما تجدها غريبة، هذا الوقت والشهر ليس شهر الحج، أعني أننا لسنا في موسم الحج، والكعبة التي تعرفونها ليست هي الكعبة التي إسمها بيت الله الحرام، ربما سوف يُكفرني الكثير، لكن ليس مُهم، المُهم هو أن أوصل الحق لطُلاب الحق».
جاء في القرآن الكريم:
﴿لِإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ ۞ إِۦلَـٰفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ ۞ فَلْيَعْبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ۞ ٱلَّذِىٓ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍۭ﴾.
مع مرور الوقت فسر الناس هذه الآيات على نحو خاطئ، وذهب علماء الدين الذين يتحدثون دون علم إلى القول بأن رحلات قريش كانت للتجارة، لكن هذا في الحقيقة غير منطقي، فمعروف أن التجار يسافرون كلما تطلبت الحاجة أو كان هناك عمل ولا ترتبط رحلاتهم بمواسم معينة. والآية تقول بوضوح: ﴿فَلْيَعْبُدُوا۟ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ﴾ أي أن الغرض من رحلات قريش صيفاً وشتاءاً هو غرض ديني. كانت رحلات الصيف للعمرة ورحلات الشتاء للحج. كان ما يسمى بالتقويم القمري أو التقويم الهجري الذي يستخدمه المسلمون اليوم تقويماً شمسياً في الأصل، وقد بين الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن أسماء الأشهر في التقويم الهجري تشير في حد ذاتها إلى أنها كانت أسماء لأشهر شمسية.
على سبيل المثال، كان العام يبدأ في الربيع - شهر مارس - عندما كانت الأرض تحيا وتخضر. في التقويم العربي يسمى هذا الشهر حتى اليوم «ربيع الأول»، وبعده يأتي ربيع الثاني. وبالطبع لابد أن يأتي شهر يسمى ربيع الأول في موسم الربيع، لا الشتاء ولا الصيف ولا الخريف، كما يحدث اليوم، بالذات لأنهم كانوا يعتمدون على هذا الشهر لرعي الماشية، وإذا تغيرت الشهور، كانوا سيأخذون الحيوانات إلى المرعى في الموسم الخطأ ولا يجدون أي طعام يطعمون به ماشيتهم.
إذا كانت الأشهر الهجرية في الأصل أشهر شمسية، فهذا يعني أن الأمة الإسلامية على مدار أكثر من ألف عام وهي تصوم في غير رمضان وتؤدي الحج في غير موسمه المقرر. والحقيقة هي أن روايات محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت أن من علامات ظهور الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) صوم الناس في غير رمضان وإفطارهم في رمضان.
عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
«…فإذا كان ذلك الزمان انتفخت الأهلة تارة حتى يرى هلال ليلتين وخفيت تارة حتى يفطر شهر رمضان في أوله، ويصام العيد في آخره».
سُئل أبي جعفر الثاني (عليه السلام):
«جعلت فداك ما تقول في الصوم فإنه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم؟» فقال: «أما إنه قد أجيبت دعوة المَلَك فيهم» قال: فقلت: «وكيف ذلك جعلت فداك؟» قال: «إن الناس لما قتلوا الحسين صلوات الله عليه أمر الله تبارك وتعالى ملكاً ينادي أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم ولا لفطر».
كشف الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن التالي هو التقويم الإسلامي الصحيح وأنه تقويم شمسي. وهذا هو ترتيب الأشهر الهجرية وتسلسلها الصحيح مع الأشهر الميلادية:
الأشهر الميلادية | الأشهر الهجرية | |
١) | شهر كانون الثاني أو شهر يناير | جمادى الأول |
٢) | شهر شباط أو فبراير | جمادى الآخر |
٣) | شهر آذار أو مارس | ربيع الأول |
٤) | شهر نيسان أو إبريل | ربيع الثاني |
٥) | شهر أيار أو مايو | صفر |
٦) | شهر حزيران أو يونيو | محرم الحرام |
٧) | شهر تموز أو يوليو | شوال |
٨) | شهر آب أو أغسطس | ذو القعدة |
٩) | شهر أيلول أو سبتمبر | ذو الحجة |
١٠) | شهر تشرين الأول أو أكتوبر | شعبان |
١١) | شهر تشرين الثاني أو نوفمبر | رجب |
١٢) | شهر كانون الاول أو ديسمبر | رمضان |
صوم شهر رمضان
كشف الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن شهر رمضان الحقيقي هو في شهر ديسمبر وأنه واجب على الناس الآن صيام شهر رمضان الحقيقي في شهر ديسمبر.
وقال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«صيام الله يكون كالآتي: الصيام طوال شهر رمضان عن جميع اللحوم والفواكه ومخلصاتها والجنس، والإفطار يكون لنوعين من الطعام فقط، الخبز ونوع آخر من الطعام فقط، ويغير النوع الثاني كما يشاء مع الخبز».
سألته (منه السلام):
«يعني الصائم يبدأ صيامه عند طلوع الفجر ويفطر عند المغرب ولا يكون إفطاره سوى بالخبز ونوع آخر من الطعام غير اللحوم والفواكه، مثلاً الخبز والأرز؟».
أجاب (منه السلام): «نعم بالضبط، الناس فرحين يحسبون أنفسهم صائمين ويجلسون على المائدة يأكلون ما لذ وطاب من خيرات. أي صيام هذا؟ هذا جزء من الصيام الحقيقي، لينتظروا شهر رمضان الحقيقي وطقوسه».
إلغاء الحجاب كفريضة
قال لي الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم:
«بعد إنتهائكم من عملكم اجعل بعض النساء تخلع حجابها، لا تأمرهم من يرغب فقط».
قلت: «حسناً، إذا لم يكن جزءاً من شريعتكم فما الحاجة إليه؟».
قال (منه السلام): «لا ليست ولن تكون أيضاً، لكن قد أصبحت سنة كما سن عبد المطلب سنن وثبتت في الإسلام».
وهكذا في العهد السابع، فإن إرتداء المرأة للحجاب ليس فرضاً ولكنه سنة. ونحن لا نشجع على ارتدائه ولا نمنعه، لكل إمرأة مطلق الحرية في ارتدائه أو عدم ارتدائه لأنه لم يكن أبداً فرضاً من الله تعالى، بل كان سنة حاله حال السنن الأخرى مثل تنظيف الأسنان بالسواك أو التوضؤ قبل النوم، ولم تكن سنة الحجاب حتى من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل سنها في الأصل عبد المطلب (عليه السلام). ونعم، كانت هناك نساء من آل البيت (منهم السلام) يرتدين الحجاب.
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت منقبة من رأسها وحتى أخمص قدميها الطاهرتين».
وحتى مع ذلك، فإننا لا نأخذ ما هو سنة ونجعله فرضاً إلهياً ونجعله واجباً، وقد تغير الزمان الآن عن ذلك الزمان وربما لم يعد ما كان ضرورياً حينها ضرورياً الآن.
إرجاع الصلاة الحقيقية
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم:
«أنت صاحب العهد السابع الأبدي الذي يستمر إلى الأبد وحتى آخر يوم للبشرية، في كل مرة يكون فيها عهد جديد يتغير التشريع، فهل الصلاة المحمدية مُلغاة ومُبطَلَة؟».
قال الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «تقصد بالصلاة الركوع والسجود بطريقتها الآن؟».
قلت: «نعم».
قال (منه السلام): «بني الصلاة هي السجود للمرسلين والأنبياء والأئمة في زمانهم، السجود القلبي، والصلاة هي الدعاء».
وقد بين الإمام أحمد الحسن (منه السلام) المقصود بالدعاء حيث قال:
«إن الله لا يحتاج أعمال محفوظة ومكتوبة، كَلِم الله عز وجل في قلبك وقل له كلاماً عفوياً، ولا تبحث عن المكتوب».
تحدث الإمام أحمد الحسن (منه السلام) كذلك عن تطور الصلاة على مدار الزمان حيث قال:
«منذ زمن آدم (عليه السلام) حتى اليوم، كانت الصلاة سجوداً مادياً مع السجود القلبي، هذه هي الصلاة الصحيحة».
وهذا صحيح، فنحن نرى رسومات منقوشة على جدران مقابر المصريين القدماء تصورهم وهم يسجدون في صلواتهم، ونرى كذلك اليهود يسجدون في صلواتهم، ونرى المسيحيين في إثيوبيا وفي دول أخرى يسجدون في صلواتهم، كل دين تقريباً على وجه الأرض يذكر السجود في طقوسه أو كتبه.
وعندما سُئل الإمام (منه السلام) عن الصلوات الخمس، الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، أوضح (منه السلام) أن المعنى الحقيقي للصلوات الخمس هو ولاية المهديين:
إن أداء الصلوات الخمس هو إعلاء وإقرار المؤمن بإيمانه وبيعته وتكليفه تجاه الإمام المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أحمد الحسن (منه السلام) والمهدي الثاني والثالث والرابع (عليهم السلام). وهكذا تبدأ الدورة بعدهم من جديد، حيث يكون الفجر هو المهدي الخامس، والظهر هو المهدي السادس، والعصر السابع، والمغرب الثامن، والعشاء التاسع، وهكذا حتى نهاية الزمان.
منذ زمن طويل حاول الإمام علي والأئمة الإثنا عشر (منهم السلام) أن يخبرونا بأن الصلاة الحقيقية ما هي إلا الولاية لرسل الله هؤلاء، أي المهديين. قال أبو جعفر (منه السلام): «فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا». وقال كذلك: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ من يومكم هذا الذي جمعكم فيه والصلاة أمير المؤمنين عليه السلام يعني بالصلاة الولاية وهي الولاية الكبرى». وقال أبو عبد الله (منه السلام): «يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله». وقال أمير المؤمنين (منه السلام): «من أتى الصلاة عارفا بحقها غفر له».
القروض والربا
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم عن الربا فأجاب:
«الربا أبداً غير جائز فهو قبيح جداً».
قلت: «ماذا عن الربا مع الكافرين أو النواصب؟».
قال (منه السلام): «هات مثلك».
قلت: «المُرابون في أمريكا على سبيل المثال الذين يعطون قروضاً لأناس غير قادرين على الاقتراض من البنوك بسبب فقرهم».
قال (منه السلام): «غير جائز ذلك، لأنك لا تعلم حجم الأذى الذي يسببه الربا، يضرب للنسل حتى عاشر ظهر، يضرب في ذمة النسل، في الأبناء».
قلت: «هل يعني ذلك أن الأبناء حتى الجيل العاشر تكون في ذمتهم كل الفوائد التي أخذها سلفهم؟».
قال الإمام (منه السلام): «نعم».
في يوم من الأيام سُئل الإمام أحمد الحسن (منه السلام):
«هل يجوز الرهن العقاري بفائدة (ولو بفائدة منخفضة مثل ١٪) إذا لم يكن بالإمكان شراء منزل نقداً؟ أم يجب أن يستمر المؤمن في الاستئجار ويأمل أن يتمكن من الشراء نقداً في يوم من الأيام (حتى سوق الإسكان يستمر في الصعود بحيث يبدو ذلك أقل واقعية)؟».
فأجاب (منه السلام):
«الرهن العقاري لا يجوز وهو حرام، ولو كنت تؤمن أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق وهو الرحمن الرحيم لما قلت ذلك ولكان لك بيتان، بدلا من واحد، أسأل الله أن يرزقك ويصلحك في دينك وفي دنياك وفي آخرتك إنه هو السميع العليم».
العقوبات الجنائية
يكشف القائم (منه السلام) في العهد السابع مواضع التحريف في القرآن الكريم والكتب المقدسة ويرد الحق فيها، ويلغي بعض ممارسات العصور الوسطى مثل قطع يد السارق في الإسلام. هذه الممارسة القديمة لا علاقة لها بأحكام الله، بل إنها في الحقيقة مناقضة للقرآن، لأن الله يقول في القرآن الكريم:
﴿قُلْ يَـٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾. غفران الله لكل الذنوب كما ورد في هذه الآية يعني بطبيعة الحال أن الله يعطي الناس فرصة ثانية. كيف يكون لمن سرق فرصة ثانية إذا فقد يده؟ هذه ليست مغفرة، فقطع اليد هو نقيض المغفرة، بل إنه إدانة تامة وكاملة. وقد كشف الإمام أحمد الحسن (منه السلام) أن الآية القرآنية التي تقول: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوٓا۟ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءًۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلًا مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
هي في الحقيقة محرفة وقد غيرها الناس على مدار الزمان. كلمة «فاقْطَعُوٓا۟» كانت في الأصل «فَابقَْعُوا»، حيث كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخدم نباتاً لونه غامق يصعب إزالته وكان يصبغ به يد السارق، وكان وصم السارق بهذه الطريقة رادعاً عن السرقة لأن ما من أحد يريد أن يسير وسط الناس ويداه الملطختان تشهدان على ارتكابه للجريمة.
شرب الخمر
شرب الخمر مباح في العهد السابع مثلما كان مباحاً في العهود التي سبقت النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد تم تحريم الخمر في العهد السادس لعامة الناس بسبب حالة السكر الشديدة والفسوق التي كانت مستشرية بين العرب آنذاك. لم يكن المراد أبداً تحريمها تحريماً أبدياً، فالخمر مذكور في القرآن الكريم على أنه شراب يجازى به من يدخل الجنة:
﴿مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَآ أَنْهَـٰرٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَـٰرٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُۥ وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾.
وهل يضع الله سبحانه وتعالى شيئاً غير مطهراً في الجنة؟ ولأن الله لا يضع في الجنة إلا ما هو طاهر، فلابد أن يكون الخمر طاهراً.
سألت الإمام أحمد الحسن (منه السلام) ذات يوم:
«كتب ماني أن عصير الفاكهة هو مياه مختلطة بالنور، وأن الماء وحده مجرد مادة دون نور. وتذكر بعض روايات آل البيت أنهم كانوا يشيرون إلى الخمر بلفظ «عبد النور»، والخمر من الفاكهة. هل صحيح أن الخمر يحتوي على نور؟».
أجاب الإمام أحمد الحسن (منه السلام): «نعم بني، هذا صحيح».
نستعرض معاً الرواية التالية حول «طقس الكأس» كدليل إضافي على أن استخدام الخمر كوسيلة لتعزيز الإرتقاء الروحي والأُخُوّة كان جائزاً بين المؤمنين المقربين الذين اكتمل إيمانهم. أقام النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الطقس بين آل البيت وأصحابه المقربين. يشير القرآن الكريم إلى أنهار من خمر. ومن الواضح أن هذه الممارسة لم تكن مُحَلَّلة لعامة الناس، فقد حرمها الإمام جعفر الصادق (منه السلام) على «الطغاة الفجرة» ووضع عليهم «الأغلال والآصار». الرواية التالية هي رواية معروفة في أوساط الغنوصيين والباطنيين وفي الأوساط الأكاديمية.
روى عبد الله البرقي عن البيثوراءي: حدثني محمد بن سنان عن أبي هارون المكفوف قال:
«دخلت على أبي الطيبات والطيبين محمد بن أبي زينب إليه التسليم وعنده سبعون رجلاً أخيار أصحابه من بلدان شتى منهم موسى بن أشيم الشهيد وهو محمد بن أبي بكر في زمانه. فتحدثوا طويلاً فقال لهم: «يا قوم هل لكم حاجة في الشراب؟» قلنا: «وأيّ شراب؟» قال: «شراب الملكوت» قلنا: «قد غدّيتنا بعلم الملكوت فاسقنا شرابه» فقال: «شراب الملكوت لكم وشراب بلهوت لغيركم» قلنا: «وما شراب بلهوت؟» قال: «دم إبليس لعنه الله وشراب الملكوت هو الشراب الخالص الذي وصفه الله لأوليائه» ثم تلا: ﴿وَأَنْهَـٰرٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ﴾ (محمد: ١٥) «واشربوها على معرفة وحقيقة». قلنا: «أسقناها على الحقيقة والمعرفة» فنادى: «يا جارية» فأقبلت تسعى فقال لها: «هاتي شراب الأبدان البشرية» فجاءت بقربة فيها نور ساطع وجاءت بقدح يزهر منه نور طالع ثم قال: «هذا مما حبا الله به لأوليائه» فوضعه وقال: ﴿لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ﴾ (الواقعة: ١٩) ثم قال لموسى بن أشيم: «إبتدي فأسق إخوانك فإن ساقي القوم آخِرهم شراباً فقد سُقيت بهذا القدح الذي في يدك أبدانكم في الأعصار والأدوار وأنتم في قدس المقدسين وكنتم في البهمنين أفاضلهم وأشرافهم وقد بسطت لهم الدنيا وأسبغت عليهم نعيمها وحبوتكم بكرامتها وأعطيتكم من قدرتي ما لم أعطه غيركم» فقام موسى بن اشيم فقال: «يا سيدي أسقني من يدك شربة لا ظماء بعدها لأبد الأبدين ودهر الدهرين». قال فصبّ في القدح شربة ثم ناوله فشرب حتى روى ثم قال: «ناوله أخاك أبا إسماعيل» فناوله فشرب حتى روى من غير أن ينقص القدح شيئا فرووا كلهم ثم رجع إليه كهيئته فحلّقه في الهواء فلما تحلق نظرنا إليه فإذا هو يصعد حتى إنتهى إلى الموضع وإذا السيد قد يرانا في الهواء في قبة حمراء من درّة واحدة يضئ منها ما بين المشرق والمغرب وإذا رائحة المسك الأذفر فنادى المولى جعفر (منه السلام): «يا محمد سقيت عبيدي الأصفياء الكرام البررة ما حرمته على الطغاة الفجرة قد أهديته لهم الدنيا والآخرة ووضعت على الطغاة الفجرة الأغلال والآصار وأدخلتهم في التيه» ونحن نتعجب من القبة وحسنها وشعاعها فقال ربي: «اصطفيتكم وأدنيتكم وقربتكم بأحبائي ولولا ذلك لنفقت أبصاركم من نور هذه القدرة ولغشي عليكم من هول الصوت ولكن جعلت ذلك كرامة لكم وهواناً لأعدائكم فأقبلوها ناعمين شاكرين فهذا يوم المزيد» ثم تلا: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ﴾ (يونس: ٢٦) ثم رجع القدح إلينا خاليا ليس فيه شيء من الشراب فقال أبو الخطاب لأصحابه: «إن هذا القدح قد دار في بيوتات العجم سبعة أدوار وهم إخوانكم المؤمنون العارفون وشربتم به معهم وكنتم أشرافهم وانا أسقيكم به اليوم كما سقيتكم به فيما تقدم» ثم تناول القدح فملأه ثم سقى موسى بن اشيم ثم قال: «حياك الله يا خليل الرحمن» فتناوله إبراهيم الخليل من يده فشربه فقال السيد أبو الطيبات إليه التسليم: «هنأك الله شربه فقد لعمري رُزقت بهذه الشربة عِلم الملكوت مما كان في القرون الأولى والأعصار والأكوار وتكلّمت بكل لغة وعرفت بهذه الشربة منطق الطير وكل ذي روح على وجه الأرض» قال موسى بن اشيم: «فوالذي خلقني سويا ما خفي عني بعدها منطق شيء في الأرض ولا في السماء وفيما بينهما» ثم سقى كل واحد منا شربة وقال: «أنتم اليوم في دار المزيد فقولوا أسمع واشفعوا واسألوا واتعظوا» قلنا: «حلِّل لإخواننا ممن قد غاب عنا ما حلّلته لنا من هذا الشراب» فقال: «حلال لإخوانكم مع إخوانكم الموحدين العارفين وحرام عليكم وعليهم أن تشربوا مع غير إخوانهم أما أنتم فقد أغناكم الله جل وعز عن أكل الطعام وشرب الشراب ورفع عنكم الطبائع الاربعة النجسة المذمومة، أتدرون بما بلغتم هذه المنزلة الشريفة والدرجة الرفيعة العالية؟» قلنا: «بماذا بلغناها؟» قال: «إن الله جل وعز شكر لكم فعلا فأثابكم عليه» قلنا: «وما ذلك الفعل؟» قال: «كان أحدكم إذا أوى إلى فراشه وتوسد في مضجعه ذكر أخا من إخوانه ضعيفاً ممن تخلف عنه في مطعم أو مشرب أو ملبس أو مركَب قام من فراشه مذعوراً فزعاً حتى أتى أخاه فيُصلح من حاله ما كان أصلح من حال نفسه فبهذا إرتقيتم إلى هذه الدرجة الرفيعة وبلغتم هذه المنزلة السنية». قال موسى بن اشيم: «سبحان الله ما أعظم بركة هذا ظاهراً وباطناً» قال أبو الطيبات: «هذا قدح طهمورث وهو أمير النحل سقى به بهمن وهو الإسم المقدس وسقى به بهمن لهُرمُز وأنا هرمز سقاني به فامتلأت علماً وحكماً وفهماً فلأنفّس به عليكم فما بال المؤمنين لا ينفّس بعضهم على بعض بحُطام إبليس فيمنعون منه إخوانهم ويوسعون به على عيالاتهم أولئك لا خلاف، لهم في الآخرة عذاب أليم وإنما وقع التكرير بمثل هذا وشبهه» قلنا: «ومن أين يقع التكرير في الأبدان؟» قال: «لأجل التقصير فيصفوا في التكريرات أما أنهم قد علموا أن التقصير في برّ الأخوان مما يعاقبون عليه ولكنهم ضَيَّعوا فما عملوا فطال تكريرهم» قال موسى بن اشيم: «في بعض هذا كفاية لمن لم يكن من أهل النفاق وطوبى للمؤمنين العارفين الذين يطيعون الله في أنفسهم وفي إخوانهم و﴿طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـَٔابٍ﴾ (الرعد: ٢٩)» فقال لنا سيدنا أبو الطيبات: «أتدرون ما حُسن مأب؟» قلنا: «لا» قال: «ما يملكه المؤمن من الأفعال ويكون من بلوغه جميع إرادته إذا كان في حد الصفاء فقوموا راشدين محبوبين وأنا أسئل الله أن يجمع شملكم حيث أحب» قال أبو هارون: «فأنصرف القوم بخير وسرور فما رأيت مجلساً كان أبهى ولا أنور من ذلك المجلس وما شملنا فيه من فضل الله علينا ومن إنعامه لدينا فهذا ما خصنا به سيدنا أبو الخطاب علينا سلامه في الشراب وفضله والحمد لله رب العالمين وتم الخبر».
بلا شك سيكون العهد السابع صعباً على الأمة الإسلامية وخاصة العرب والفرس، حيث يجب هدم جميع الأعمدة والهياكل التقليدية التي اعتبروها حقائق من الله (على سبيل المثال الكعبة في مكة، التقويم القمري، طقوس الصلاة …إلخ) وبناؤها كلها من جديد، ولابد من حدوث ذلك حرفياً حتى تنفضح عبادة الأصنام وشوائبها التي بقيت لمدة ١٤٠٠ عام. نقضت الأمة العربية والإسلامية العهد عندما ظلموا الإمام علي (منه السلام) وخلفائه واختاروا أن يصنعوا ديناً يوافق أهوائهم، ولا يختلف اقتلاع هيكل الباطل من جذوره بهذا الشكل عما فعله أنبياء العهود السابقين (عليهم السلام)، إلا أنه سيحدث الآن على نطاق أوسع بكثير وسيكون من المستحيل إخفاء الحقيقة الكاملة. ما كُشف عنه الآن هو مصداق للعديد من النبوءات وتَحَقُق لأحداث آخر الزمان المنتظر وقوعها في هذا الوقت. وبما أن غالبية هياكل الباطل هذه قد بنيت على دماء آل البيت (منهم السلام) والورثة الشرعيين لآدم، فقد جاء قائم آل محمد (منهم السلام) للقضاء على أي بقايا للضلال، سواء كان ضلال مادي أو نفسي. دور العبادة التي أصبحت دور ضلال ووثنية ونفاق يجب أن تُهدم ويُبنى أساس جديد لها. قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله سلم): «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء». إذا وجدت أن ما كُشف عنه حتى الآن في العهد السابع هو غريب، فطوبى لك.
هناك المزيد من التغييرات التي ستطرأ على تشريعات العهد السابع، وسيُكشف عن البعض منها هنا خلال الأبواب القادمة من هذا الكتاب عند تناولنا لموضوعات مختلفة وحيثما يكون مناسب الكشف عنها. بعض أجزاء التشريع الأخرى سيتم الكشف عنها لاحقاً، وسنتناول في بقية هذا الكتاب عقائد العهد السابع وتشريعاته وعلومه والتي ستكون مقسمة على الأبواب المتبقية.